أقلام وأراء

غسان زقطان يكتب – الأسبوع الثالث على ظهور بايدن … تحديث سياسة “الانتظار”

غسان زقطان  5/2/2021  

في الأسبوع الثالث لوصول جو بايدن للبيت الأبيض، يتصرف العاملون في مكاتب المقاطعة في رام الله على قاعدة تفتقر الى الإبداع، وهي أن أي تحوّل في خطاب الإدارة الأميركية الجديدة حول الموضوع الفلسطيني، هو نتيجة مباشرة لسياسة “الانتظار” التي اتّبعتها قيادة السلطة خلال حقبة ترامب.

هكذا يجري تلقف تصريحات الموظفين المدروسة، غير الملزمة، في فريق بلينكن، كما لو أنها مصادقة على رغبات المقاطعة وخطابها، حيث يجري تصديرها بعد إعادة صياغتها وتنقيتها واقتطاع الملائم منها، بصفتها الجزء الظاهر من نهر سيتدفق بعد قليل، وإطلاقها نحو الجمهور الفلسطيني على دفعات وضمن مهمات محددة،  بصفتها دليلاً على بعد النظر أو “الإنجاز” السياسي أو “الانتصار” أو أي كان، الذي حققته القيادة الفلسطينية، وسبباً كافياً لترميم الشرعية المتآكلة للقيادة الفلسطينية، وفي مستوى افتراضي آخر ستكون هذه الإشارات المبهمة محاولة لتعويم واقع الانقسام العميق الذي يواصل شق صفوف فتح.

سيتم حزم هذه الإشارات الى القاهرة، حيث سيتجدد “الحوار الوطني” بين الفصائل الفلسطينية، وهو حوار يصعب فهم مجرياته أو أسبابه، أو الحصول على نتائج بخصوصه .. ولكنه يتواصل بالحماسة والشغف نفسيهما وبإزجاء الوعود. يحيط بكل هذا الإيقاع الذي تحدثه الفصائل والأحزاب والقوى الإعلان عن تلقيها صيغ الدعوات للمشاركة كما لو أن مجرد وصول الدعوة علامة حياة واعتراف بشرعية تتجدد داخل قاعات الحوار.

مثل موجة من الاستعارات التي تتشكل بموازاة الحياة وحولها، يبدو المشهد الفلسطيني عشية “الحوار الوطني”، في الأسبوع الثالث على وصول جو بايدن الى البيت الأبيض.

هذا أيضاً نوع من تحديث سياسة الانتظار الغريبة التي تحوّلت الى فلسفةراسخة في أداء السلطة.

في مصر أيضاً يظهر اهتمام جديد، أقرب الى التفاتة مفاجئة نحو آسيا العربية، الشام  تحديداً، في الشأنين الفلسطيني واللبناني، استضافة الحوار الفلسطيني ومحاولات توحيد فتح والحوار المفتوح مع حماس، ثم استقبال رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري وتزجية الوعود بالمساهمة في تقديم الحلول الى جانب فرنسا على قاعدة “إسناد الدولة” اللبنانية أو ما بقي منها، في محاولة متأخرة لاستعادة دور قديم تخلّت عنه القاهرة في السنوات الأخيرة.

نحن هنا، لدينا نفوذ ونستطيع أن نساعد، هذا مضمون الرسالة المصرية لإدارة بايدن.

ضمن هذه المخيلة الضيقة جرى تداول تصريحات القائم بأعمال مندوب/ة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، وهي تصريحات مبهمة لم تضف شيئاً الى سلسلة التسريبات الصادرة عن حملة جو بايدن الانتخابية، ثم إدارته ووزير خارجيته بلينكن، هذا يشمل الأفكار المنقولة عنه حول قناعته بحل “الدولتين” على قاعدة عدم المس بأمن “إسرائيل”، أو الاتصال الذي جرى بين الجانب الأميركي والفلسطيني عبر أحد أعضاء الفريق في الخارجية الأميركية، هادي عمرو، لبناني الأصل ومتزوج من فلسطينية ورئيس الوزراء الفلسطيني محمد شتية، موقع عمرو يأتي الثالث في الملف ويتبع مباشرة الى مساعدة وزير الخارجية ويندي شيرمان، ليس واضحاً مدى دقة التسريبات، ولكن هناك ما يشير الى أن الموضوع الأثير لدي السلطة وهو تبادل التمثيل الدبلوماسي، مكتب تمثيل منظمة التحرير في واشنطن والقنصلية الأميركية في القدس الشرقية، قد أثير في هذا الاتصال، التسريبات المسموح بها تتوقف عند هذه النقطة، بينما تذهب تلك غير المسموح بها، الى أن المتصل الأميركي تحدث عن صعوبة الأمر في ظل دخول إسرائيل في جو الانتخابات المبكرة، طبعاً يمكن الحديث عن إشارات أخرى أكثر وضوحاً تتعلق بعودة المعونات الأميركية للسلطة، نسبة عالية منها تتوجه للأجهزة الأمنية، وعودة دعم مستشفيات القدس التي أوقفتها إدارة ترامب، وعودة الدعم لخدمات وكالة الغوث في التعليم والصحة، وهي المعونات التي أوقفتها إدارة ترامب أيضاً بتوصية من صهره جاريد كوشنر ومن السفير الأميركي السابق في إسرائيل ديفيد فريدمان.

في تل أبيب يكاد ينقضي الأسبوع الثالث من دون أن يرن الهاتف أيضاً ومن دون أن  يصل صوت بايدن العاطفي الباهت الى مكتب “رئيس الوزراء”، بينما يحاول نتنياهو العيش لأطول مدة ممكنة، وعليه أن يتكيّف مع واقع أنه لن يحصل على هدية ما قبل الانتخابات كما جرت العادة خلال حقبة ترامب، اليأس الذي دفعه لمحاولة إقناع العرب الفلسطينيين بالتصويت له بدل القائمة العربية المشتركة.

الرجل الجديد في البيت الأبيض لا يبدو متحمساً لتبادل الحديث، وهو يواصل دفعه نحو الحافة عبر سياسة الإهمال، بايدن أكثر اهتماماً بإسرائيل من اهتمامه بـ”رئيس وزراء” فاسد يقترب من اليأس ويبحث عن أصوات عربية في “الناصرة”، يرسل جنرالاً ليلتقي كوخافي،  ويتصل وزير خارجيته الجديد، الذي لا يشبه بومبيو، بوزير خارجية إسرائيل أشكنازي، ولكن هاتف رئيس الوزراء لا يرن للأسبوع الثالث.

الرجل ليس على عجلة من أمره، ويبدو أنه سينتظر حتى ما بعد الانتخابات المبكرة في إسرائيل ليحرك قطعه على اللوحة.

الواضح في فوضى الإشارات والتلميح والهوامش والنصوص التي يضيفها محللون كثر يكمن خارج النصوص تماماً، هو وقت مبكر للاستنتاج أو التوقع، ولكن ثمة مقاربة مختلفة تنشأ في تعاطي إدارة بايدن مع مواضيع المنطقة.

ثمة زاوية جديدة للمشهد، زاوية متخففة من الاقتباسات المحفوظة ومن الأفكار المتداولة، قراءة يقودها فريق يمثل أولاً المصالح الأميركية ويحدّد استراتيجية باردة تخدم تلك المصالح قبل أي شيء ليضعها على مكتب بلينكن، يمكن هنا استعراض أسماء مثل بلينكن وبيرنز وروبرت مالي وصولاً الى هادي عمرو، فريق من الخبراء يتمتع بقدرات بحثية ومعرفة في تعقيدات الواقع الذي يتمثل في الاتفاق النووي مع إيران حيث يتدافع الحلفاء والخصوم بالأكتاف، والملف السوري حيث خط التماس مع روسيا وتركيا، والموضوع الفلسطيني القائم على رعاية إسرائيل عبر إيجاد حل للفلسطينيين، لبنان موجود في صلب الملفات الثلاثة، الإيراني والسوري والفلسطيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى