أقلام وأراء

غانية ملحيس: بين الانكشاف البنيوي وانفجار المعنى

غانية ملحيس 30-7-2025: بين الانكشاف البنيوي وانفجار المعنى

قراءة في مقال الأستاذ حمدي فراج “قانون نفي النفي: من يفني من؟ إسرائيل أم غزة؟”

هذه ليست المرة الأولى التي نقرأ فيها مقالا عن المجازر في غزة. لكنها من المرات النادرة التي نجد فيها نصا يتجاوز ردود الفعل المباشرة، لينفذ إلى عمق الحدث بوصفه كاشفا لبنية، ومفجرا لمعنى.

مقال الأستاذ حمدي فراج ليس تعليقا سياسيا عابرا، ولا انفعالا وجدانيا، بل هو محاولة تأويلية تضع المجازر في سياقها البنيوي، فتقرأ ما يجري في فلسطين اليوم كعلامة على ارتجاج المشروع الصهيوني من جوهره، ليس على مستوى السياسات فقط، بل على صعيد منطق القوة ذاته، الذي بدأ يتآكل من داخله.

يعيد فراج الاعتبار للجدل بوصفه أداة تحليل. ليس الجدل الخطابي، بل جدلية التاريخ حين يتقاطع الفعل المقاوم مع التناقضات البنيوية لمنظومة استعمارية تلفظ أدواتها. فـ” نفي النفي” هنا ليس اصطلاحا فلسفيا فحسب، بل تشخيص دقيق لمرحلة بلغت فيها إسرائيل، وهي تضرب وتقتل وتدمر، حالة من الفعل الغريزي الفاقد للبوصلة. إنها تعيد إنتاج عجزها باسم “الردع”، لكنها تفشل في كسر إرادة، أو انتزاع اعتراف، أو حتى فرض وهم الانتصار.

تكمن أهمية المقال في أنه لا يركن إلى بلاغة الألم، ولا يكتفي بوصف المأساة، بل يخترق سطح الحدث إلى عمقه، حيث تتعرّى سردية القوة، ويتبدل منطق السيطرة. وتبرز المقاومة هنا، ليس كفعل دفاعي، ولا كاستجابة ظرفية، بل كأزمة بنيوية لمنظومة استعمارية عالمية بدأت تتصدع.

في هذا الأفق، لا تبرز غزة كضحية فحسب، بل كفاعل تاريخي، وكعقدة مركزية في انكشاف المشروع الاستعماري. إنها الجغرافيا التي تختبر فيها إسرائيل ورعاتها آخر أدواتهم… ويفشلون جميعا.

السؤال الذي يختم به فراج المقال – أو يفتحه في الحقيقة – يجب أن يؤخذ إلى ما هو أبعد من المقال:

هل وصلت إسرائيل إلى لحظة نفي مشروعها بنفسها؟

وهل تكون غزة، وهي تفنى ظاهريا، هي من يفني المشروع الصهيوني رمزيا وتاريخيا؟

لا يكتفي المقال بإدانة الجريمة، بل يقرأ دلالاتها العميقة، ويفتح أفقا تفكيريا يتجاوز ثنائية “نصر/هزيمة”، نحو مقاربة ترى الصراع كـ” سيرورة تفكك” تجري أمام أعيننا. وهي سيرورة لا تستدعي التضامن فحسب، بل تستدعي مراجعة أدواتنا التحليلية والاشتباكية، بما يمكننا من التفكير والفعل في آن.

إنني أتشرف بمشاركة هذا المقال، يقينا بأنه من النصوص القليلة التي لا تشرح الحدث، بل تشرّحه، ومن القراءات التي لا تكتفي بملاحقة الكارثة، بل تبصر ما بعد الكارثة.

المقالة : 

حمدي فراج: قانون نفي النفي .. من يفني من؟ إسرائيل أم غزة؟

هل بدأت إسرائيل عملية اغتراقها الذاتي في رمال غزة، حد الاختناق، بعد أقل من عامين على الطوفان؟

ربما يكون من الصعب الإجابة الحاسمة على هذا السؤال الآن، لكن هناك الكثير من الشواهد تقول بذلك، أو على الأقل تفيد بانها في الطريق الى هذا المسار المهلك.

ليس للأمر علاقة متبقية للاجتهاد الفردي والعامل الذاتي، فقد أخذت الأمور تخرج عن السيطرة الانسانية لتدخل حدود الموضوعية الطبيعاتية والحتمية المادية للتاريخ وقانونها المركزي “نفي النفي”.

كل خطوة او قرار تتخذه إسرائيل في غزة، بحق غزة، سرعان ما يثبت فشله وعدمه، عودة سريعة الى الوراء تثبت صحة هذا الاستنتاج، إبادة غزة، كل سكانها وحوش آدمية وحيوانات بشرية، تهجيرهم “طوعا”، تدمير بيوتهم فوق رؤوسهم، تجويعهم وتعطيشهم، قنصهم عند نقاط المساعدات “الإنسانية”، اجتثاث المقاومة، تحرير الرهائن المختطفين.

فتح خط مفاوضات عربية “مصرية قطرية” باشراف امريكي “ديمقراطي وجمهوري” ، خرق المفاوضات، استئناف الإبادة، استخدام القوة بقوة اقوى، فتح أبواب جهنم، تجويع حتى الموت، ثم فتح مفاوضات جديدة ومتجددة، تعيد إسرائيل رفضها، تنسحب احتجاجا، ثم تعود ادراجها، لكن هذه المرة بتقديم مساعدات “إنسانية” بحدودها الدنيا، السماح بعدد محدود من الشاحنات وباسقاطات جوية لدولتي الأردن والامارات.

حظر التعامل مع المنظمات الدولية، تجريم الأمم المتحدة والاونروا، طردها واغلاق مقراتها، ثم التراجع، مع تحميلها مسؤولية “التقصير واختلاق الاعذار” عن عدم القيام بواجباتها كما يجب، ثم موافقتها على ان تأخذ دورها في التوزيع.

محاولات خلق بدائل، من قوات عربية، ثم عشائر وعائلات، الى محاولات تهريب مسلحين في شاحنات الطحين، ثم خلق مجموعات عميلة “ابو ذباب” .

لن ينفع أي شيء على الاطلاق، بما في ذلك التوصل الى هدنة، وإعادة المختطفين، فالهدنة ستنتهي بعد ستين يوما، والمختطفون لن يعودوا بدون تبادل لآخر محكوم بالمؤبد، وعلى رأسهم هذه المرة قيادات وازنة في فتح وحماس والجهاد والشعبية، ولبعضهم مواقع قيادية متقدمة في المقاومة والفصائل والشعب، ولهذا ترى إسرائيل تتراجع عن مثل هذه الهدنة/ الصفقة، لكن من قال ان عدم توقيعها يعني ان إسرائيل وصلت الى تحقيق أهدافها، من قال ان اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية ليس له علاقة بما ترتكبه إسرائيل في غزة، ومن قال ان بريطانيا ومعها ألمانيا وإيطاليا، لن تكون لها مواقف مشابهة او متقاربة، ومن قال ان أمريكا ستصمد وحدها في مناصرة هذه الدولة الغارقة، خاصة وأن الموقف العربي برمته سيتغير، ليس فقط التطبيعي الذي نظر الى “احتلال البلاد ضيافة”، بات يخجل من نفسه وتاريخه، بل لأن الآخرين يتغيرون، ولأنهم المرشحون الأقرب للغرق في رمال غزة وصرخات اطفالها، التي تردد صداها في أربعة ارباع العالم، بما في ذلك إسرائيل نفسها.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى