فارس خشان: اليمين الإسرائيلي ينسف الترسيم الغازي فهل يذهب حزب الله إلى الحرب؟

فارس خشان: اليمين الإسرائيلي ينسف الترسيم الغازي فهل يذهب حزب الله إلى الحرب؟ 09-10-2022
“من أجل إخفاء هذه النيّة الخبيثة، عيّنت إدارة بايدن عاموس هوكشتاين، وهو يهودي قام بخدمته العسكرية في الجيش الإسرائيلي، وسيطاً بين إسرائيل ولبنان، بينما من الواضح للجميع أنه ليس سوى موفد من يهودي آخر هو أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي(…)”.
حتى هذه النقطة من الفقرة التي كتبها مردخاي كيدار، المحاضر في جامعة بار ايلان الاسرائيلية ، في اطار مقالة تحليلية لمشروع اتفاق ترسيم الحدود البحريَة مع لبنان، تتوهّم أن الكلام، يعود الى أحد المروّجين لمواقف الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله ، ولكن ما إن تُكمل القراءة حتى يتضّح أنّ هناك تقاطعًا في النظرة بين اليمين الاسرائيلي و”حزب الله” الى هذا الوسيط الاميركي، ولكن، على أساس متناقض، إذ إنّ المحاضر الاسرائيلي الذي يعبّر عن وجهة نظر تقودها المعارضة يتّهم هوكشتاين وبلينكن، وخلفهما بايدن، بالعمل على ارضاء الايرانيين، في حين أنّ “حزب الله” طالما تعاطى مع هوكشتاين على أساس أنّه وسيط غير نزيه وغير محايد ولا تعنيه سوى مصلحة إسرائيل.
ويقصد الباحث الاسرائيلي بعبارة “النيّة الخبيثة” التي أوردها في بداية الفقرة التي تقدّمت هذه المقالة ما أورده في فقرة سابقة وجاء فيها:”الاتفاق هو لمصلحة حزب الله، مالياً، والقيّمين في لبنان، ويمنح الإيرانيين إمكانية الحصول على جزء من هذه الأموال، من هنا، من المهم لإدارة بايدن أن تفرض على إسرائيل اتفاقاً يستفيد منه اللبنانيون والإيرانيون”.
وإذا كانت الحملة المسبقة التي شنّها “حزب الله” على هوكشتاين، انطلاقًا من انتسابه الى “اليهودية” وهويته الاسرائيلية، وواكبها بتهديدات حربيّة، لم تكسر جناحيه، لأنّه أدرك أنّ الموقف الضمني ل”حزب الله” عبّر عنه إجماع المسؤولين اللبنانيين الذين استعجلوا عودته الى لبنان لإحياء وساطته مع إسرائيل، فإنّ الحملة الاسرائيلية عليه التي تقودها معارضة قويّة برئاسة بنيامين نتنياهو، العائد المحتمل الى رئاسة الحكومة الاسرائيلية ، بعد انتخابات نيابية مبكرة جديدة في الأوّل من تشرين الثاني(نوفمبر) المقبل، سوف تفعل، لأنّ حكومة تصريف الاعمال الاسرائيلية التي يخوض أركانها غمار الانتخابات النيابية، في مواجهة نتنياهو، بدأوا يواجهون صعوبة كبيرة في المضي قدمًا بمشروع الاتفاق، وبدا واضحًا أنّهم وجدوا ضالتهم في الملاحظات التي قدّمها الجانب اللبناني على “مشروع هوكستين”، فسارعوا الى رفضها.
وإذا كان هذا الملف يحتمل نظريًا انتهاء الانتخابات النيابية الاسرائيلية ، إلّا أنّ الاعتقاد بأنّ الخلفية الانتخابية تقف وراء عرقلته سوف تعقّد الأمور، لأنّ اليمين الاسرائيلي، وفي ضوء التأكيدات على جهوزية بدء العمل التمهيدي لاستخراج الغاز من حقل “كاريش”، بعد تسليم لبنان بأنّ النقطة التي يقع فيها هي اسرائيلية خالصة، سوف يضعط من أجل انطلاق المسار الاستثماري.
وهذا يعني أنّ هناك نيّة لحشر “حزب الله”، فهو سبق أن هدّد بشنّ حرب ضد إسرائيل في حال بدأت باستخراج الغاز من حقل كاريش قبل ان ينال لبنان حقوقه الكاملة في الترسيم وانطلاق مسار الاستثمار.
ومنذ أطلق الامين العام ل”حزب الله” هذا الموقف، باتت المعارضة الاسرائيلية تجد في كل تقدم على مستوى الوساطة الاميركية “خضوعًا” و”استسلامًا”.
ولم تتمكّن الاصوات التي تعتبر أنّ إنجاز الترسيم سوف يفقد “حزب الله” وظيفته “المزعومة” ويردعه لأنّه بات للبنان ما يخشى خسارته، من فرض نفسها، ليس بسبب عدم عقلانيتها “الدفتريّة”، بل بسبب عدم واقعيتها اللبنانية، ف”حزب الله” لا يفتّش عن حجج لابقاء سلاحه لأنّه لا يحتاجها طالما هو يعزّز سيطرته على لبنان، كما أنّه في تعامله مع الملفات الاقليمية لم يتردّد يومًا من أجل مصالح محوره في تكبيد لبنان أكثر الخسائر فداحة، بل هو بحصر همّه بايجاد أسس إضافية للترويج والدعاية.
وعليه، وطالما أنّ هذا الموضوع السيادي أصبح مادة انتخابيَة في إسرائيل وعنصر دعاية في لبنان، يتخوّف كثيرون من أن يقود الى حرب لا يتحمّلها لبنان ولا يريدها المجتمع الاسرائيلي ويرفضها العالم.
المساعي الدولية الناشطة حاليًا التي تبذلها الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا بدعم من الإتحاد الاوروبي “الشريك الاستراتيجي الغازي” لإسرائيل، قد لا تنجح في تخفيف هجمة المعارضة اليمينيّة الاسرائيلية على مشروع اتفاق الترسيم، وقد تفشل في دفع لبنان الى التراجع عن “مطالبه الأخيرة” التي رفضها رئيس الحكومة الاسرائيلية ، من دون نقاش، ولكنّها قد تنجح، من خلال القنوات المفتوحة مع ايران، في “احتواء” أيّ استعراض استفزازي يقوم به “حزب الله” وتدفع الى منع إسرائيل من الاحتفال بأيّ خطوة تشغيليّة في حقل “كاريش”.
ومهما كانت عليه الاحوال، فإنّ انتهاء الوساطة الاميركية الى النتيجة التي انتهت اليها، بدل أن تحكم اقفال برميل البارود وضعت أمامه شعلة ملتهبة.
ثمّة في إسرائيل من يستعجل الحرب مع “حزب الله” لكنّه ليس في الحكم حاليًا، وثّمة في لبنان من يعتقد بأنّ التحدّي الاسرائيلي “غير ضار” لأنّه يضع “حزب الله” أمام حقيقة قدراته، ولكنّه ليس في موقع التأثير.
وإذا كان البعد الانتخابي يظهر فجًّا في إسرائيل، فإنّ البعض يرى أنّ البعد الرئاسي لم يغب عن الملاحظات “المرفوضة” التي قدّمها لبنان في “ربع الساعة الأخير” ، لأنّ فيه رئيسًا يفتّش عن “ظرف غير طبيعي” للبقاء في القصر الجمهوري، ومرشحين لا تخدم تقدّمهم سوى “اللحظة المأزومة”، وحزبًا مسلّحًا يخشى على جدواه من تقدّم لغة المصالح على لغة المواجهة.
وكما تتقاطع نظرة اليمين الاسرائيلي و”حزب الله” الى “نزاهة” هوكشتاين كذلك تتقاطع النظرة الى مشروع اتفاق الترسيم، وفق نظرية أثبتتها تجارب التاريخ: تبادل المصالح بين المتطرّفين!
الطامة الكبرى في ذلك أنّ إسرائيل تملك ترف “النكد السياسي”، نظرًا لصلابتها الماليّة،في حين أنّ لبنان يفتقد الى هذه “النعمة” لأنّه يتدحرج يومًا بعد يوم، في جحيم لم تكن تنقصه سوى الكولير.