أقلام وأراء

غسان زقطان: كوخافي والخروج بلا أوسمة فشل في غزّة وفشل في الضّفة

غسان زقطان 09-09-2022

ما صرّح به أفيف كوخافي، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، عشية انتهاء خدمته وتسليم موقعه إلى رئيس الأركان الجديد هاليفي، من تحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية الوضع المتفجر في الضفة الغربية، بدا مثيراً للشفقة لضابط يغادر أهم موقع في الجيش من دون أوسمة وإنجازات حقيقية يمكن أن تساعده عندما يقرر الانضمام إلى العمل السياسي، هم عادة ما يفعلون ذلك بعد انتهاء خدمتهم في الجيش، الأحزاب السياسية في إسرائيل تبحث دائماً عن جنرال لتزيين قوائمها الانتخابية. آخر الجنرالات الملتحقين بهذه القوائم كان غادي أيزنكوت، رئيس هيئة الأركان السابق الذي أضيف في موقع متقدم لقائمة غانتس.
كوخافي الذي ترك أرضاً متفجرة في الضفة الغربية، حزام الشمال على وجه الخصوص، أنهى خدمته على وقع 11 إصابة بين جنوده واختراقات أمنية ظهرت في عملية الحافلة في الأغوار وبرج الحراسة قرب قرية النبي صالح في الوسط، والمواجهات الليلية المسلحة في جنين ونابلس وقباطية، وصولاً إلى قلقيلية حيث يضيق خصر “الدولة” إلى 14 كم هوائي بين بيارات المدينة والبحر المتوسط.
سيضاف هذا الفشل إلى فشله السابق عام 2006 عندما قاد عملية “أمطار الصيف” على غزة بعد أسر الجندي شاليط، ونظريته في التركيز على تدمير البنية التحتية لمدن القطاع، وهو الفشل الذي تسبب في إقالته من موقعه ومحاولته العودة إلى الدراسة في بريطانيا، ولكن مخاوف اعتقاله على خلفية ارتكاب جرائم حرب غيّرت وجهته إلى أميركا.
سيعود إلى الخدمة وسيختاره عام 2018 المتطرف العنصري أفيغدور ليبرمان الذي تسلم وزارة الجيش في إحدى حكومات نتنياهو رئيساً لهيئة الأركان.
في محاولته تبرير المشهد الجديد في الضفة الغربية، وتصاعد عمليات المقاومة وامتدادها وتنوع أدواتها، تتحدث المصادر الإسرائيلية عمّا يقارب الـ6000 عملية منذ بداية العام، منها 1000 عملية إلقاء زجاجات مولوتوف وأكثر من 200 عملية مسلحة. ويصرح أحد ضباط الشاباك عن مصاعب عمليات الاعتقال التي “كانت تستغرق دقائق”، ولكنها تتطلب الآن تحريك قوات، وغالباً ما تترافق مع مقاومة مسلحة، بينما يصرح مصدر آخر بعدم توافر المعلومات الاستخبارية “بحيث إننا نتحرك في العتمة في منطقة مبصرين”. وتتحدث أوساط أمنية مسؤولة عن خطورة الوضع في الضفة، وعن أن الانفجار آتٍ، بينما يعتبر محللون الضفة الغربية الجبهة الأكثر خطراً على “الدولة” من جبهة الشمال، فيما تفيض الصحافة الإسرائيلية بوصف “الانتفاضة” التي تتهيأ في مدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها، موجّهة نقدها الشديد لفشل سياسة الجيش…
يختصر أفيف كوخافي الأمر وهو يزيحه عن ظهره ويحيل الأوضاع المتفجرة إلى ضعف السلطة الفلسطينية، وفقدانها السيطرة على مناطق واسعة من الضفة، الشمال على وجه الخصوص. يقول ذلك وهو يلقي البطاطا الساخنة بين يدي هرتسي هاليفي، الرجل الجديد الذي اختاره غانتس لقيادة الجيش، وهو مستوطن يعيش في مستوطنة قرب قرية صفا غرب رام الله، كان جده أحد أعضاء عصابة “ايتسيل” قبل النكبة، العصابة التي قادها مناحيم بيغن ونفذت العديد من المجازر في القرى الفلسطينية مثل مجزرة دير ياسين وتفجير فندق الملك داود في القدس واغتيال الوسيط الدولي الكونت برنادوت، والتي تحولت بعد حلها إلى حزب “حيروت” الذي أسسه مناحيم بيغن.
الحقيقة لا يمكن تجاهل مبرر كوخافي حول تآكل دور السلطة في رام الله وانحسار سيطرتها عن مناطق واسعة في الضفة، بما فيها مناطق على مرأى من سكان المقاطعة، كسبب لفشل الجيش في السيطرة على الأرض، ولكن في سياق أوسع يشمل سياسات الاحتلال والاحتلال نفسه وتفكك شبكة العملاء ومصادر المعلومات، وتهالك الأرشيف وبنك الأهداف الذي تأسس على واقع لم يعد موجوداً. الجيل الذي يتحرك الآن لا يشبه جيل الانتفاضة الثانية 2001 أو الأولى 1987، وهو كما يتضح مع كل مواجهة أقرب في انتمائه إلى تيار شعبي عريض أكثر وحدوية وأقل احتفاءً بالفصيل، جيل يمتلك رموزه التي تشكلت في سياقه، إضافة إلى الرموز التاريخية، يمكن هنا تذكر رسالة إبراهيم النابلسي وعملية نفق جلبوع وصولاً إلى عملية الأغوار الأخيرة. يتراجع التصنيف الفصائلي الذي بُنيت عليه حملات القمع، وفلسفة عملية “جز العشب” تتحرك في زمن آخر، بحيث يبدو الأمر نوعاً من الدوران في دائرة مغلقة، مثل إعادات لأفكار استخدمت مرات عديدة.
ولعل في تسلم مستوطن، تعود جذوره إلى العصابة الأكثر دموية في العصابات الصهيونية لموقع قائد الجيش الإسرائيلي ما يستكمل المشهد، ويوضح بقوة مدى الصراع وعمقه وآفاق المواجهة، المواجهة التي يشير كل شيء إلى أنها بدأت، وأنها ستكون المشهد الرئيسي في الشهور المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى