أقلام وأراء

فاروق يوسف: معادلات سياسية جديدة في العراق للخروج من الفوضى

فاروق يوسف ٢١-٧-٢٠٢٢م

يُروى على سبيل النكتة أن شعوراً بالخيبة ساد أوساط الحزب الشيوعي العراقي حين أسقط الأميركيون نظام صدام حسين عام 2003، ذلك لأنهم فقدوا السبب الرئيس لمعنى نضالهم. كانت مرارة أن يكونوا مناضلين سابقين أشد تأثيراً فيهم من الخلاص من عدوهم. 

اليوم يتكرر المشهد. فبعدما اتّحدت الأحزاب الموالية لإيران في مواجهة مقتدى الصدر المنتصر في الانتخابات الأخيرة، ها هو تحالفها مهدد بالانهيار بعدما انسحب عدوها المشترك من ساحة النزال. وبعودتها إلى مواقعها الأولى كان لا بد من أن يدب الخلاف في ما بينها، فكل واحد منها لا يرى في الآخر ما يؤهله للقيادة.

قبل أن تنتقل إلى مرحلة ما بعد الصدر صارت تلك الأحزاب تجد صعوبة في الذهاب موحدة إلى مجلس النواب بمرشح واحد متفق عليه لرئاسة الحكومة المقبلة. ورغم أن جميع الأحزاب التي يضمها تكتل “الإطار التنسيقي” موالية لإيران، غير أنها تختلف في ما بينها بدرجة ذلك الولاء وبالجهة الإيرانية التي ترتبط بها وتشكل مرجعيتها. فتحالف “الفتح” الذي يتزعمه هادي العامري تعود مرجعيته إلى “الحرس الثوري” الإيراني فيما ينسق “ائتلاف دولة القانون” الذي يتزعمه نوري المالكي مع الدوائر المقربة من الولي الفقيه. 

ظاهرياً تبدو المرجعيتان الشيء نفسه. 

ولكن ذلك ليس صحيحاً. وهو ما يراهن عليه الطرفان (العراقيان) في حال وصل الخلاف بينهما إلى مرحلة القطيعة. وهو أمر ليس مستبعداً إذا ما استمرت الأزمة وتوقف الطرفان عن التشاور بحثاً عن الوسائل التي سيكون من شأنها أن ترص الصفوف في مواجهة محاولات الصدر تشتيت جهودهما من خلال التهديد بالشارع، كونه القوة الثالثة التي ستحسم مسألة تشكيل الحكومة الجديدة بعد إحداث تغيير جوهري في نظام المحاصصة الطائفية. 

“عقدة الصدر” ستكون ماثلة في حالة اتفق الطرفان أو اختلفا. ففي حال اتفقا فإن التظاهرات ستكون جاهزة لإسقاط الحكومة وفي حال اختلفا فإن الصدر سيفوز في رهانه القائم على فشلهما الذي سيعزز عودته منتصراً من غير منافسين هذه المرة. تلك هزيمة لا تتحملها إيران إذا افترضنا أن الصدر يتصرف مستقلاً عن أجندة إيرانية تضع العراق على طاولة الحوار الأميركي ــ الإيراني وجزء منه الاتفاق النووي.

لا يملك زعماء أحزاب “الإطار التنسيقي” خبرة عميقة في التعامل مع الأزمات السياسية العميقة لذلك لجأوا إلى أسلوب التهديد بالقوة المسلحة لحل النزاع، حين أعادوا “الحشد الشعبي” إلى الواجهة ليقوم باستعراض عسكري لمناسبة تأسيسه التي مر عليها أكثر من شهر. ذلك حل يفتقر إلى الخيال السياسي. فليس من مصلحة أحد من أطراف النظام السياسي في العراق أن تتدخل الميليشيات في نزاع كان جوهره ولا يزال سياسياً، كما أن ظهور الميليشيات سيكون أشبه بالانقلاب على الآليات الديموقراطية التي تستند إليها الأحزاب الموالية لإيران في استيلائها على السلطة بعدما انسحب الصدر بتحالفه مع السنّة والأكراد.

ولو افترضنا أن الكرة عادت إلى ملعب الصدر، فإن وجود “الحشد الشعبي” قوة عسكرية غير خاضعة للدولة سيفسد كل مسعى لإقامة حكومة وطنية تمثل الأغلبية السياسية التي تتخلى عن خلفيتها الطائفية. ما من قوة في العراق يمكنها أن تجرد “الحشد الشعبي” من سلاحه. وليس في إمكان الصدر أو سواه أن يضمن وقوف الميليشيات على الحياد في حال نشوب نزاع بين الحكومة والخارجين على القانون. لن تكون هناك دولة قانون في ظل وجود الميليشيات التي لا ترى إمكاناً للعيش خارج قوانينها. وإذا ما كان نوري المالكي قد اعتبر نفسه زعيماً للمقاومة في العراق يوماً ما فإن تلك المقاومة لن تتورط من أجل الدفاع عنه في صراع مع ميليشيات الصدر التي هي نظرياً جزءٌ من “الحشد الشعبي”.    

غير أن انسداد الأفق السياسي بسبب غياب أي إمكان للوصول إلى الحد الأدنى من التفاهمات بين الأطراف المختلفة على شكل النظام سيؤدي بالضرورة إلى أن تتنصل الأطراف كلها من المسؤولية من غير أن تغادر العملية السياسية التي تم تعليقها عملياً. لكن من المستبعد أن يتم بعث الحياة في العملية السياسية من طريق التجديد لحكومة مصطفى الكاظمي المدعوم أميركياً في ظل شعور إيران بأن هناك ما يُخطط ضدها في الخفاء بعد زيارة الرئيس الأميركي لإسرائيل والمملكة العربية السعودية والقمة الأميركية – العربية التي شهدتها جدة. 

تلك معادلة لن يتمكن الصدر من الإفلات من عواقبها، فهو الآخر قرر قبل انسحابه أن لا يجدد للكاظمي ولايته. أما وقد أصبح الآن خارج العملية السياسية فإنه سيراهن على فشل أي بديل تقترحه الأحزاب، لا من أجل تثبيت الكاظمي بل من أجل بث أسباب الفتنة بين صفوف خصومه الذين فقدوا القدرة على المبادرة رغم تمسكهم بتقليد الكتلة البرلمانية الأكبر التي فقدت إمكان الاقناع بعد انسحاب التيار الصدري وتردد ممثلي السنّة والأكراد.  

فهل ستذهب الأمور في اتجاه الفوضى الشاملة التي لا يمكن انهاؤها إلا من خلال تسوية أميركية ــ إيرانية جديدة أم سيتم قلب الطاولة وتغيير معادلات النظام السياسي الذي حولته الأحزاب من غنيمة حرب إلى حق تاريخي؟ 

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى