أقلام وأراء

فاروق يوسف: سياسة أميركيّة جديدة والعراق بين احتلالين

فاروق يوسف ١٦-٦-٢٠٢٢م

لا تزال الولايات المتحدة قادرة على زيادة عدد قواتها القتالية في العراق. هناك قانون أميركي يجيز لها ذلك، وقد وجد الكونغرس صعوبة في إلغاء ذلك القانون، لما له علاقة بالأمن القومي الأميركي.ذلك لا يمنع من استمرار إيران في التحرك من خلال أتباعها في العراق، لدفع الولايات المتحدة محرجة إلى سحب ما تبقى من قواتها، إن من خلال مجلس النواب أو بالاستعانة بالمسيرات التي غالباً ما تُخطئ أهدافها عن قصد مسبق. فليس المطلوب التصعيد بل الإزعاج.
لو أن الرئيس جو بايدن كان قد استمر في سياسته لشهدنا انتصاراً إيرانياً في ذلك المجال. كانت هناك رغبة فعلية في التخلص من عبء العراق، على الأقل على المستوى العسكري. ولكن المستجدات دفعت الرئيس الأميركي إلى تغيير سياسته، بدءاً بطلب تمديد حالة الطوارئ في العراق.
لا تستند القراءة الأميركية الجديدة إلى ما يشهده العراق من صراع عبثي على السلطة، بعدما أثبتت الأحزاب أنها غير قادرة على الالتزام بالدستور واحترام إرادة الناخبين، وهي في ذلك (أي الأحزاب) تكشف عن عيب جوهري في المشروع الأميركي المتعلق بالعراق. ولكن الحكومات الأميركية التي تلت إدارة الرئيس جورج بوش الابن لم تلتفت إلى الأخطاء التي ارتكبتها تلك إدارة، وقررت أن تبقى الأمور على ما هي عليه بالرغم من أن ذلك سمح لإيران بأن تتوسع في هيمنتها السياسية والاقتصادية، وهو ما ساعدها في تخطي صعوبات العقوبات الأميركية.
ليس العراق هو المشكلة. كما أن السياسة الإيرانية بكل ما تلحقه من أضرار بدول بعينها في المنطقة لا تشكل نوعاً من التحدي بالنسبة إلى الإدارة الأميركية. غير أن التحدي لن يكون بعيداً من إيران، وإن جاء الغزو الروسي لأوكرانيا ليزيد الشعور الأميركي بضرورة عدم التخلي عن العراق قاعدة عسكرية مضمونة تُضاف إلى مجموعة القواعد الأميركية في المنطقة.
في الوقت الذي تتعمد إيران فيه تأجيل التوقيع على الاتفاق النووي بحثاً عن مكتسبات مضافة، لم تعد الولايات المتحدة بالحماسة التي كانت تُظهرها في أوقات سابقة لإنجاز الاتفاق الجديد. ألا تشكل إيران النووية مصدر هلع للعالم؟ ربما صارت الولايات المتحدة على يقين بأن إيران قد خرجت عن نطاق الطوق النووي وهي في طريقها إلى أن تكون قوة نووية في أي لحظة أو أن المشروع النووي قد تعثر، بما يغني عن التوقيع على اتفاق جديد.
غير أن الثابت أن إيران ستظل تشكل تهديداً للأمن القومي الأميركي، وهو تعبير يشمل أمن الدول الصديقة والحليفة للولايات المتحدة، وفي مقدمتها إسرائيل والسعودية. تلك قناعة أميركية جديدة فرضها الغزو الروسي لأوكرانيا.
وبغض النظر عما ينتهي إليه ذلك الغزو، فإن إدارة الرئيس بايدن ليست مستعدة لتضييع فرصة متاحة لمواجهة التوسع الروسي إرضاءً لإيران التي تتبجح بعدائها للدولتين الحليفتين، وهي تتحين الفرص لإلحاق الضرر بهما في ظل تمكنها من مد هيمنتها على ميليشيات تبسط سيطرتها على أراض محاذية لهما. ما استجد على الساحة الأوكرانية يفرض على الولايات المتحدة أن تعيد النظر في حساباتها المتعلقة بإيران التي لعبت ولا تزال تؤدي دوراً مهماً في هيمنة روسيا على سوريا. تلك مسألة لا تغيب عن العقل السياسي الأميركي وهو يخطط لمستقبل الوجود الأميركي في المنطقة.
من هذا المنطلق، فإن التخلي عن العراق هو أشبه بالهزيمة من غير حرب، وهو ما يمكن أن يفتح الباب لوقوع هزائم لاحقة. ذلك ما لا يمكن أن تفعله الولايات المتحدة، وهي التي غزت العراق عام 2003 من غير تفويض دولي. العراق اليوم هو أكثر نفعاً للولايات المتحدة مما كان عليه عام 2003. إذا تخلت عنه فإن ذلك يشكل استسلاماً في ما يُسمى بحرب بوتين على الغرب.
ليس بحثاً عن مواجهة متأخرة مع إيران، ولكن نكاية ببوتين تعيد الولايات المتحدة النظر في حساباتها في العراق. وليس من المستبعد أن تتكفل القوات الأميركية بمهمة تحرير العراق من الاحتلال الإيراني من غير قتال حين تعود إلى قواعدها بقوة نارية محسوبة لا تجد إيران مصلحة في التصدي لها.
لن ترغب إيران في أن تكون ضحية لصدام عملاقين. فهي وإن خُيل إليها أنها قوة عظمى، لن تتورط في صراع تعرف أنه أكبر منها، فهي تعرف حجمها الحقيقي.
ولكن هل سينتفع العراق من التحول السياسي الأميركي؟ذلك ما يُشك به، بعكس مما يظنه جيش المتفائلين على الضفتين، الأميركية والعراقية. كانت الولايات المتحدة قد استسلمت لإيران وهي في عز قوتها، ولم يكن قرار الرئيس باراك أوباما بسحب الجبش الأميركي عام 2011 نتيجة لنشاط المقاومة العراقية. لقد نجحت إيران وأتباعها في القضاء على المقاومة العراقية. وكان ممكناً للقوات الأميركية أن تحرس عمليات إعادة الأعمار. ذلك لم يحدث وتخلى أوباما عن العراق تمهيداً لتوقيع الاتفاق النووي عام 2015. كانت الخيانة مدبرة.إذا ما فكرت الولايات المتحدة اليوم بإعادة احتلال العراق بطريقة مختلفة، فإنها لن تقوم بذلك حباً به. بل لأن أمنها القومي يفرض عليها ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى