أقلام وأراء

فاروق يوسف يكتب فلسطين في منفاها الإسلامي

فاروق يوسف ٢٨-٥-٢٠٢١م

قد لا ينتبه البعض إلى أن مصطلح المقاومة الإسلامية حل محل مصطلح المقاومة الفلسطينية منذ سنوات. ذلك مريح بالنسبة إلى جهات خارجية عديدة ومنها إسرائيل. فإن كان المصطلح الجديد يحيل إلى إيران والجماعات المعروفة بتطرفها وتشددها الأصوليين، فإنه في الوقت نفسه يحجب فلسطين وقضيتها عن الأنظار.

في الجانب الآخر فإن من يهلل لانتصار حماس صار لا يخفي ميله إلى نزع الشرعية عن سلطة رام الله والدعوة إلى التفاوض المباشر مع حركات المقاومة الإسلامية وفي مقدمتها حماس باعتبارها نداً لإسرائيل، فهي الطرف الذي صار قادرا على اتخاذ قرار الحرب من غير أن تكون له أي مرجعية وطنية معترف بها عالميا.

في خضم ذلك تراجعت قضية التهجير الاستيطاني لسكان حي الشيخ جراح لتحل محلها الدعوة إلى إعادة إعمار غزة وإزالة آثار الوضع المأساوي الذي أدت إليه الحرب التي أوقفتها مصر ولم تدنها الأمم المتحدة التي لم تساو بين الطرفين بل أظهرت انزعاجها من صواريخ حماس فقط. تلك نتيجة كانت متوقعة في ظل ارتباط توقيتات الحرب والسلام بأجندة لا علاقة لها برؤية فلسطينية شاملة توحّد أساليب العمل الوطني الفلسطيني في التصدي لآلة العدوان الإسرائيلي.

هناك مَن يزعم أن حماس فاجأت بصواريخها إسرائيل. ذلك ليس صحيحا ولا يستحق النظر إليه لما ينطوي عليه من جهل بقوة إسرائيل الاستخبارية التي يمكنها أن تحطم حركة حماس من داخلها غير أن ذلك غير مسموح به إسرائيليا نظرا لأن حماس تمثل على مستوى الصراع الشامل رصيدا مهما على مستوى تمزيق الصف الوطني الفلسطيني. حماس ليست ذلك الطرف المعادي الذي يجب التخلص منه. ما حققته إسرائيل بعد أوسلو حين أفرغت منظمة التحرير الفلسطينية من محتواها النضالي ينبغي أن يُستكمل عن طريق تجيير القضية الفلسطينية لجهة لا تعترف بالقيمة الوطنية لفلسطين.

ما فلسطين إلا مفردة في المشروع الإسلامي الذي صارت إيران تمثل قدوته وهي المسؤولة عن تحديد اتجاهاته والأساليب التي يجب اتباعها من أجل نقله من المستوى النظري إلى المستوى العملي

ليس من باب التجني القول إن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” لا تؤمن بفلسطين وطنا نهائيا للجميع. ما فلسطين إلا مفردة في المشروع الإسلامي الذي صارت إيران تمثل قدوته وهي المسؤولة عن تحديد اتجاهاته والأساليب التي يجب اتباعها من أجل نقله من المستوى النظري إلى المستوى العملي. لذلك يمكن القول من غير تردد إن حماس ليست جزءا من المشروع الوطني الفلسطيني الذي وإن بدا الآن مضببا غير أنه لا يتنكر لفلسطينيته باعتبارها خط الإنجاز الأخير. فلسطين للفلسطينيين وليست درجة من درجات النضال العالمي التي تلتقي عندها جماعة الإخوان المسلمين وإيران.

ولأن حماس هي فرع معلن من فروع جماعة الإخوان المسلمين فإن صلتها بإيران تتخطى الخلافات الطائفية وهي خلافات غالبا ما تُستعمل لإلهاء العامة أما القيادات فإنها تعتبرها ترهات تضعها خلف ظهرها وهي تخطط للمضي قدما في مشروعها العالمي الذي تمثل إيران قمته التي تتخذ من الإسلام ذريعة لإعلان الحرب على العالم. ومن الواضح أنه كان لإسرائيل دور خطير في أن تشكل حماس تهديدا لأمنها. ذلك لأنها سمحت بانتقال الصواريخ الإيرانية إلى غزة وكانت على معرفة استخبارية بمواقع تلك الصواريخ من غير أن تلجأ إلى تدميرها أو الإعلان عن وجودها.

يكمن السرّ في ذلك أن التعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية إسلامية يمثل بالنسبة إلى إسرائيل محاولة لفك ارتباط تلك القضية بشعب يسعى إلى نيل حقه في تقرير مصيره من خلال استعادة أرضه. تحتاج إسرائيل إلى من يحاربها لأسباب عنصرية لتلحق به تهمة اللاسامية التي تشكل بالنسبة إلى المجتمع الدولي لحظة شؤم سوداء تلزم الجميع بالوقوف ضدها. وهي اللحظة التي يفقد فيها الفلسطينيون قدرتهم على إثبات حقهم في الأرض ما دامت حماس قد وهبت تلك الأرض للمسلمين أجمعين.

يصعب أن نرى حركة حماس في حجمها الحقيقي في ظل حرب تدفع غزة وأهلها ثمنها في ما هي في حقيقتها ليست جزءا من الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني بل هي حرب إيرانية – إسرائيلية وقعت من أجل أن تثبت إيران لإسرائيل أنها قادرة على ضرب عاصمتها. هي في الحقيقة حرب تجريبية يمكن أن تُستعاد فيكون حزب الله بديلا عن حماس. درس إيراني كانت إسرائيل على دراية بتفاصيله قبل أن يقع. أما لماذا لم تمنع وقوعه؟ فلأنه درس نافع على مستويات عدة. أولها أن حماس تقاتل من أجل إيران. ثانيها أن جزءا من الشعب الفلسطيني صار تابعا لحماس من جهة أسلمة القضية وثالثها أن المجتمع الدولي صار على يقين من أن الحق الفلسطيني قد اختلط بالإرهاب الذي تموله إيران.

فلسطين في منفاها الإسلامي ستكون في أسوأ أحوالها. وهو ما ترغب فيه إسرائيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى