ترجمات أجنبية

فورين أفيرز – الولايات المتحدة ليست مخوّلة بقيادة العالم

فورين أفيرز –  جيمس غولدغير؛ وبروس دبليو جينتلسون* –  25/9/2020

غالبًا ما يؤخذ القول إن الولايات المتحدة يجب أن تقود العالم كشيء مفروغ منه، على الأقل في واشنطن العاصمة؛ حيث لعب البلد هذا الدور لأكثر من سبعة عقود بعد الحرب العالمية الثانية، ولا يريد معظم الأميركيين أن تتولى الصين هذا الدور. ولذلك سيكون من السهل التفكير في أنه إذا صوت الشعب الأميركي وأخرجوا دونالد ترامب من المنصب وجلبوا جو بايدن الملتزم بالتعددية الدولية، فإن الولايات المتحدة يمكن أن تعود إلى “رأس الطاولة”، كما زعم مقال بايدن الأخير في مجلة “فورين أفيرز”. لكن القيادة العالمية ليست استحقاقاً أميركياً حصرياً.

لقد افترق ترامب عن تقاليد القيادة العالمية للولايات المتحدة في قائمة طويلة ومألوفة من الطرق. ولكن، في حين أن معظم حلفاء واشنطن (مع استثناءات قليلة ملحوظة، مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية) يعتنقون فكرة “أي أحد إلا ترامب”، فإن استعادة الدور الأميركي البنّاء في العالم ستتطلب أكثر بكثير من مجرد إعلان عودة الولايات المتحدة، والعودة إلى كتاب قواعد اللعبة لزمن ما قبل ترامب. يجب أن يتعامل البلد مع التحولات الأساسية في موقعه العالمي. ومن منظور تاريخي، انتقل البلد من كونه منفصلاً، إلى اعتلاء القمة، والآن، إلى وسط العالم، ويتطلب الانتقال بعض التعديلات.

نموذج ملطّخ

كانت الدولة التي نصبت نفسها “أعظم ديمقراطية في العالم” واحدة غريبة الأطوار منذ أواخر التسعينيات: في أكثر قليلاً من عقدين فقط، شهد البلد إجراءات عزل في حق رئيسين، وانتخابات قررت نتيجتها في النهاية المحكمة العليا، وحرباً مثيرة للجدل دوليًا في العراق؛ وأزمة مالية أحدثت موجات من الصدمة في كل أرجاء العالم. وفي العام 2008، انتخب البلد سيناتورًا أسود تمتع بشعبية عالمية للرئاسة -فقط لينحرف مترنحاً في اتجاه مختلف تمامًا بعد ثمانية أعوام من خلال انتخاب مضيف برامج عنصري في تلفزيون الواقع، والذي يلوم حلفاء أميركا على العلل التي يعاني منها البلد.

إذا فكرنا في السياسة كما نفعل مع العملات النقدية -قياس الاستقرار من خلال التقلبات داخل منطقة توازن- فلماذا يثق أصدقاء الولايات المتحدة بأنه حتى لو خسر ترامب انتخابات 2020، فإن السياسة الأميركية ستبقى ضمن منطقة التوازن السياسي تلك لفترة طويلة؟ بدلاً من ذلك، سيتعين حتى على الحلفاء المقربين التحوط في رهاناتهم، في حال تحولت الولايات المتحدة مرة أخرى أيضاً في الانتخابات الرئاسية التالية، أو حتى بعد انتخابات منتصف المدة في العام 2022.

بالكاد جعل أداء السياسة المحلية للبلد من الولايات المتحدة نموذجًا يُحتذى به في الحكم الفعال. ويحتل البلد المرتبة 27 من بين 31 دولة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من حيث العدالة الاجتماعية، ما يعكس السياسات التي تعود وراءً إلى ما هو أبعد من ترامب. وقد ظلت المساواة الاقتصادية تتراجع منذ أكثر من 40 عامًا، في حين أن “وفيات اليأس” تتزايد بسرعة. وتشوه العنصرية المنهجية صورة البلد في الخارج كبطل للديمقراطية والعدالة وسيادة القانون.

هكذا هو حال “الظروف القائمة مسبقًا لسياستنا الجمعية”، على حد تعبير المؤلف الحائز على جائزة بوليتزر، فيت ثانه نغوين Viet Thanh Nguyen، وقد عكسها رد فعل الولايات المتحدة على جائحة فيروس كورونا. لم تكن أي دولة مثالية فيما يتعلق بـ”كوفيد-19” (حتى نيوزيلندا شهدت بعض التفشي المجتمعي بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر من تجنبه)، ولكن، لا يوجد مكان آخر تتقاتل فيه الحكومة بهذه الكثرة داخل نفسها، وحيث يستعرض المتظاهرون ضد الإغلاق ويتطوّسون بالأسلحة داخل المجالس التشريعية، وتتعرض “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها”، التي كانت تعد ذات مرة المعيار الذهبي لاكتشاف الأمراض ومكافحتها على الصعيد العالمي، للحط من القدر والإضعاف.

بحلول منتصف تموز (يوليو)، مات من الأميركيين بسبب “كوفيد-19” أكثر من الذين ماتوا في حروب فيتنام والخليج وأفغانستان والعراق مجتمعة؛ وبحلول أواخر أيلول (سبتمبر)، زادت وفيات “كوفيد-19” بنسبة 43 بالمائة أخرى. وعلى الرغم من الانكماش الاقتصادي المتواصل، ما يزال البلد يكافح لتجاوز الألعاب السياسية. فلماذا قد يعتقد أي شخص في العالم أن الولايات المتحدة يمكن أن توفر قيادة عالمية جادة؟ حتى هانس مورغنثاو Hans Morgenthau، الأب الفكري لسياسات القوة، شدد على الحاجة إلى “تركيز… الجهود على خلق مجتمع في الوطن، والذي يستطيع… أن يعمل كنموذج يمكن للدول الأخرى أن تحذو حذوه”.

ثم، فكر في هذا فقط: إذا كان 17 في المائة فقط من الأميركيين يثقون بالحكومة، فلماذا يثق الآخرون بالولايات المتحدة؟

منفصلة، على القمة، في الوسط

خلال معظم أول قرن ونصف قرن من عمرها، استغلت الولايات المتحدة المسافة الجغرافية التي تفصلها عن أوروبا وآسيا لتبقى بعيدة عن العالم بشكل عام. ولم تعزل الدولة نفسها بطريقة صارمة، لكنها اختارت بشكل انتقائي متى وأين تنخرط. وبعد العام 1945، جلست الولايات المتحدة في الغالب على قمة العالم، باعتبارها القوة المهيمنة من الناحية العسكرية، والاقتصادية، والأيديولوجية، والدبلوماسية -وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991. واليوم، تجد الولايات المتحدة نفسها ليس منفصلة، وليس على القمة، بل بالأحرى في وسط العالم، حيث تُشكل وتتشكل من خلال الأحداث والقوى العالمية.

لم يعد عالم اليوم واحداً يمكن فيه لأي دولة -سواء كانت الولايات المتحدة أو الصين- أن تجلس فوق الآخرين. فقد جعلت التحولات في العلاقات بين الدول مثل هذه الهيمنة أقل احتمالاً.

يمكن للقوى العظمى أن تهيمن بسهولة أكبر عندما يوحد تهديد أمني واحد مجموعة من الدول، ويأخذ الأسبقية على المصالح الأخرى التي قد تكون متباينة. خذ على سبيل المثال ما حدث في أوائل القرن التاسع عشر، عندما ظهر تحالف أوروبا بعد الخراب الذي خلفته الحقبة النابليونية؛ أو الحرب الباردة، عندما كان كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ينظر إلى الآخر على أنه تهديد وجودي، وسعت الدول إلى الحصول على الحماية من واحدة أو أخرى من القوتين العظميين. ولم يشكل القرن الحادي والعشرون بعد تهديدًا أمنيًا مشتركًا شاملًا. ولم تنجح إدارة الرئيس جورج دبليو بوش في خلق مثل هذا التهديد بـ”حربها العالمية على الإرهاب” بعد 11 أيلول (سبتمبر). وأصبحت الصين الآن أكثر عدوانية ومن المرجح أن تظل المنافس الرئيسي للولايات المتحدة لعقود من الزمن، لكن الجهود الأميركية لترويج فكرة “الرعب الصيني الجديد” كان لها قبول محدود لدى الدول التي ترغب في الحفاظ على علاقات مع كلا البلدين.

في عالم اليوم المليء بالتهديدات والمصالح المتفارقة نسبيًا، تشعر دول قليلة أن مصالحها تُخدَم أفضل ما يكون بإقامة علاقة حصرية إلى حد كبير مع قوة رئيسية واحدة فقط. خلال حقبة الحرب الباردة، كان حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا يخشون بصدق أن يقوم الاتحاد السوفياتي إما بغزوهم أو بتقويض أنظمتهم السياسية. لكنّ قليلين هم الذين ينطوون على مخاوف مماثلة اليوم، وبالتالي يشعر قليلون بالحاجة إلى اختيار أحد الجانبين. ومع أن لدى الهند وأستراليا علاقات متوترة إلى حد كبير مع الصين، فإنهما ما تزالان تتعاونان مع بكين في الأمور ذات الاهتمام المشترك. وعلى الرغم من كل الدعم الذي قدمته إدارة ترامب لإسرائيل، فإن الصين هي الآن أكبر شريك تجاري آسيوي لتلك الدولة، ومستثمر بارز بشكل متزايد في اقتصادها. وربما تتجه المملكة العربية السعودية، وهي دولة مفضلة أخرى لدى ترامب، إلى الصين من أجل الحصول على برنامج للأسلحة النووية.

خلال الحرب الباردة وبعدها مباشرة، كانت الولايات المتحدة حامياً جذاباً بسبب تفوقها العسكري ومركزيتها في الاقتصاد الدولي. ومع ذلك، لم يعد أي منهما يوفر نفوذًا مماثلًا اليوم. ففي حين أن القوة العسكرية الأميركية ما تزال حاسمة للردع الممتد من خلال شراكات “الناتو” ومنطقة الهندي-الهادي، فإن ما يقرب من 20 عامًا من الحرب في أفغانستان والعراق، بتكلفة تزيد على 6 تريليونات دولار، تُظهر الفائدة المحدودة للتفوق العسكري في تحقيق الأهداف الاستراتيجية. وقد انخفضت حصة الولايات المتحدة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي -51 بالمائة في العام 1951 و25 بالمائة في العام 1991- إلى حوالي 15 بالمائة. وتسببت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية بتكاليف اقتصادية باهظة على هذه الدول -وإنما من دون أن تؤدي إلى امتثالهم لمطالب الولايات المتحدة.

خلال حقبة الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة قادرة على القيادة -في جزء منه- عن طريق تقسيم العالم إلى ديمقراطيات وأنظمة استبدادية. لكن لهذا التفريع الأيديولوجي محدودياته. لا شك في أن الحلفاء الديمقراطيين هم الشركاء الطبيعيون للولايات المتحدة، وتظل السياسة الخارجية الأقوى لمواجهة الصين وروسيا والدول الاستبدادية الأخرى واحدة جماعية. لكن الولايات المتحدة كانت دائمًا غير متسقة، إن لم تكن منافقة، في اعتبار بعض الدول غير الديمقراطية حلفاء أو شركاء. وخلال الحرب الباردة واليوم على حد سواء، تتطلب قضايا مثل الحد من التسلح، وعدم انتشار الأسلحة النووية، وتغير المناخ، والأوبئة، كما نعلم الآن، أن تتعاون الولايات المتحدة مع الأنظمة الاستبدادية من أجل تحقيق الأهداف الأميركية.

في الواقع، أدى الجمع بين “كوفيد-19” وأزمة المناخ المتفاقمة باستمرار إلى أننا أصبحنا نعيش الآن في وسط العالم بدلاً من قمته. وحتى لو كانت لدى الولايات المتحدة سياسات محلية من الدرجة الأولى بشأن الوقاية من الأوبئة وتغير المناخ، فإنها ستظل مكشوفة أمام ما يفعله الآخرون في العالم ولا يفعلونه. ويتسبب تغير المناخ في حدوث 400.000 حالة وفاة على مستوى العالم كل عام، مقارنة بأقل من 16.000 حالة وفاة بسبب الإرهاب في العام 2018، ومن المتوقع أن يرتفع هذا المعدل بنسبة 50 في المائة بحلول العام 2030. ويجب أن يكون بناء القدرة على الصمود ضد مثل هذه التهديدات مشروعًا عالمياً مشتركًا.

قيادة، وإنما مهذبة

تبقى الولايات المتحدة قوية بشكل هائل، لكن وجودها في الوسط أكثر من كونها فوق القمة يتطلب نهجًا منضبطاً ومهذباً بدلاً من نهج ترميمي تجاه الأممية. تحتاج واشنطن إلى إدراك الأدوار القيادية العالمية التي يمكن للآخرين لعبها والتي ينبغي أن يلعبوها. وفي المستقبل، سيكون هناك عدد قليل جدًا من القضايا التي تلعب فيها الولايات المتحدة دورًا قياديًا منفردًا والبعض الآخر الذي سيكون آخرون أكثر ملاءمة لتولي القيادة. ويؤيد الرأي العام داخل الولايات المتحدة مثل هذا النهج؛ حيث يفضل 68 في المائة مشاركة الولايات المتحدة في القيادة بدلاً من الهيمنة عليها.

لا تستطيع إدارة يقودها بايدن أن تعود إلى الاتفاقات متعددة الأطراف التي تخلى عنها ترامب، مثل اتفاق باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني فحسب. إنها تحتاج إلى دفعها أكثر أيضاً. وحتى لو أن ترامب لم يتراجع عن اتفاق باريس وكانت جميع الدول في طريقها للوفاء بتعهداتها (وهو ما تفعله قلة)، فإن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ستظل قريبة من ضِعف ما ينبغي أن تكون عليه. ولذلك يجب أن لا تكتفي إدارة يرأسها بايدن بمعاودة الانضمام إلى الاتفاق مرة أخرى فحسب، بل يجب أن تضغط من أجل “باريس-زائد”، والذي سيجعل تعهدات الموقعين أكثر إلزاماً وقابلية للتنفيذ. ويمكن لبايدن البناء على طاقة وحماس الجناح التقدمي لحزبه من أجل تحقيق تقدم كبير في التعامل مع تغير المناخ. وتشير استطلاعات الرأي التي أجراها مركز بيو للأبحاث مؤخرًا إلى أنه سيحصل على دعم ما يقرب من ثلثي الجمهور الأميركي بفعله ذلك.
أما الاتفاق النووي الإيراني فكان هدفه الأصلي هو معالجة الانتشار النووي وإرساء أساس لحل التوترات الأخرى في العلاقة الإيرانية-الأميركية مع مرور الوقت. والآن، شارف موعد انتهاء صلاحية بنود الاتفاق على الانتهاء، واشتدت التوترات الجيوسياسية. ولن تكون إعادة الانضمام إلى الصفقة كافية لحل هذه المشاكل: سوف يحتاج المشاركون إلى إبرام اتفاقيات جديدة ومحدثة وأكثر قوة. لكن طهران قلقة -بشكل مفهوم- بشأن ديمومة أي التزام أميركي، والأوروبيين غاضبون من العقوبات الثانوية التي فرضها ترامب عليهم، وتستغل روسيا والصين الوضع على الرغم من المصلحة الأساسية التي تتقاسمانها في وجود إيران غير نووية. وسوف تتطلب هذه الظروف جهدًا تعاونيًا من مجموعة (5+1) أكثر من السابق.

قد تتطلب نزعة دولية مهذبة إعادة تقييم حالة التحالفات الأميركية. لا ينبغي للولايات المتحدة أن تحافظ تلقائيًا على التزاماتها طويلة الأمد ولا أن تنهيها بشكل سريع، لكنها بحاجة إلى إعادة معايرتها على أساس المصالح الوطنية الحالية. وستكون العلاقة عبر الأطلسي هي المكان المثالي للبدء. في نهاية الحرب الباردة، بدا أن أوروبا ما تزال بحاجة إلى أن تظل الولايات المتحدة مسؤولة عن أمنها: خشي جيران ألمانيا من توحيد شطري البلد، وأدى العنف إلى إحداث زلزال في يوغوسلافيا السابقة. ولكن، حان الوقت لأن تدعم الولايات المتحدة بنشاط جهود الاتحاد الأوروبي للوفاء بوعده بإنشاء قدرة دفاعية أوروبية. ولا ينبغي النظر إلى مثل هذه الجهود على أنها تهديد لحلف الناتو. في واقع الأمر، سيكون التعاون بين الناتو والاتحاد الأوروبي، إلى جانب تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أمرًا بالغ الأهمية لنجاحهما.

يجب على الولايات المتحدة أن تنظر إلى حلف الناتو على أنه أداة لتنسيق السياسات الأمنية مع كندا وأوروبا، وليس كوسيلة للسيطرة على حلفائها. وتعتمد إعادة توازن حقيقية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه آسيا على وجود أوروبا أقوى، قادرة على فعل المزيد في حديقتها الخلفية الخاصة. ويجب أن تلعب الولايات المتحدة دورًا داعمًا أكثر بمرور الوقت بدلاً من الاضطرار إلى تولي المسؤولية، كما فعلت، على سبيل المثال، في غرب البلقان في التسعينيات.

في داخل منطقة الهندي-الهادئ، يحتاج الحلفاء الإقليميون إلى الاطمئنان بشأن الوجود والالتزام الأميركيين، لكن لديهم مصالحهم الخاصة في إقامة علاقات مع الصين، وهم يقاومون تعرضهم للضغط من أجل الانضمام إلى تحالفات من نوع “إما معنا أو معهم”. من جانبها، تعقد اليابان قمماً ثنائية مع الصين. وتلعب الاتفاقيات داخل المنطقة -بين أستراليا والهند، مع أستراليا واليابان، وداخل رابطة دول جنوب شرق آسيا، على سبيل المثال- دورًا يزداد باطراد في صيانة الأمن الإقليمي. وتحتاج سياسة الولايات المتحدة إلى العمل مع هذه التيارات وليس ضدها، وعلى نحو يعزز مصالح الدول الأخرى في ضبط الصين بدلاً من الضغط من أجل خلق استقطاب ثنائي القطبية في المنطقة.

في إطار الحفاظ على رؤية أكثر واقعية لقيادتها، يمكن للولايات المتحدة -ويجب عليها- إعادة معايرة دورها في الشرق الأوسط، بما في ذلك العلاقات مع المملكة العربية السعودية، والتكيف بشكل أكثر عمومية مع التوقعات المنخفضة لتشكيل مستقبل المنطقة. وفي أفغانستان، يجب أن تعكف على مبادرة دبلوماسية إقليمية رفيعة المستوى، وإشراك باكستان، والهند، وروسيا، والصين، والمملكة العربية السعودية، وإيران، التي لديها جميعاً مجموعاتها المفضلة الخاصة، وإنما التي ستواجه الكثير من المخاطر أيضًا بمجرد خروج الولايات المتحدة من الخطوط الأمامية. ولا يمكن أن يكون النجاح مضموناً، لكن لمثل هذه الدبلوماسية الاستراتيجية فرصة للعمل أفضل من جعل أطول حرب أميركية في التاريخ أكثر طولاً.

يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دورًا قياديًا عالميًا بشأن “كوفيد-19، والذي يمكن مقارنته بدورها في القرن العشرين، لكنه ينبغي أن يكون مناسباً للقرن الحادي والعشرين، من خلال التعاون مع الآخرين والسماح للآخرين بأخذ زمام المبادرة والقيادة بقدر ما تكفل لهم أفكارهم وقدراتهم. وتحتاج منظمة الصحة العالمية إلى الإصلاح، لكنّ على الولايات المتحدة، بدلاً من اتباع نهج عقابي، أن تحذو حذو ألمانيا وفرنسا في زيادة التمويل وبناء دعم واسع لسلطة منظمة صحة عالمية أقوى وأكثر استقلالية، والدفع بشكل بناء في اتجاه التغيير. وعلاوة على ذلك، بعد سنوات من مطالبة الآخرين بالتعلم منها، سوف تفعل الولايات المتحدة حسناً إن هي تعلمت من الآخرين.

ثمة حكومة ليبرالية في نيوزيلندا، وحكومة محافظة في أستراليا، وحكومة وسطية في ألمانيا، وحكومة ضعيفة خَلقياً في إيطاليا، وأي عدد آخر من الحكومات الأخرى، مثل كوريا الجنوبية وتايوان، والتي عملت مع “كوفيد” أفضل بكثير من الولايات المتحدة. وبينما لا يمكن نقل السياسات بشكل جراحي من بلد إلى آخر، فإن بالوسع تعلُّم الدروس. وعندما ينحسر هذا الوباء، يجب على المسؤولين الأميركيين إرسال بعثات لتقصي الحقائق على الفور إلى تلك البلدان الأكثر نجاحًا، حتى تكون الولايات المتحدة أكثر استعدادًا للأزمة الصحية العالمية المقبلة.

في حين أن الولايات المتحدة لن تكون دائمًا -ولا ينبغي أن تكون دائمًا- على رأس الطاولة، فقد أظهر الوباء ما يحدث عندما لا تكون واشنطن حتى على الطاولة من الأساس. إن الدول الأخرى لا تنتظر “غودو” فحسب. ويتعين على الولايات المتحدة أن تتخلى عن أي شعور بالاستحقاق -وأن تفعل ما يتطلبه الأمر في الداخل والخارج لتكون قائدةً وسط عالم القرن الحادي والعشرين هذا.

*جيمس غولدغير ، زميل “روبرت بوش” الزائر في معهد بروكينغز، وأستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية.

* وبروس دبليو جينتلسون  ، هو أستاذ كرسي ويليام بريستون المتميز للسياسة العامة بجامعة ديوك، ومسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية في إدارتي أوباما وكلينتون.

*نشر هذا المقال تحت عنوان :

The United States Is Not Entitled to Lead the World 

الكاتب   James Goldgeier  و Bruce W. Jentleson

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى