أقلام وأراء

غسان زقطان يكتب – اعتراف «الغارديان»

غسان زقطان – 10/5/2021

اعتبرت الصحيفة البريطانية العريقة “الغارديان” أن أسوأ أخطائها الصحافية خلال القرنين الماضيين، هو دعمها لوعد وزير الخارجية البريطاني “آرثر بلفور” بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، كان ذلك قبل 104 أعوام، احتفلت الغارديان بالوعد وساهمت في دعمه، حسب الصحيفة، معتمدة على معلومات مضللة ومتعصبة لمراسلها الصهيوني “سكوت”، وعلى الرواية الصهيونية التي عبثت بالوعي الأوروبي الذي هيأه الاستشراق لتقبل مثل هذه الصورة منذ مطلع القرن العشرين وما قبله، الدعاية المدروسة للحركة الصهيونية التي “أعمتها عن حقوق الشعب الفلسطيني”.

جاء الاعتراف من خلال احتفال الصحيفة البريطانية بالمئوية الثانية على صدورها، وفي سياق رصد أسوأ الأخطاء المهنية التي ارتكبتها أثناء تغطياتها في العالم خلال مسيرة الـ 200 عام.

“سكوت” الذي زود الصحيفة البريطانية بـ”معلومات” من نوع أن الشعب الفلسطيني “غير متحضر”، ولا يملك مقومات شعب، إضافة إلى أن الفلسطينيين ليسوا سوى “أقلية في فلسطين”، كان يعيد صياغة الدعاية الصهيونية ويبثها عبر واحدة من أكثر الصحف تأثيراً في العالم في ذلك الوقت، يبدو الآن أقرب إلى جاسوس مدرب منه إلى صفة الصحافي.

لقد وضعت الصحيفة نفسها تحت رحمة صحافي صهيوني متعصب دون تبصر، ودون مساءلة أو أي محاولة للتدقيق في المعلومة، ما يجعل من هذا “الخطأ” خيانة للمهنة وللحقائق التاريخية، وهو خطأ يتجاوز المحرر وانحيازه للحركة الصهيونية ودعايتها المتوحشة القائمة على فكرة أنه لا شعب أصلاً في فلسطين، بحيث يبدو للأوروبي وعد وزير الخارجية للإمبراطورية الاستعمارية الأكثر توحشاً، لفتة إنسانية من “نبيل إنجليزي أبيض” نحو مجموعة من الضحايا.

كان ذلك قبل “الهولوكست” وأفران الغاز ومعسكرات القتل التي ستشكل رافعة لعملية التزوير تلك.

الحقيقة المؤلمة هو تواصل هذا الخطأ “المهني” حتى بعد اكتشاف الحقيقة المخيفة لحجم التزوير، والضرر الكبير الذي أحدثه مثل هذا الخطأ في وعي الناس، والذي ساهم في تشكيل بنية تحتية لتنفيذ الاستيلاء على فلسطين وتهجير أهلها، وسرقة جهودهم ومنجزاتهم الحضارية المتقدمة على مدار قرون.

الاعتراف، وهو بحد ذاته من إشارات تحول الرأي العام الأوروبي والأميركي في نظرته للصراع الفلسطيني الصهيوني، لم ينعكس على سياسة الصحيفة بنفس القدر، وواصلت التعامل بلغة متحايلة مع وقائع الصراع، لغة دبلوماسية وحذرة إلى حد ما، رغم النقلة الواضحة في محاولة تقديمه، نقلة يمكن ملاحظتها ولكنها ما زالت غائمة، رغم أن الحقائق أصبحت أكثر وضوحاً وفي متناول كل من يحمل هاتفاً ذكياً، دون الحاجة إلى “سكوت”.

كان الأولى بالصحيفة العريقة أن تقدم اعتذاراً مفصلاً، يبدأ من تقارير مراسلها عام 104، وحتى اعتداء المستوطنين الفاشيين وشرطة إسرائيل وأجهزتها الأمنية على حي الشيخ جراح وباحات الأقصى.

كان عليها أن تقدم اعتذارها عن حجم الأذى وفداحة المأساة المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني التي ساهمت فيها، خاصة وقد اتضح لها أنه شعب حضاري ومكافح وأنه لم يكن في يوم أقلية في وطنه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى