أقلام وأراء

غسان زقطان: الدّولة الواحدة أغلبيّة عربيّة ونظام فصل عنصري

غسان زقطان 02-09-2022

انتهت الأغلبية اليهودية في فلسطين التاريخية، حسب إحصائيات الإدارة المدنية في إسرائيل 2020 وسلسلة من استطلاعات الرأي حول مواقف الجمهور العربي واليهودي في إسرائيل، التي أوردها مؤخراً ثلاثة من الخبراء الإسرائيليين في صحيفة “هآرتس”، غلعاد هيرشبرغر وسيون هيرش – هافلر وشاؤول أرئيلي. يشكل اليهود أقل من 50% من السكان بين نهر الأردن وساحل البحر المتوسط، عنوان المقالة يبدو مثيراً ومحرضاً في الوقت نفسه، “خلال نومكم، تحول اليهود إلى أقلية في أرض إسرائيل”، هكذا جاء العنوان، رغم أنهم في إسرائيل يواصلون دون توقف بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي وترحيل الفلسطينيين كأفراد عبر هدم البيوت، أو كتجمعات ومناطق مثل الأغوار ومسافر يطا والخان الأحمر، والمطاردة المسلحة بقوانين المحاكم ودوريات الشرطة وقانون “يهودية الدولة” للقرى البدوية، غير المعترف بها، في النقب، وتزوير عقود البيع والملكية وتأليف “الحدائق العامة” وخطوط المواصلات وخرائط العهد القديم … إلى آخر الحيلة الخصبة التي تعيد إنتاج نفسها منذ إعلان الدولة.
الأرقام كما أوردها البروفسور أرنون سوفير، وهو باحث إسرائيلي في الديموغرافيا والماء ونشرها ضمن مقالة في الصحيفة نفسها كتعقيب على المقالة “التحذيرية” الأولى هي:
– مجموع عدد اليهود و”آخرين” في “أرض إسرائيل” هو 7.454.000 أي 49.84 %
– عدد العرب: 7.503.000 أي 50.16 %
منهم: 2.256.000 في قطاع غزة، و3.244.000 في الضفة الغربية، و2.003.000 العرب في إسرائيل”.
أما بالنسبة للآخرين وهم من العمالة الأجنبية أو الطلاب أوالمهاجرين الأفارقة وعائلاتهم، والمقيمين بلا تصاريح، بمن فيهم العرب، فيبلغ عددهم حوالي 650 ألفاً، ما يجعل نسبة اليهود أقل من 47%.
هناك دائماً من يراقب الأعداد ويبني سياسات كاملة على أساسها، ثمة نظرية مهلهلة في الجانب الفلسطيني تقوم على أساس “التفوق الديموغرافي”، ليس ثمة برامج أو أفكار، الأمر هو كمّي إلى أبعد حدود السذاجة السياسية، البرنامج الوحيد هو الانتظار، “سنصبح أكثر منهم”.
بينما في الجانب الإسرائيلي، حيث يتولى اليمين بأنواعه، الفاشي والأكثر فاشية، تزدهر بالمقابل نظرية “التفوق العرقي”، ثمة برنامج وحيد هنا أيضاً، الاستيلاء على كل شيء، فيما يقوم الرب بعمله في توفير القوة والطرق والوسائل، بما فيها استخدام العرب أو تهجيرهم، حسب الحاجة.
بدأ الأمر مبكراً منذ نهايات القرن التاسع عشر وتعزز مصحوباً بدفع أعداد المهاجرين اليهود نحو فلسطين، كل شيء كان يصلح لتوفير البضاعة، الدين وتوضيحات حول وعد الرب حيث سيأخذ وزير خارجية بريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى “بلفور” دور الرب هنا ويمنح اليهود وعداً معاصراً، نوع من تحديث الوعد “الأصلي”، وسيأخذ روتشيلد الثري اليهودي دور النبي موسى كمعادل معاصر للنبي، التحايل وتعليقات المستشرقين من نوع أنها أرض فارغة يتجول فيها بعض البدو الرحل “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، العنصرية والتمييز والكوارث ضد اليهود في أوروبا من روسيا القيصرية حتى “الهولوكست” الألماني، ولكن الأغلبية اليهودية ستتحقق للمرة الأولى بعد إعلان “الدولة” على 78% من أرض فلسطين التاريخية، وسيتطلب الحصول على تلك الأغلبية، إضافة إلى الاستيلاء على الأرض وتفريغ مدن الساحل، تهجير 800 ألف فلسطيني وعشرات المجازر وإبادة أكثر من 500 قرية.
سيواصل الفلسطينيون بدورهم العد وإجراء الحسابات بعد النكبة في مخيمات اللجوء، بانتظار أن يصبح العرب داخل الخط الأخضر أغلبية، مع حساب تكاثر الأسرة العربية، حتى أن أحد المتحمسين أطلق على ذلك “حرب الأرحام” في تطوير بلاغي لافت سيصبح دارجاً، وستنشأ على ضفاف تلك الحرب الغريبة نظريات وستتشكل أحلام حول أغلبية عربية، فكرة إيمانية تؤثث حلقات البيوت والأحواش في الأيام العصيبة وساعات الحنين الطويلة، نظريات ساذجة تغذيها الهزائم واليأس وقلة الحيلة. 
يبدو الأمر مثل مشهد سوريالي لأشخاص يجلسون في برية أمام عدادات مغبرّة تواصل عد أشياء مبهمة وتطلق تلك التكة الخاصة، تاركة صدى عميقاً في الفراغ الذي يتراكم فوقها. 
الهزيمة الغريبة المفاجئة للأنظمة العربية في حرب 67 والانتصار الذي فاجأ إسرائيل بالدرجة نفسها، أعاد الحسابات من جديد، ثمة فائض من الأرض وفائض من الفلسطينيين، ولكن الأهم هو انتهاء فكرة قرار التقسيم، لقد حصلت خطوط الهدنة على شرعية وسيدور الحديث منذ الآن وصاعداً حول الـ22% المتبقية، وستندفع جمعيات الاستيطان نحو تلال الضفة وكرومها في ما يشبه حمى الذهب في الغرب الأميركي.
التناقص الذي بدأ مع احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة وصل الآن الى نقطة التي ستحول اليهود إلى أقلية، الكابوس الذي رافق بن غوريون مؤسس الدولة صبيحة انتهاء “حرب الأيام الستة” حتى موته في مستوطنة “سديه بوكير” في النقب يتحقق، دعواته التي لم تتوقف للتركيز على تهويد الجليل والنقب لتعميق التفوق الديموغرافي اليهودي، سيستبدل في ما بعد بمصطلح “تطوير الجليل”، كما جرت العادة، لمنح سياسة مصادرة الأراضي والدفع بالاستيطان اليهودي حتى أبواب القرى الفلسطينية سمة “إنسانية” يحبونها هناك في العواصم الغربية، ستبدو ساذجة وبدائية أمام الواقع الذي يتقدم الآن.
الهاجس الديموغرافي كان دائماً قلقاً خاصاً باليسار الصهيوني، قلقاً وجودياً ولكنه في جوهره عنصري قادم من فكرة “نقاء الدولة”، كلما كان العرب أقل كانت درجة النقاء أعلى. هذا هو دافع التأييد المتحفظ لحل الدولتين الذي جاء به اتفاق أوسلو، وضع الفلسطينيين في “كيان” وراء الجدار سيوفر الانفصال عن الشوائب التي ستعكر النقاء المنشود.
 اليمين الفاشي الذي زحف على الدولة والمجتمع لا يتوقف كثيراً أمام الفكرة، هاجسه الأرض، الأرض هي الأولوية على جدول الأعمال، ما تبقى تفاصيل سيتولى أمرها الرب، كما أنه يمكن تهجير العرب، لقد جرى الأمر دائماً على هذا النحو. الفاشية لا تقلق من الأغلبية، لديها حلولها القائمة على فائض القوة والسيطرة.
اختفاء حل الدولتين من جدول أعمال الأكثرية الساحقة من الأحزاب الصهيونية وحقبة “نتنياهو” الطويلة، وهجرة اليسار الإسرائيلي إلى خارج الدولة أو إلى أيديولوجيا اليمين، فتحت ممراً يواصل توسعه لفكرة الدولة الواحدة، الأغلبية العددية تبدو مثل سلاح يوم القيامة لدى الفلسطينيين من “حرس العدادات”، بينما نظام الأبارتهيد هو سلاح يوم القيامة بالنسبة للعنصرية الصهيونية التي تتولى الأمور في “الدولة”.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى