ترجمات أجنبية

فورين أفيرز: تستطيع الضغوط الأميركية والعربية أن تضمن توصل إسرائيل وحماس إلى تسوية دائمة

فورين أفيرز 10-10-2025، دنيس روس: تستطيع الضغوط الأميركية والعربية أن تضمن توصل إسرائيل وحماس إلى تسوية دائمة

مع بدء سريان وقف إطلاق النار في غزة منذ أمس السبت، ومع وقف حدة النيران، تراجعت القوات الإسرائيلية إلى خط متفق عليه داخل غزة. في المقابل، ومع استعداد حركة “حماس” للإفراج عن جميع الرهائن الأحياء مقابل إطلاق سراح 250 أسيراً فلسطينياً يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد و1750 آخرين من سكان غزة كانت إسرائيل اعتقلتهم خلال العامين الماضيين، ستتدفق المساعدات الإنسانية على الفور إلى المنطقة، وسيبدأ الفلسطينيون بمحاولات إعادة تأهيل القطاع وإزالة الركام واستئناف النشاط التجاري المحدود.

لكن خطة السلام التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترمب تنقسم بصورة أساسية إلى مرحلتين، وهذه الخطوات لا تمثل سوى المرحلة الأولى. وعلى رغم أن تنفيذ هذه الإجراءات صعب بطبيعة الحال (نظراً إلى الوقت الطويل الذي استغرقته “حماس” وإسرائيل للاتفاق عليها)، فإنها تبقى أسهل بكثير من بنود المرحلة الثانية المقترحة. وتتضمن هذه المرحلة نزع سلاح “حماس”؛ وانسحاباً إسرائيلياً إضافياً إلى منطقة عازلة داخل حدود القطاع، يعقبه انسحاب كامل عندما تزول تهديدات غزة لإسرائيل؛ وإنشاء مجلس سلام للإشراف على حكم القطاع، وتشكيل مجموعة تكنوقراطية من الفلسطينيين لتولي شؤونه الإدارية، فضلاً عن نشر قوة دولية لحفظ الاستقرار؛ والبدء بإعادة إعمار القطاع واستقطاب الاستثمارات إليه. وتتضمن المرحلة الثانية إصلاحاً جذرياً للسلطة الفلسطينية التي تدير الضفة الغربية، من أجل التمهيد لإعادة توحيد غزة والضفة سياسياً، وفتح الطريق أمام منح الفلسطينيين الحق في تقرير المصير وإقامة دولتهم.

وسيتطلب تحقيق هذه الأهداف التفاوض حول مجموعة من القضايا التقنية والسياسية الشائكة. فعلى المفاوضين مثلاً أن يحددوا آلية ومواعيد انسحاب الجيش الإسرائيلي، ومن سيشارك في القوة الدولية لحفظ الاستقرار التي ستحل محله، ومناطق انتشار هذه القوة ومهماتها الدقيقة. ومن المرجح أن تواجه هذه القوة والإسرائيليون على حد سواء مشكلات خطرة، من بينها احتمال أن تحاول “حماس” قمع العشائر في غزة، بما فيها عشائر أبو شباب والأسطل والمنسي والدعموش التي كانت تتعاون مع إسرائيل. وستفعل الحركة ذلك بهدف وحيد هو الحفاظ على سيطرتها على القطاع. وليس واضحاً على الإطلاق ما الذي يمكن أو ينبغي فعله إذا حاولت “حماس” استعادة نفوذها. فالإسرائيليون و”حماس” يملكون رؤى مختلفة تماماً حول مستقبل غزة.

إن المشكلات وحال عدم اليقين حقيقيتان تماماً. ومع ذلك، بينما يبدو الطريق صعباً، هناك ما يدعو إلى الأمل. فالقوى والعوامل نفسها التي أدت إلى التوصل إلى المرحلة الأولى من هذا الاتفاق يمكن أن تستخدم لتحقيق المرحلة الثانية. فيمكن للولايات المتحدة أن تواصل ضغطها على إسرائيل، ويمكن للدول العربية أن تواصل ضغطها على “حماس”. كما يمكن لواشنطن وشركائها أن يستفيدوا من القنوات التي أنشئت للوصول إلى المرحلة الأولى لتحديد تشكيل قوة الاستقرار الدولية وصلاحياتها. وتستطيع إسرائيل مواصلة العمل مع الدول العربية لإقامة حكومة أكثر استقراراً وسلمية في غزة.

تحت الضغط

لقد تم التوصل إلى وقف إطلاق النار هذا، إلى حد كبير، بفضل الرسالة الواضحة التي وجهها الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى جميع الأطراف المعنية، ومفادها بأن الوقت قد حان للإفراج عن الرهائن وإنهاء الحرب. وكان ذلك أحدث مثال على حقيقة راسخة منذ زمن طويل: حين يتعلق الأمر بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، فإن الولايات المتحدة تملك نفوذاً هائلاً. وكما قال الرئيس المصري أنور السادات عام 1977، عندما برر خطوته لإبرام السلام مع إسرائيل، فإن واشنطن تملك “99 في المئة من الأوراق”. وأدرك السادات حينذاك أنه لا أحد غيرها قادر على تحريك الأمور.

لننظر إلى الأسابيع الأخيرة، حين ساعد ترمب في دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى القبول بهذه الصفقة. ربما كان نتنياهو قادراً على مقاومة ضغوط الرئيس الأميركي جو بايدن من أجل السلام، من خلال الاعتماد على دعم الجمهوريين، بالتالي التسبب في انقسام داخل واشنطن. لكنه لم يكن يملك الخيار نفسه مع ترمب، إذ لا توجد أية قاعدة سياسية يعتد بها تدعم أية محاولة من نتنياهو لمواصلة قتال يعترض عليه ترمب، مما يدركه رئيس الوزراء الإسرائيلي تماماً. لذلك لم يرغب في اختبار ما قد يفعله ترمب إذا رفض مقترحاته.

وقام ترمب بدور محوري آخر في محاولة إنهاء هذه الحرب. فالدول العربية الكبرى وتركيا تملكان القدرة على ممارسة نفوذ على “حماس”. وهذه الدول ترغب في الحفاظ على علاقات جيدة مع ترمب وتأمل أن تكون له مصلحة مباشرة في نجاحها، مما يمنح الرئيس الأميركي نفوذاً غير مباشر على “حماس” أيضاً.

في الواقع، لدى تركيا والدول العربية جملة من الأسباب التي تدفعهما إلى الحرص على إبقاء علاقات ودّية مع ترمب. فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى إلى الحصول على مقاتلات “أف-35” الأميركية، كما تطمح السعودية والامارات إلى توسيع التعاون مع واشنطن في مجالي الذكاء الاصطناعي والدعم العسكري. واستوقفها أن قطر نالت من ترمب التزاماً أمنياً يعادل، نظرياً في الأقل، المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي الخاصة بالدفاع المشترك. وهكذا أدركت هذه الدول أن ترمب يمتلك القدرة على تعزيز مصالحها.

وجميع الدول العربية الكبرى تتوق بشدة إلى إنهاء حرب تعرقل في أفضل الأحوال خططها لتنمية اقتصاداتها، وتهدد في أسوأ الأحوال استقرار أنظمتها. فاستمرار القتال يثير غضب الشارع، ولهذا كانت تبحث عن حل لا يستطيع أحد سوى ترمب أن يدفع إسرائيل إلى تقديمه، ورحبت في المقابل بممارسة الضغط على “حماس” وعزلها.

لن يرغب أحد في أن يتحمل مسؤولية استئناف الحرب.

وهناك سبب أخير دفع “حماس” وإسرائيل في نهاية المطاف إلى الاتفاق على وقف لإطلاق النار: بدأ الإسرائيليون يدركون أنهم، وعلى رغم إنجازاتهم العسكرية الاستثنائية التي غيرت موازين القوى في المنطقة وأضعفت إيران وشبكة وكلائها، خسروا المعركة السياسية. ولم يسبق لبلادهم أن كانت بهذه العزلة على الساحة الدولية. فكثير من حلفائها التقليديين في أوروبا يقودون اليوم حملة للاعتراف بدولة فلسطينية، وبعضهم يندد بما يصفه بجرائم حرب ارتكبتها إسرائيل في غزة. وتشهد مدن أوروبية كبرى احتجاجات حاشدة ضد أفعال إسرائيل. وقد حمى ترمب إسرائيل من جانب كبير من هذا الضغط الدولي، غير أن استطلاعات الرأي تظهر تراجعاً حاداً في التأييد لها داخل الولايات المتحدة نفسها، إذ أصبح الديمقراطيون والمستقلون، وحتى الجمهوريون الأصغر سناً، أقل تعاطفاً معها بكثير. ويشعر عدد كبير من الإسرائيليين، بصورة غريزية، بأن التوفيق بين إرضاء العالم الخارجي والحفاظ على أمنهم وتلبية حاجاتهم أمر متعذر. لكن الواقع القاسي بالنسبة إلى إسرائيل هو أن استمرار عزلتها سيضعف أمنها أكثر من تخليها عن هدف نتنياهو المتمثل في إخضاع “حماس” كلياً في غزة، وهو هدف بدا كأنه يتطلب حملة لا نهاية لها. وفي نهاية المطاف، بدا أن رئيس الوزراء يدرك أن الوقت قد حان لإيجاد سبيل لإنهاء الحرب.

توافق المصالح

من الممكن أن تحاول “حماس”، الغاضبة من خسارة سلطتها [مصادر قوتها] والمصممة على إضعاف إسرائيل، انتهاك شروط وقف إطلاق النار. وإن فعلت، فقد يشعل ذلك حرباً جديدة. وإذا سعت الحركة سريعاً إلى استعادة قوتها ولم تتخذ الإدارة الموقتة وقوة حفظ الاستقرار أي إجراء لردعها، فستتحرك إسرائيل.

ومع ذلك، يبقى الأمل معقوداً على أن تتمكن الإدارة الموقتة وقوة حفظ الاستقرار من التصدي لأية محاولة من هذا النوع. فأكثر الدول استعداداً للاستثمار في إعادة إعمار غزة تُجمع مع إسرائيل على هدف نزع سلاح حماس والحرص على عدم إمساكها بالسيطرة على القطاع. كما أن التكتل الأوسع من القوى – الولايات المتحدة بوصفها قوة كبرى، والعالم العربي الساعي إلى إنهاء الصراع، وإسرائيل الراغبة في وقف القتال – يشكل بدوره سبباً للتفاؤل، إذ يشير إلى إمكان تجاوز العقبات الباقية.

إن تنفيذ المرحلة الأولى سيخلق بحد ذاته زخماً للمرحلة الثانية، من خلال تقليص دواعي العودة للقتال، إذ لن يرغب أحد في أن ينظر إليه على أنه مسؤول عن استئناف الحرب. لكن هذا الزخم لن يدوم طويلاً. لذلك ينبغي لإدارة ترمب أن تبادر سريعاً، بالتعاون مع شركائها، إلى وضع تصور واضح لما يترتب على كل واحدة من النقاط الـ20 الباقية ضمن خطة الرئيس، وتحديد الجهات المسؤولة عن تنفيذها. وهذا يعني أن على الإدارة توضيح كيفية تنفيذ عملية نزع السلاح، وبيان الحد المطلوب من التقدم في هذا المجال قبل أن تنتقل إسرائيل إلى المرحلة التالية من الانسحاب. وسيتعين على واشنطن وشركائها أيضاً تحديد القوى التي ستنتشر في غزة، مع ضمان ألا يقتصر وجودها على المعابر فقط، إذ لا يمكن توقع أن تتحمل القوات الأمنية الفلسطينية، منذ البداية، مسؤولية حماية السكان. كما يجب على الولايات المتحدة وحلفائها تحديد ما إذا كانت جيوش من خارج المنطقة ستشارك في قوة الاستقرار، وأن توضح واشنطن ما الذي ستقدمه من دعم لوجستي، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية والتنسيق مع إسرائيل. وبالمثل، ينبغي للولايات المتحدة والدول العربية والأطراف الأخرى المعنية أن تحدد من سيتولى تكثيف المساعدات الإنسانية وآليات تنفيذها، وأن تضمن وصولها إلى المستحقين في غزة وعدم وقوعها في أيدي “حماس” أو جماعات مسلحة أخرى.

هناك جمهور فلسطيني في غزة يتوق إلى حياة طبيعية، ومن المرجح أن يدعم الجهات التي توزع المساعدات وتحمي المدنيين. لكن إنشاء نظام أمني فاعل قادر على مواجهة هذه التحديات يتطلب قدراً كبيراً من المثابرة والعمل المتواصل. لذا على ترمب وفريقه للسياسة الخارجية اللذين على الأرجح بحاجة إلى التوسع للإشراف على هذا الكم من القضايا – أن يحافظا على تركيزهما وانتظامهما، ويبقيا جميع الأطراف تحت ضغط مستمر للوفاء بالتزاماتهم.لم يسبق أن كانت إسرائيل معزولة إلى هذا الحد على الساحة الدولي.

فحين حاولت واشنطن، في ديسمبر (كانون الأول) عام 2000، إقناع الدول العربية بالضغط على الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات لقبول مقترحات الرئيس الأميركي بيل كلينتون لتسوية النزاع، رفضت جميعها. وكان هذا الرفض، في جانب كبير منه، يعود إلى رغبتها في تجنب أن يتهمها عرفات بمحاولة إرغامه على خيانة القضية الوطنية الفلسطينية. أما اليوم، فلا يوجد زعيم فلسطيني يتمتع بالمكانة التي كان يحظى بها عرفات، كما أن الدول العربية الكبرى تدرك أن تجاهل المسألة الفلسطينية قد يهدد أولوياتها الداخلية واستقرارها. ولذلك، باتت هذه الدول أكثر استعداداً لضمان ألا تتمكن “حماس” من السيطرة على غزة، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولدعم الخطوات العملية الكفيلة بمنع ذلكولتحقيق سلام مستدام، ينبغي للدول العربية أيضاً أن تصر على أن تجري السلطة الفلسطينية إصلاحات جوهرية، تشمل تنحية زعيمها الذي فقد صدقيته واستبداله بشخصية جديدة تحظى بالاحترام الدولي. فمثل هذه الإجراءات ضرورية لتهيئة الظروف اللازمة لتوحيد غزة والضفة الغربية سياسياً. وتدرك الدول العربية أنه كلما كثفت جهودها لبناء إدارة فلسطينية فاعلة، ازدادت احتمالات أن يمارس ترمب ضغوطاً على إسرائيل، ليس فقط لإنهاء الحرب في غزة، بل أيضاً لوقف عملية الضم التدريجي للضفة الغربية.

أما من الجانب الإسرائيلي، فعلى الحكومة أن تعمل مع الدول العربية لإعادة بناء غزة. ويجب عليها دعم إصلاح شامل لنظام التعليم في القطاع، والأهم من ذلك، القبول بتولي سلطة فلسطينية مجددة زمام السيطرة على غزة في نهاية المطاف. وفي حين يعارض نتنياهو حالياً مثل هذه الخطوات، ينبغي له أن يدرك أن التزام الدول العربية إعادة بناء غزة يصب في مصلحة إسرائيل ذاتها. وعلى الدول العربية، من جانبها، أن تظل منفتحة على التعاون مع الحكومة الإسرائيلية، مما يتطلب إصلاح العلاقات التي توترت بينها وبين عدد من تلك الدول خلال الآونة الأخيرة.

لن يكون تحقيق ذلك سهلاً، لكن البديل، أي العودة للقتال، سيكون أسوأ بكثير. وإذا بقيت واشنطن ملتزمة ومتعاونة مع الدول العربية، يمكنها أن تضمن بقاء المفاوضات بين “حماس” وإسرائيل على المسار الصحيح، وتضع بالتالي نهاية حقيقية لهذه الحرب المروعة.

دنيس روس مستشار في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وأستاذ في جامعة جورج تاون.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى