أقلام وأراء

غانية ملحيس تكتب – المأزق الفلسطيني الراهن كما يراه الشباب الفتي (5)

غانية ملحيس 25/10/2020

يتفق غالبية الفلسطينيين على أن الإصلاح في الحقل السياسي الفلسطيني يمثل الأولوية الأولى في أي مشروع إنقاذ وطني للخروج من المأزق الفلسطيني الراهن، الذي يهدد استمراره بمزيد من تردي الوضع في مرحلة هي الأخطر منذ النكبة الأولى عام 1948. بعد أن باتت تشترك في استهداف الشعب الفلسطيني علانية أطراف وازنة في النظام العربي الرسمي.

حيث لم تعد الأنظمة تخاف الشعوب التي سبق وأن أطاحت قبل عقود بأسلافها، للاشتباه بتورطهم مع التحالف الاستعماري – الصهيوني في زرع الكيان الاستيطاني في فلسطين.

ليقينها بأن الشعوب المنهكة، باتت عاجزة بعد أن سلبتها حريتها وانتهكت حقوقها واستنزفت طاقاتها في الحروب البينية والأهلية التي ما تزال تتفجر على امتداد الساحات العربية والإسلامية.

ولإدراكها بأنها فقدت هامش المناورة بعد أن أضحت عالقة بين مطرقة شعوبها الغاضبة وبين سندان التحالف الأميركي – الصهيوني. فلم يعد بمقدورها رفض إملاءاته إن أرادت البقاء في الحكم. وبات عليها الانصياع لأوامر الالتحاق بقافلة التطبيع مع العدو، ومقايضة حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق بسلامتها، وفقا لمبدأ “سلم تسلم”. ومواصلة تفكيك دول المنطقة لاستكمال بناء الشرق أوسط الجديد، وتتويج الكيان الاستيطاني الصهيوني العنصري سيدا على شعوبه ودوله كافة.

يدرك الشباب الفلسطيني أن الأوطان لا تهزمها الحروب والمؤامرات الخارجية. وأنها قد تخضع للاستعمار عند اختلال موازين القوى. فالشعوب الحية قادرة على النهوض مجددا ومقاومة المستعمرين ودحرهم.

وذاكرتهم حافلة بعديد الأمثلة لأمم كبرى ودول صغرى هزمت واستعمرت أراضيها وقسمت أوطانها. واستطاعت النهوض، بالتمسك بحقوقها، وامتلاك الإرادة لبلوغها، والوعي بمستلزمات ذلك من موارد وتحالفات وجهد ووقت، والتخطيط والتنظيم والصبر والمثابرة والقيادة المؤهلة. فانتصرت على أعدائها عندما امتلكت موجبات الانتصار واستعادت حريتها وسيادتها ووحدتها.

غير أن الشباب الفلسطيني يدركون، أيضا، أن قوى عظمى سقطت دون قتال، عندما شاخ وتكلس قادتها وتشبثوا بالماضي وتوقفوا عن الحلم والتجديد والتأسيس للمستقبل. وأوغلوا في التناحر والتنافس على المصالح والنفوذ. فانفض عنهم الشعب، وتفككت مكوناته، وانزوى الشباب المحبط واستنفذ طاقاته بالبحث عن حلول فردية لمشكلاته الحياتية. بعد أن فقد الثقة بقادته لانحراف البوصلة واختلال الأولويات وتقويض البنى المؤسسية وتردي الأداء. فضعفت مناعة المجتمعات، وفاز الأعداء المتربصين بها بالتزكية لخلو الميدان من خصوم فاعلين.

ولتلافي ذات المصير، يعتقدون بأن الإصلاح المستحق في الحقل السياسي الفلسطيني بات ضرورة قصوى للبقاء والصمود ووقف التصدع الداخلي الفلسطيني. الذي تسبب به سوء خيارات واجتهادات القادة الفلسطينيين في الموالاة والمعارضة على السواء. واختلال السياسات، وانحراف السلوكيات، وانعدام المساءلة والمحاسبة، وتدهور المؤسسات، وتردي الأداء في المجالات كافة. ما أنهك الشعب الفلسطيني وأضعف مناعته، فاستقوى عليه الأعداء وتجرأ عليه ذوي القربى.

ويرون أن الإصلاح المستحق يستهدف إحداث تغيير جوهري في الفكر والنهج والسلوك والبنى المؤسسية والتنظيمية والنقابية. ويتعذر إنجازه كما تم الإشارة في المقالات السابقة بالإجراءات الترميمية عبر المصالحات الفصائلية التي تفرضها الضرورة، وإنهاء الانقسام تحت ضغط إخفاق كلا الخيارين المتعارضين، التفاوضي، والضغط الميداني التكتيكي باهظ الكلفة، دون التقليل من أهمية المصالحة وإنهاء الانقسام.

كما يتعذر إنجازه بالتوافق على إجراء الانتخابات استجابة لضغوط ووعود دولية. فتجربة انتخابات عام 2006 ما تزال ماثلة في الأذهان – عندما تم الرضوخ، آنذاك، للضغوط الخارجية. فتم استدراج المعارضة للمشاركة في السلطة عبر آلية الانتخابات المحكومة باتفاقات أوسلو، واستهدفت إسرائيل وحلفاؤها، آنذاك، استغلال التناقضات الفصائلية الفلسطينية لخلق ازدواجية في النظام السياسي الفلسطيني، والتأسيس لانقسام الشرعية الفلسطينية وتعميق التصدع في البنيان الوطني، للتساوق مع خطة شارون للانسحاب الأحادي من قطاع غزة وإعادة نشر الجيش الإسرائيلي في محيطه. وبذلك توفير الفرصة لإسرائيل وحلفائها الدوليين لطي ملف “ حل الدولتين “. الذي تم الترويج له في إطار تسويق اتفاقات أوسلو حول المرحلة الانتقالية. وبات يحظى بتأييد غالبية دول العالم. ثم ظهر جليا في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 حول المرحلة النهائية، أنه لم يكن سوى فخ للإيقاع بالشعب الفلسطيني وقيادته. وأن رؤية الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي (وهما المقررتان للوقائع الفعلية في عالم يحتكم لقانون الغاب)، لا علاقة لها بقرارات الشرعية الدولية الخاصة بحل الصراع. ولا تتجاوز صيغة حكم ذاتي لفلسطينيي الضفة والقطاع تحت السيادة الإسرائيلية. وهي ذات الرؤية التي تضمنها وعد بلفور عام 1917، وصك الانتداب البريطاني عام 1923، وملحق معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية عام 1979، واتفاق إعلان المبادىء حول الحكم الذاتي الانتقالي لعام 1993 (اتفاق أوسلو) الذي شكل أول انخراط فلسطيني في عملية تسوية سياسية كان يراد لها منذ البداية أن تفضي إلى ذات النتيجة.

وعندما حاول الفلسطينيون التمرد عبر انتفاضة الأقصى أخفقوا لأسباب عديدة. يتصل أهمها بمحاولة القيادة استخدام الضغط الميداني باهظ الكلفة في ظل الاختلال الهائل في موازين القوى، دون الانقلاب على الإطار التفاوضي المحكوم بذات الرؤية. ما مكن إسرائيل ورعاتها من المضي قدما في فرض الحل بالقوة، عبر إحداث تغييرات ميدانية بإعادة اجتياح مناطق الحكم الذاتي عام 2002، في اليوم التالي مباشرة لإطلاق مبادرة السلام العربية. وإزاحة عرفات من المشهد السياسي باغتياله. واستغلال الظروف – التي تغيرت بفعل فداحة الخسائر التي لحقت بالشعب الفلسطيني خلال السنوات الأربع لانتفاضة الأقصى وباتت ناضجة للانتقال السلمي للسلطة – بانتخاب قيادة تتبنى رسميا نهجا نقيضا، يعتمد المفاوضات منهجا وحيدا لحل الصراع، ويجرم التمرد العنيف، وينسق مع إسرائيل لتطويقه، ويعيد بناء أجهزة السلطة تحت إشراف أميركي، ويعتمد مقاربة ترتكز على الإنعاش الاقتصادي وبناء المؤسسات للتأهل للحكم.

ولأن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل تدركان أن الاختلاف بين ياسر عرفات العنيف، ومحمود عباس المسالم، يقتصر على المناهج لبلوغ ذات الأهداف المرتكزة على حل الدولتين. وأن هامش الاختلاف بينهما حول حدود الدولة الفلسطينية وسيادتها بالغ المحدودية.

فقد اعتمدتا منهجا للمواءمة والتلازم بين مواصلة التفاوض وتحسين الظروف المعيشية للسكان الفلسطينيين، وبين تقويض فرص حل الدولتين. شاركت الرباعية الدولية في تنفيذه. فتم تسهيل إجراء انتخابات المجلس التشريعي – التي تشارك بها حماس المعارضة لاتفاقات اوسلو – من اجل خلق وقائع جديدة تمهد لفصل قطاع غزة سياسيا عن الضفة الغربية. وهو ما تم استدراج الفلسطينيين إليه باستيلاء حركة حماس على السلطة في قطاع غزة عام 2007. واتاح ذلك الفرصة لعزله ومحاصرته. وسمح للمرة الاولى في تاريخ الصراع بتحييد الضفة الغربية خلال الحروب الإسرائيلية المتتالية على القطاع، والتي استهدفت إسرائيل عبرها تطويع السلطة الفلسطينية المستحدثة في القطاع واستدراجها إلى مسار تفاوضي منفصل مباشر مع إسرائيل بمشاركة أطراف عربية، لمعالجة علاقات قطاع غزة بإسرائيل بمعزل عن الضفة الغربية.

والعمل بالتوازي على خلق وقائع استيطانية جديدة في الضفة الغربية، تحاصر التجمعات السكانية الفلسطينية في معازل متفرقة، وتمنع تواصلها السكاني والإسكاني، وتقوض أسس الكيانية الفلسطينية فيها. ما تسبب بانسداد الآفاق، فتوقفت المفاوضات السياسية الفلسطينية – الإسرائيلية عام 2014. واقتصرت العلاقات الثنائية بين إسرائيل والسلطة في رام الله منذ ذلك الحين على التنسيق الأمني وتسيير الشؤون المعيشية للسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية.

نستذكر هذه الوقائع لتبصير الشعب الفلسطيني بأن الطريق إلى جهنم مليء بذوي النيات الحسنة. وأنه يتوجب الحذر من الوقوع مجددا في ذات الشرك. فالضغوط الدولية الراهنة لإجراء انتخابات سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني – قبل إجراء الإصلاح السياسي البنيوي الفلسطيني المستحق – تثير شكوكا بشأن إمكانية توظيفها مجددا للتساوق هذه المرة مع “صفقة ترامب ” الساعية لتصفية القضية الفلسطينية. وليس لتسوية الصراع – كما قد يعتقد ويأمل دعاة الواقعية السياسية -.

وتستهدف عبر الترويج مجددا لوهم الدولة الفلسطينية المختزلة حدودها (باعتبارها فرصة يتوجب عدم إضاعتها كما سابقاتها ) مواصلة إدارة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بتكريس المنجزات الإسرائيلية التي تم تحقيقها ميدانيا. وتثبيت الصفقة كأساس تفاوضي جديد يتم الانطلاق منه، لاستئناف العملية السياسية على أساسها – بعد تجديد شرعية سلطة الحكم الذاتي وإحكام سيطرتها على المنظمة – وتوفير غطاء عربي ودولي لإطلاق عملية تفاوضية جديدة تسلم ابتداء بإخراج القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود من إطار التفاوض، باعتبارها أمور تم حسمها مسبقا. وتستثمر الوقت في الضغط الميداني لتطويع الفلسطينيين ودفعهم للقبول بالحل الإسرائيلي – الأميركي، الذي لا مجال فيه لكيان فلسطيني مستقل داخل حدود فلسطين الانتدابية. وتبقي على جدول التفاوض مناقشة الفرص الاقتصادية وصيغ الحقوق المدنية الفلسطينية وشروط التمتع بها في اطار حكم ذاتي وظيفي فيما تبقى من مناطق التركز السكاني الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. ( في محاكاة لتجربة أوسلو التي أخرجت ملف العام 1948 قبل بدء التفاوض. سعيا وراء حل الدولتين على أساس حدود العام 1967. فاستمر التفاوض بشأن بلوغه ربع قرن، بالتزامن مع تواصل العمل الميداني لتقويض فرص تحققه. وبعد تبدد إمكانية تحقيق حل الدولتين. بات هدفا استراتيجيا لطرفي النظام السياسي الفلسطيني، اللذين اختلفا عليه وتصارعا بسببه على مدى أكثر من ثلاثة عقود !!

تزداد خطورة استدراج الفلسطينيين مجددا إلى فخ التفاوض حول تسويات وهمية، لتزامن الضغوط والوعود الخارجية لإجراء الانتخابات الفلسطينية – قبل إنجاز الإصلاح السياسي المستحق، وتقاطعها مع الضغوط الداخلية الفلسطينية الناجمة عن تعاظم الاحتقان الشعبي الفلسطيني في جناحي الوطن، الذي يفاقمه انسداد الآفاق وتصاعد العدوان وتشديد الحصار العسكري والمالي على الشعب الفلسطيني. ويؤجج الاحتقان الفلسطيني سوء أداء طرفي النظام السياسي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتدهور الأوضاع المعيشية، وتنامي القمع وانحسار هامش الحريات في جناحي الوطن. وتزامن ذلك مع تدهور العلاقات مع المحيط العربي والتداعيات التدميرية لذلك على القضية الفلسطينية.

ما قد يسهل استخدام الاستحقاق الانتخابي المحق، لحرف الأنظار – مرة أخرى – عن أولوية الإصلاح الجوهري المستحق في الحقل السياسي الفلسطيني بالانقلاب على أوسلو، ويقدم الانتخابات في إطار ذات الاتفاق المحكوم بالحكم الذاتي كأولوية، ويسهل تسويقه كهدف وطني ومطلب شعبي. ويجعل مجرد إجراء الانتخابات وكأنه إنجاز وطني كفيل بحل كافة الأزمات الفلسطينية.

يفاقم قلق الشباب الفلسطيني استمرار التسويف بإنهاء الانقسام وإتمام المصالحة وفق أسس واضحة، واختلال الأولويات في مقاربة النظام السياسي الفلسطيني لسبل العبور الآمن بالشعب الفلسطيني خلال هذه المرحلة المفصلية. التي تجري فيها محاولة إعادة تشكيل الخريطة السياسية والجغرافية لعموم المنطقة دون فلسطين وشعبها، عبر تجاوز حقوقه الوطنية والسياسية واستبدالها بحقوق مدنية منقوصة محكومة بشروط التحالف الأميركي – الصهيوني الذي باتت تشترك فيه رسميا عدة أطراف عربية.

ويعزز مخاوفهم توافق الأمناء العامين للفصائل والتنظيمات والأحزاب الفلسطينية على أسبقية إجراء الانتخابات قبل الاتفاق على برنامج الإنقاذ الوطني. وعلى أولوية انتخابات الإطار الفرعي / سلطة الحكم الذاتي / التشريعية والرئاسية / على انتخابات المؤسسة الأم / منظمة التحرير الفلسطينية / المجلس الوطني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية / التي تشكل المرجعية العليا لعموم الشعب الفلسطيني داخل الوطن المحتل وخارجه. قبل إتمام الفصل بين السياسة بإسنادها للمنظمة، والإدارة بإسنادها للسلطة. وما يعنيه، ذلك، من وضع العربة قبل الحصان. وبذلك، تقويض فرص الإصلاح الحقيقي، وتكريس تجزئة الشعب الفلسطيني الذي أحدثته اتفاقات أوسلو. عبر ترجيح ثقل ثلث الشعب الفلسطيني المحاصر والمرتهن معيشيا لإسرائيل / سكان الضفة الغربية وقطاع غزة /، واستبعاد تأثير ثلثي الشعب الفلسطيني داخل أراضي 1948 وفي الشتات، وتهميش دورهم وحقوقهم في عملية صنع القرار الوطني المتعلق بحاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني.

ويفاقم قلقهم، أيضا، مؤشرات تتبدى في تصريحات بعض القادة / الرسمية منها والمسربة /، حول تأجيل البت بالقضايا الجوهرية – التي يفترض بها أن تشكل الأساس لأي انتخابات فلسطينية – ما يعني تلقائيا إجهاض فاعلية الانتخابات كمدخل للتغيير والإصلاح السياسي المستحق، واختزالها لآلية تسمح لتحالف المأزومين بتجديد الشرعية واقتصار التغيير على الأشخاص، وإعادة إنتاج ذات النظام الفصائلي العاجز.

لا يغفل الشباب الفلسطيني أهمية الاستحقاق الانتخابي الفلسطيني كمدخل لإحداث التغيير الضروري للخروج من المأزق الفلسطيني الراهن. لكنهم يرون أن ذلك ممكن فقط، عندما يرتبط إجراء الانتخابات برؤية نهضوية شاملة، وعندما تخاض على أساس برنامج إنقاذ وطني مدرك لطبيعة الصراع الوجودي الذي فرض على الشعب الفلسطيني منذ أكثر من قرن، وواع لطول أمده، ولأهمية وأولوية الصمود المقاوم في هذه المرحلة المصيرية.

بإدراك انعدام فرص التسويات السياسية بأي صيغ تؤسس لكيانية وطنية فلسطينية – ضمن أي حدود جغرافية – على أرض فلسطين الانتدابية في المدى المنظور.

وتجنب إقحام الشعب الفلسطيني بمفاوضات جديدة – لاستشراف فرص بدعوى الواقعية السياسية وانعدام الخيارات – يمليها واقع الاختلال الهائل في موازين القوى القائم محليا وعربيا واقليميا ودوليا.

والحرص، أيضا، على عدم التورط بخيارات هوجاء تستدرج الشعب الفلسطيني إلى الاصطدام بقوة العدو التدميرية الفائقة، في ظروف فلسطينية وإسرائيلية وعربية وإقليمية ودولية بالغة الاختلال لصالحه، فتتيح له الفرصة لنشر الفوضى وتكبيد الشعب الفلسطيني المنهك أعباء تفوق طاقته على احتمالها، ما يعطل ويؤخر إمكانية نهوضه لعقود.

ويرى الشباب أن الانتخابات الفلسطينية يمكن أن تشكل الآلية المثلى للشروع بالإصلاح عندما يسبقها انخراط جماعي للفصائل والتنظيمات والأحزاب بإطار منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني.

وعندما يتم الفصل بين السياسة والإدارة، وتنظم العلاقة التكاملية بين المنظمة كإطار مرجعي أعلى لعموم الشعب الفلسطيني مهمتها قيادة المشروع الوطني التحرري الذي تتوافق عليه كافة مكونات الشعب الفلسطيني داخل الوطن وفي الشتات. وبين سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني كذراع تنفيذي مسؤول عن إدارة شؤون الشعب الفلسطيني داخل حدود عام 1967 وتعزيز صموده.

وعندما يتم الفصل الكامل بين مهام المنظمة ومهام السلطة على صعيد الاستراتيجيات والمناهج والأدوات والمؤسسات والأشخاص، كما سبق بيانه في المقال السابق.

فالمعايير التي يعتمد عليها الناخبون الفلسطينيون داخل الوطن المحتل وفي الشتات في اختيار القادة المناط بهم قيادة حركة التحرر الوطني وإنجاز الأهداف التي تتوافق عليها كافة مكونات الشعب الفلسطيني، ومرتكزها الحرية والعودة وتقرير المصير. وما تفرضها طبيعتها الكفاحية من تضحيات وإيثار ومخاطر وأعباء تستوجب مواصفات محددة وقدرات ومهارات خاصة.

تختلف جذريا عن المعايير المتعلقة باختيار الناخبين في الضفة الغربية وقطاع غزة لمسؤولين عن سلطة حكم ذاتي محدود ومقيد، مناط به مسؤولية إدارة وتنظيم شؤونهم الحياتية. وما يستوجبه ذلك من مؤهلات علمية ومهارات مهنية وفنية تقتضيها الوظائف التخصصية في المجالات المختلفة، لتلبية احتياجات السكان وتوفير وتنمية المقومات الذاتية لبقائهم، وتعزيز مناعتهم وزيادة مقدرتهم على تحمل أعباء الصمود المقاوم.

ولنا في عدونا أكبر مثال على تكامل الأدوار واتساقها بين الحركة الصهيونية / المؤسسة الأم / وبين الكيان الصهيوني / الذراع التنفيذي للمشروع الصهيوني على أرض فلسطين /.

فما تزال الحركة الصهيونية التي أنشئت رسميا عام 1897 في سياق التوسع الاستعماري الأوروبي. تمارس دورها كمرجعية عليا وإطار إشرافي / تخطيطي ورقابي /، مهمته قيادة المشروع الاستعماري الصهيوني. واستكمال استبدال فلسطين بإسرائيل بمواصلة اقتلاع شعبها الفلسطيني الأصيل لإحلال المستوطنين اليهود -الذين يتواصل استجلابهم من كافة بقاع الأرض -مكانهم. وفقا لقدرة إسرائيل الاستيعابية. ولاحتياجها للحفاظ على هويتها اليهودية الحصرية، والإبقاء عليها كملاذ آمن ومزدهر لليهود، وكمركز حيوي لجذب يهود العالم وتوطيد صلاتهم بإسرائيل ولتعزيز نفوذ اليهود في مواطنهم الأصلية.

والإبقاء عليها كوطن معنوي وإطار تنظيمي ومؤسسي جامع ليهود العالم باعتبارهم احتياطي استراتيجي لدعم الكيان الصهيوني، ومصدر لتأمين احتياجاته المادية والبشرية للقيام بالدور الوظيفي المناط به كوكيل حصري للقوى الدولية المتنفذة في عموم المنطقة.

وعلى الرغم من أن الحركة الصهيونية أنجزت الهدف الذي أنشئت من أجله. الا أنها لم تحل نفسها بعد، ولم تندمج بالدولة الصهيونية التي أقامتها قبل 72 عام، رغم أنها باتت منذ أكثر من نصف قرن تسيطر على كامل فلسطين الانتدابية. وأضحت قوة اقتصادية وعسكرية وازنة في المنطقة. والدولة الوحيدة التي تمتلك سلاحا نوويا في الشرق الأوسط. وتحظى بالتزام القوى التي تتربع على عرش القيادة الدولية بدعمها وحمايتها. والدولة الوحيدة التي تتوافق القوى الدولية المتنفذة على استثنائها من صراعاتها التنافسية / دون ان تتخلى عن سياساتها الاستعمارية وطبيعتها العنصرية وسلوكها العدواني /. بل وباتت ملجأ يحتمي به عديد الأنظمة العربية في صراعاتهم الداخلية والبينية والإقليمية. والبوابة التي تمر عبرها هذه الأنظمة لتحسين علاقاتها بالولايات المتحدة الأميركية وعموم الغرب، ولتجنب غضبهم وعقوباتهم.

ألا يستدعي كل ذلك التمعن فلسطينيا في الأسباب الذاتية / لنجاح المشروع الاستعماري الصهيوني في إنشاء إسرائيل وتوفير موجبات بقائها وتقدمها وتفوقها /دون إغفال الدور الرئيس الذي لعبته العوامل الخارجية / ؟؟

ألا يستدعي، أيضا، البحث في الأسباب الذاتية لتواصل الإخفاق الفلسطيني على امتداد أكثر من قرن، رغم جسامة التضحيات الفلسطينية، ودون إغفال الدور الرئيس للعوامل الخارجية ؟؟

فتبين ذلك كفيل بتحديد مستلزمات الإصلاح الفلسطيني المستحق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى