ترجمات أجنبية

فورين أفيرز- لا تزال الصفقة ممكنة في سوريا – على واشنطن الا تتجاهل الصراع

فورين أفيرز – بقلم جيمس جيفري * –  13/12/2021

بينما يركِّز الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وفريقه على الملف النووي الإيراني، لا تزال سوريا جرحًا نازفًا في قلب الشرق الأوسط، ومع أن الإدارة الحالية لم تخرج خروجًا كبيرًا عن النهج الذي اتَّبعته الإدارات السابقة، فإن قرارها بتجاهل الصراع جاء في وقت سيئ للغاية؛ إذ إن فرص إيجاد حل للأزمة السورية تظهر جلية الآن، ويجب على الولايات المتحدة أن تكرِّس كل جهودها الدبلوماسية اللازمة من أجل اقتناص هذه الفرصة.

إن مخاطر إبقاء سوريا على الهامش كبيرة جدًّا؛ إذ يبدو الصراع السوري على أنه فشل إستراتيجي ذريع بالفعل، وانتصار نظام بشار الأسد يبعث برسالة إلى جميع المستبدين في العالم بأن القتل الجماعي تكتيك قابل للتنفيذ من أجل الاحتفاظ بالسلطة، ويعزز السيادة الإقليمية لمن يساعدون الأسد في روسيا وإيران. كما أنه يولِّد تهديدات جيوسياسية، من صعود تنظيم الدولة الإسلامية (المعروفة باسم داعش)، ونشر الصواريخ الإيرانية الدقيقة التي قد تستهدف إسرائيل، إلى التدفقات الهائلة للاجئين والتي تُهدد بزعزعة استقرار الدول المجاورة والدول الأوروبية.

أما فيما يخص السوريين، فقد أسفرت الحرب الأهلية المستمرة منذ 10 سنوات عن خسائر فادحة، وتشريد نصف الشعب وإخراجهم من ديارهم، وتركت معظم المواطنين في براثن الفقر والعوز، وإذا تُركت هذه الديناميكيات دون حلٍّ، فستهدد بزعزعة استقرار الشرق الأوسط في السنوات القادمة.

وجرَّت الحرب السورية أيضًا الجيوش الأمريكية والإسرائيلية والتركية إليها، ولا يزال خطر اندلاع اشتباك بينها وبين القوات الإيرانية والروسية والسورية حقيقي جدًّا. والاستفزازان الأخيران، انتهاك الأسد لوقف إطلاق النار في الجنوب الغربي في يوليو (تموز) 2017، والذي جرى التفاوض عليه بين الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والهجوم الذي شنَّه مقاتلون مدعومون من إيران في أكتوبر (تشرين الأول) ضد القوات الأمريكية في قاعدة التنف في جنوب سوريا، بقِيَا دون رد يُذكر، وهو الأمر الذي يمكن أن يُشجع الإيرانيين على التصعيد في المناطق التي تقع تحت حماية القوات الأمريكية والتركية.

وكان كبار المسؤولين في إدارة بايدن قد قالوا مرارًا وتكرارًا إنهم غير راغبين في بذل جهد كبير لحل الصراع السوري، ولكن مع تغيُّر الوضع الآن وظهور احتمالية التسوية، يجب عليهم إعادة تقييم هذا القرار، ومع أن اهتمام الولايات المتحدة بشأن إيران مُنصبٌّ على مفاوضات البرنامج النووي المهمة بدلًا من التركيز على الأفعال الإقليمية التي تُنفِّذها إيران، لكن بمجرد أن يكون لدى إدارة بايدن تصور أوضح بشأن هذه المحادثات، يجب عليها الانخراط جديًّا في المسألة السورية، إن مخاطر تجاهل الصراع السوري، فضلًا عن الفوائد المحتملة للتوصل إلى اتفاق، كبيرة جدًّا بحيث لا تسمح بإهدار الفرصة.

على الولايات المتحدة أن تقود أي جهد دبلوماسي متجدد للتوصل إلى حل للصراع السوري، ومع أن أي اتفاق يجب أن يكون متَّسقًا مع الدور الرسمي للأمم المتحدة، فإن واشنطن هي الوحيدة التي تستطيع تنسيق جبهة مكوَّنة من أعضاء تحالف مناهض للأسد. والمُحاوِر الوحيد المتاح أمام الولايات المتحدة في هذه المفاوضات هو روسيا، إذ إن أولئك الذين حاولوا إبرام صفقات مباشرة مع نظام الأسد منذ 2011 خابت مساعيهم وآمالهم باستمرار، كما أن إيران عادةً ما ترفض مناقشة أفعالها في الدول المجاورة مع دول من خارج المنطقة.

وصحيح أن موسكو لا تمتلك السيطرة الكاملة على نظام الأسد، ويجب عليها أن تتنافس على النفوذ مع إيران، فإنها تبقى الشريك الأكبر في التحالف الروسي السوري الإيراني. وذلك بالإضافة إلى أن لدى موسكو طموحات محدودة في المنطقة، مقارنةً بدمشق وطهران، الأمر الذي يجعلها أكثر رغبة في التوصل إلى حل للصراع من خلال المفاوضات.

ويجب أن تسعى إدارة بايدن إلى خفض التصعيد خطوة بخطوة مع كلا الجانبين، وربما يكون هذا الأمر مشابهًا للإستراتيجية التي اعتمدتها الإدارتان الأمريكيتان السابقتان، إلا أن القضايا التي ستكون لها الأولوية ستعتمد على تفضيلات إدارة بايدن وشركائها وما يريده الطرف الآخر أيضًا. وربما يأتي على رأس قائمة الأولويات تنازلات سياسية ينبغي أن تُقدمها دمشق لضمان عودة آمنة للاجئين، من بينها إعادة التوطين تحت الرقابة الدولية، وأحكام أمنية ورقابية مماثلة لإعادة دمج قوات المعارضة وقوات سوريا الديمقراطية، وضمانات أمنية لحدود تركيا الجنوبية، والنَّزْع الدائم للأسلحة الإستراتيجية الإيرانية، لا سيما صواريخها الدقيقة، من الأراضي السورية (الانسحاب الإيراني الكامل من الأراضي السورية أمر غير واقعي، بحسب التحليل).

وفي المقابل، من المرجح أن تضغط روسيا من أجل انسحاب الجيوش الأمريكية والإسرائيلية والتركية من سوريا، ومن المتوقع أيضًا أن تطلب موسكو تعاونًا أمريكيًّا لمكافحة الإرهاب في سوريا ضد داعش، التي يبدو أن الأسد غير قادر على هزيمتها، بالإضافة إلى تخفيف العقوبات وعودة اللاجئين من تركيا ولبنان والأردن إلى مدنهم وبلداتهم الأصلية، وربما تأمل روسيا، على نحو غير واقعي، بأن هذه الخطوات قد تؤدي إلى انطلاق الاستثمار الأجنبي في سوريا، ومن ثم تحرير موسكو من محاولاتها دعم اقتصاد البلاد المنهار. وأخيرًا، يجب أن يكون هناك قرار جديد من مجلس الأمن يتوِّج رسميًّا أي اتفاق يمكن عقده، ويفرض أيضًا رقابة لمتابعة التزامات كل جانب. وستتمثَّل النتيجة النهائية في عودة سوريا إلى أن تكون دولة «اعتيادية» وعضوًا كامل العضوية في جامعة الدول العربية.

موسكو قد تكون مستعدة على نحو أكبر مما تدركه إدارة بايدن لاتفاق على هذا المنوال. ويشير التاريخ إلى أن الولايات المتحدة، بالتعاون مع شركائها، يمكنها ممارسة الضغط على روسيا والتأثير في حساباتها الإستراتيجية في سوريا، ولتعزيز جهود الأمم المتحدة؛ وضعت إدارتا ترامب وأوباما، إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي والدول العربية، نظام الأسد تحت ضغط اقتصادي ودبلوماسي.

وأضافت إدارة ترامب الضغط العسكري في النهاية ليتضَافر مع الضغط الاقتصادي والدبلوماسي؛ إذ شنَّت غارات جوية كان من شأنها إيقاف هجمات الأسد الكيماوية القاتلة، وأبقت القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا وفي جنوبها، ودعمت التدخلات الإسرائيلية والتركية في البلاد. وبحلول عام 2018، أدَّت تلك الخطوات إلى حالة الجمود الحالية.

ثم دفعت بعد ذلك إدارة ترامب الروس إلى اتخاذ حل وسط يقوم أساسًا على إنهاء الضغط الدولي، العقوبات بالأخص، وقبول نظام الأسد في مقابل تقديمه تنازلات في القضايا الجيوستراتيجية. وشملت هذه القضايا، نزع الأسلحة الإستراتيجية الإيرانية، والتعاون مع العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة للمصالحة مع القوى المعارضة واللاجئين، وإنهاء برنامج الأسلحة الكيماوية. 

وكان هذا الاقتراح جاذبًا لبوتين إلى الحد الذي جعله يدعو وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى مدينة سوتشي في مايو (أيَّار) عام 2019 لمناقشته، ولكن بوتين اختار عدم عقد الصفقة في ذلك الوقت؛ إذ من المرجح أنه اعتقد أن بإمكانه تحقيق نصر عسكري صريح لن يحقق أهدافه الأساسية في سوريا فحسب، بل سيرسخ أقدام موسكو لتصبح لاعبًا إقليميًّا أساسيًّا أيضًا، ومن المؤكد أن ما شجَّعه على هذا الأمر هو المحاولات المتكررة لترامب لسحب القوات الأمريكية من سوريا. وحاولت موسكو باستمرار تقسيم التحالف المناهض للأسد، وضغطت على الأتراك والإسرائيليين وحلفائها الأكراد لعقد صفقات منفصلة مع الأسد، كما أن تواصل الدول العربية مع دمشق شجَّع الروس أيضًا. 

آمال روسيا في تحقيق نصر صريح للأسد قد تلاشت اليوم؛ إذ وُوجهت بتعنت النظام السوري، واحتفاظ الأتراك والإسرائيليين والأكراد بمواقفهم العسكرية في سوريا، وصحيح أن تقارب بعض الدول العربية مع الأسد أمر مقلق، إلا أنه لم يسفر عن إعادة دمج الأسد في جامعة الدول العربية.

وصادقت إدارة بايدن الآن على معظم مُكوِّنات الإستراتيجية السابقة، وهي: الإبقاء على القوات الأمريكية ونظام العقوبات، مع بعض التعديلات، وتحذير جميع الأطراف من خرق اتفاق وقف إطلاق النار مع القوات التركية والمعارضة والقوات الكردية، ودعم الغارات الجوية الإسرائيلية ضد إيران، والتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية ضد تنظيم الدولة، وضد دمشق على نحو غير مباشر، إضافةً إلى تحميل نظام الأسد المسؤولية من خلال الجهود الدبلوماسية وجمع المعلومات لدعم تحقيقات الأمم المتحدة والعمليات القضائية الأوروبية ضد المسؤولين السوريين، وتأييد الجهود السياسية للأمم المتحدة.

وفي ظل هذا الوضع، يبدو أن خيارات موسكو غدت محدودة؛ فهي تعلم أن الأسد لم ينتصر في هذا الصراع ولا يبدو أن لديه الإمكانيات ليحقق ذلك، كما أن الجماعات المدعومة من الولايات المتحدة وتركيا تسيطر على 30% من الأراضي السورية، بما فيها معظم احتياطيات النفط في البلاد، وجزء كبير من الأراضي الصالحة للزراعة، ولا يزال نصف السكان الذين أصبحوا لاجئين أو نازحين في الداخل يخشون العودة لحكم الأسد، وقيَّدت القوة الجوية الإسرائيلية انتشار الصواريخ الإيرانية.

ومع أن المخاطر والتكاليف التي تتحملها موسكو محدودة، فإنها ليست بسيطة، وتشمل هذه التبعات، المزيد من التدهور في اقتصاد الأسد غير المستقر، وخلافات النظام الداخلية، والتصعيد غير المتعمَّد مع القوات الإسرائيلية أو الأمريكية أو التركية المتفوقة. وفي الواقع، حتى نهاية حكم إدارة ترامب، طرح كبار المسؤولين الروس صفقات محتملة مع الولايات المتحدة كان من الممكن أن تنهي الصراع السوري.

وعلاوةً على ذلك، أصبح حلفاء واشنطن الإقليميين الآن أكثر اتساقًا؛ إذ عمَّقت اتفاقات التطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج العربي، وخفَّف الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان خلافاته مع شركاء الولايات المتحدة الآخرين في المنطقة كثيرًا، وأُنهِي الخلاف بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي، ويحث قادة الدول الإقليمية الأكثر أهمية الولاياتَ المتحدة على الاضطلاع بدور أكبر في هذا الصراع، حتى الجهود الفاشلة في تحقيق انفراجة في سوريا من شأنها أن تُعزز الدعم الإقليمي لموقف واشنطن المُحجِم، ويحافظ على حالة الجمود التي تَحْرِم إيران وروسيا من تحقيق نصر إستراتيجي. 

أي مبادرة دبلوماسية كبيرة بشأن سوريا تُعد أكبر مما يمكن أن تطيقه إدارة بايدن، لكن القيام بهذه الخطوة أقل خطورة من السماح باستمرار الصراع، وكل ما يصاحبه من مأساة إنسانية ومخاطر أمنية، إلى أجل غير مسمى، ومع أن الاتفاق لن يكون مثاليًّا، فإن إنهاء الحرب في سوريا سيعزز كثيرًا من قيمة واشنطن بصفتها شريكًا أمنيًّا في الشرق الأوسط وما وراءه.

 * رئيس برنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون، والمبعوث الخاص للتحالف الدولي للقضاء على «داعش» .

A Deal Is Still Possible in Syria  – James Jeffrey 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى