أقلام وأراء

فتحي البس يكتب –  أسبوع في القاهرة

فتحي البس – 7/7/2021

رغم كل الظروف الصعبة، أقيم معرض القاهرة الدولي للكتاب من 30 حزيران ويتواصل حتى 15 تموز، في دورة استثنائية، في غير موعده المعتاد، في جوٍّ حار جدا، يدفع الناس لعدم الحركة، وأجواء انشغال طلاب الثانوية العامة وعائلاتهم، وظروف اقتصادية غير مريحة لشريحة واسعة من المواطنين، ومع ذلك، تدفق جمهور واسع وبأعداد قاربت المئة الف يوميا، وهو في كل الأحوال العدد الأقصى الذي سمحت به وزارة الصحة، لزيارة المعرض والتجوال في اربع صالات ضخمة حديثة ومجهزة بكل وسائل الراحة، وبترتيب أنيق للأجنحة، تجعل من الكتب كأنها معروضة في “فترينات” تليق بها، كما وصف رئيس هيئة العامة للكتاب الوضع في لقاء خاص.

الكورونا فرضت أجواءها والحذر على المشاركين والزوار، فغاب عن المعرض الفعاليات الثقافية والندوات والمحاضرات وحفلات توقيع الكتب، وغياب دور نشر كبرى عن المشاركة، ورغم ذلك، حافظ معرض القاهرة الدولي للكتاب على سمعته كأهم معرض عربي، والتقى فيه ناشرون ومدراء معارض ومجالس ادارة، في لقاءات حافلة بالنقاش الثقافي والسياسي، لذلك تستحق وزيرة الثقافة وفريق الهيئة العامة واتحاد الناشرين المصريين التهنئة على نجاح هذه الدورة الاستثنائية، وشعرت بالراحة للمشاركة الفلسطينية، في جناح رسمي، ومشاركة من اعضاء اتحاد الناشرين الفلسطينيين في اجتماعات مجلس ادارة الاتحاد. الحضور الثقافي الفلسطيني ضروري جدا ومهم للتفاعل والتواصل لتعميق المعرفة والتجربة.

خلال هذا الأسبوع، وبحدود تحركي في مناطق محيطة بالمعرض، تجاوزت منطقته الى عشرات الكيلومترات، أدركت عظمة مصر في كل الظروف، ففي خلال عام ونصف العام تبدلت معالم القاهرة التي عرفناها سابقا، كباري وأنفاق وطرق يحتاج انهاؤها لسنوات، أصبحت حقيقة واقعة، ما تشبه المدن الكبرى اصبحت قائمة، مشاريع اعمار ضخمة، يستثمر فيها عرب وأجانب، تشكل مشاهد مبهجة للعين، لمراعاتها النواحي الجمالية والتناسق في العمار، ستجعل من القاهرة مدينة تضاهي كبرى العواصم جماليا وازدهارا اقتصاديا.

قال لي صديق كان يتحفظ على “نظام السيسي” إن التطور الحاصل على الأرض قد أزال تحفظاته، فالسرعة والدقة في التنفيذ بمواصفات عالية أذهلته وغيره، ولم تكن متوقعة في ظل تحديات الكورونا والاضطراب السياسي في المنطقة والتهديدات العسكرية والأمنية، وأضاف أن استقرار صرف الجنيه المصري، وما ينشر عن تحديث القوات المسلحة وتطويرها وتسليحها جعل المواطن المصري يرتاح إلى أمنه وظروف حياته التي شهدت أحداثا دموية في بداية العهد، ونبهني إلى أن شريحة لا بأس بها، تعيش في ظروف قاسية، وتتضرر من الغلاء الذي يرافق ارتفاع سعر الصرف ورفع الدعم عن العديد من السلع، لكنه استدرك قائلا إن حلولا توضع لتخفيف العبء، وان مسارات التنمية المتوازية بين الإعمار وانشاء المدن وتحديث وسائل النقل وتأمين الكهرباء وإزالة العشوائيات، واعادة تشغيل المصانع وتحديثها والمشاريع الزراعية والصناعية الكبرى ستنعكس على تحسين مستوى الحياة لدى جميع شرائح المجتمع المصري.

خلال هذا الأسبوع، خضت حوارات عدة ثقافية وسياسية. الخلاصة التي وصلت إليها أن هناك ارتياحا واسعا لاستعادة مصر دورها القيادي في الاقليم وعودتها الى إفريقيا تأثيرا على مستويات سياسية واقتصدية عدة وتحالفات عسكرية مهمة. أزمة سد النهضة تأخذ مساحة واسعة من النقاش، والغريب أنهم يؤيدون المسار الدبلوماسي، لكنهم لا يخفون دعمهم للحرب من أجل الحياة كما يسمونها، ولا يستبعدون الحل العسكري، ويعتقدون أن طبول الحرب تقرع.

أما دور مصر العربي، وتطورات علاقتها بشكل خاص مع السعودية وقطر وتركيا واستعادتها للقرار من الأطراف، فهو موضع ترحيب وتشجيع، يؤكدون على أهمية العلاقات مع كل دول الاقليم، وما يلفت النظر، توقعاتهم لمسار متعرج وحذر في العلاقة مع الإمارات العربية، يعتقدون أن اجراءات الامارات في العلاقة مع اسرائيل تضر بمصالح مصر الاستراتيجية.

الدور المصري في وقف اطلاق النار في العدوان الأخير على غزة، وفي مسارعة مصر في بدء الإعمار، يشيع أجواء وتوقعات ايجابية بأن يكون لمصر دور مؤثر في تعزيز الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، ويدرك من حاورتهم أن الملف معقد جدا بالتدخلات الاقليمية، لكن لديهم ايمان بأن مصر قادرة على ضبط الايقاع رغم صعوبات كثيرة ستواجه الدور المصري.

الخلاصة من هذا الأسبوع: في مصر ثقافة أصيلة، وتنمية مستمرة، وتحديات كبرى، لمصر القدرة على مواجهتها. مصر قوية يعني عربا أقوياء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى