منوعات

عيسى قراقع: قراءة في رواية احلام القعيد سليم للكاتب نافذ الرفاعي، ايها الناس أخرجوا العجز من داخلكم وتحرروا

عيسى قراقع 15-12-2025: قراءة في رواية احلام القعيد سليم للكاتب نافذ الرفاعي، ايها الناس أخرجوا العجز من داخلكم وتحرروا

رواية احلام القعيد سليم للكاتب الصديق نافذ الرفاعي هي حكاية جسدٍ مقعد وروحٍ تمشي. بطلها المشلول الساقين، يقرّر أن يتسلق شجرة الجميزة العالية في أريحا، لا لأنها شجرة فقط، بل لأنها مِقياسٌ للكرامة ومعيارٌ للوجود، كل خطوة في صعوده ليست حركة عضلية، بل نفيٌ للعجز وشفاء وكتابة جديدة للذات في مواجهة مصيرٍ جائر.

ناقشنا الرواية في الجامعة الأهلية في بيت لحم، وصعدنا مع المقعد سليم إلى أعلى الشجرة حتى تحولت أنفاسنا المرهقة إلى تأمل وكتابة ومجادلة، واختبرنا قدرتنا على المواصلة وعدم التوقف في منتصف الطريق، وشعرنا أن سليم الضعيف هو نحن جميعا، ولكن الارادة تصنع الاقوياء، الارادة حياة، لاشيئ يقيدها، وهنا يصبح سليم الفلسطيني هو الشعب الذي يتحدى كل أصناف القهر والظلم، وكما قال الشاعر ابو القاسم الشابي: ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر.

سليم لا يصعد الشجرة ليُرى من فوق، بل ليكتشف ما إذا كانت الروح قادرة على تجاوز مرسومات الجسد وحدوده، وليعلن أن الإنسان ليس ما تقوله قدماه، بل ما يقوله عُنقه المرفوع نحو الضوء بشموخ وكبرياء، يقول سليم في الرواية: عزمت الخروج من العجز والكساح، لست عالة على احد، وعلي أن أخرج من القالب المتخشب إلى فضائي، وعلي أن اتجاوز الأسلاك الشائكة في طريقي واصل إلى هدفي.

الرواية تمزج بين الرمزية المسيحية (الجميزة التي صعد إليها زكّا ليرى المسيح)، والرمزية الوجودية (سيزيف وصخرته)، وواقعية السهل الأردحيّ القاسي في أريحا، لتشكّل لوحة لاهوتية – فلسفية عن إرادة الحياة، ورسالة سياسية أخلاقية تقول للجميع: اقهروا القعيد الذي يسكن في داخلكم واطردوه وتغلبوا عليه، حينها تنتصروا على اعدائكم، فالحرية تبدأ بحرية العقل والروح قبل الجسد.

ماذا أراد الكاتب أن يقول لنا في هذه الرواية؟

1. كسر مفهوم العجز

العجز ليس في الجسد، بل في معنى الجسد، الرواية تهدم الفكرة الشائعة أن الإعاقة حدّ، وتقول إن الحدّ الحقيقي هو الاستسلام والرضوخ.

2. إعادة تعريف القوة

القوة ليست قدرة على الركض، بل القدرة على عدم التوقف، أن تصعد وأنت لا تستطيع هذه هي القوة، وكما قال. الشاعر سميح فرج: قد تسقط في أول جولة، لا تتردد، قد تسقط في ثاني جولة، لا تتردد، قد تسقط في عاشر جولة، لا تتردد، لكنك لن تسقط ابدا، فتمرد وتمرد، يقول سليم في الرواية: في داخلي طاقة مجنونة، انا انسان يملك القوة ويستطيع أن يستخدمها.

3. الاحتفاء بإرادة الحياة

الرواية مرافعة عن حق الإنسان في أن يعيش بشروطه هو، لا بشروط قدره أو إعاقته، أو بشروط الاخرين، رفض الأمر الواقع والسعي لتغييره، وعدم الياس مهما كانت الطريق الى الحرية متعثرة وقاسية، الارادة هي ما يصنع الانسان، لا القوة العضلية.

4. المصالحة بين الجسد والروح

محاولة الصعود ليست تحديًا للجسد، بل مصالحة معه: اعتراف بضعفه، واستخدام بقايا قوته لخلق معنى جديد، هذا المعنى يقول: أن الإنسان قادر على حمل ذاته إلى الاعلى، الإنسان القوي لا ينتظر الخلاص، بل يخلقه ويصنع مصيره بيده، قيمة الإنسان ليست في قوة الجسد بل في قوة النفس.

5- التحرر من سجن الجسد يبدأ من التحرر من السجون الداخلية، سجون المفاهيم والموروثات المتخلفة البالية، سجون المجتمع التي تقيد الارادة الحرة، الثورة على النص المقيد، الوعي والإبداع، ثقافة التحرر والمقاومة، فالوجود قائم على الوعي وليس على أداء الجسد.

6- ربط التجربة الفردية بالمعنى الكوني

ما يفعله سليم ليس مأساة شخصية، بل أسطورة إنسانية: كل إنسان لديه شجرة جميزة خاصة عليه أن يصعدها ولا يخاف، وأعظم الانتصارات هي الانتصار على الذات، والتغلب على الالم، والقوي هو من يريد نفسه، ومن يقول نعم لوجوده بكل ما فيه، هو من يصير سيدا على نفسه حين تتحد إرادته مع فعله.

7- الحب هو القوة العظمى في الرواية

لولا الحب الذي يملكه قلب سليم القعيد لما تمكن من الصعود والوصول إلى قمة الشجرة، الحب محرك الصعود والمثابرة، الحب ليس عاطفة فقط بل سلم الارادة، إرادة المقاومة، الحب وإنسانية الإنسان اقوى من المدفع والقنبلة، الحب الذي عاشه سليم مع حبيبته عواطف هو الوقود الذي جعله واقفا بعد سقوطه، الحب هنا مشروع وجودي يعيد الإنسان إلى ذاته ويقوي عزيمته، وكما قال الفيلسوف نيتشة: الحب طاقة خلاقة لصناعة الإنسان الأرقى.

في الرواية، تصبح الجميزة نافذة على الذات وعلى الحقيقة، من فوقها يرى سليم العالم بطريقة لم يرَها من قبل.

الخلاصة الفلسفية للرواية

رواية “سليم القعيد” ليست عن شاب مشلول يصعد شجرة فقط، بل عن:

إعادة تعريف الإنسان.

تحرير مفهوم القدرة.

الانتقال من الأرض إلى السماء بلا أجنحة.

رفض العجز المفروض.

تحويل الألم إلى هوية جديدة.

ايها الناس: أخرجوا العجز من داخلكم وتحرروا، اصعدوا الي شجرة الروح، لا تقبلوا أن تظلوا في الاسفل، لا شيء مستحيل، هذه الجملة هي قلب الرواية بالكامل.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى