منوعات

عيسى قراقع: غزة: دمعة واحدة توقظ الصباح

عيسى قراقع 21-10-2025: غزة: دمعة واحدة توقظ الصباح

دمعة واحدة،
انسكبت من عين طفلة جائعة،
فارتجف الليل،
وتعثر القصف في صمته الطويل.

لم تكن دمعة ضعف،
كانت نداء الكون حين يختنق،
وصعود الإنسان إلى روحه العالية.

دمعة واحدة،
يا حبيبتي،
تسقط على الركام،
فتنهض المدينة من سباتها الذبيح،
كأنها تتذكّر نفسها،
وتعيد رسم وجودها على الحجارة الممزقة.

تفتحت زهرة بلا تربة،
شمعة بلا زيت،
وطفلة بلا خبز تغني للغيوم الماطرة.

دمعة واحدة،
أيقظت الصباح،
وغسلت وجه الله من غبار الحرب،
وقالت للعالم:
مازال في الإنسان ما يستحق أن يولد مرة ثانية.

دمعة واحدة،

تفتح نوافذ المنازل المنهارة،
تدفع الريح لتحمل أسماء الشهداء إلى الأزقة،
وتخبر الأطفال: تعالوا، شاهدوا الحياة التي ظلت نابضة.

غزة، يا مدينة الصمت المتكلم،
يا قلبًا ينبض في الظلام،
يا عينًا تبكي فوق المآذن والكنائس،
كل حجرٍ هنا يحكي قصة،
كل جدارٍ يحمل سرًّا لم تمحه الابادة.

دمعة واحدة تكفي لتروي الحكايات المنسية،
لتعيد الطيور إلى السماء الرمادية،
لتعيد للنهار لونه،
وللأمل صوته في قلبٍ لم ينهزم.

الغرباء يمرّون ويظنونك صامتة،
لكن دمعة واحدة تكفي،
لتجعلي العالم يسمعك،
ولتصبح الحرب مجرد ذكرى،
والصباح وعدًا جديدًا بأن صوت الحق اقوى من القنبلة.

دمعة واحدة،
وفيها كل النساء والأطفال والرجال الذين أحبّوا الحياة،
وفيها كل القلوب التي رفضت أن تموت مع المدن.

ها هي دمعة واحدة تُعيد ترتيب الكون،
تجعل المدينة تحيا،
تعلّمنا أن النور لا يأتي إلا من الألم،
وأن الحب لا يولد إلا حين نحرسه بدمائنا،
وأن الصمود ليس فكرة،
بل ممارسة يومية،
كأن كل لحظة تنطق باسم الحرية.

دمعة واحدة،
شاهدة وذاكرة،
ترى أكثر مما تراه الطائرات المغيرة،
ترى القاتل والمتخاذل،
ومن سرق الطفولة.

عين دامعة في غزة،
تذوب في ملوحتها،
في تلك العين تسكن الحقيقة العارية.
،
دمعة واحدة،
توقظ الصباح،
تعلّمنا أن غزة ليست مجرد مدينة،
بل قلبٌ حيّ ينبض بالذكريات،
ويكتب قصائده على أنقاض الزمن،
ويزرع الأمل في كل زاوية مظلمة،
ويصنع من الخراب قصائد منثورة.

تكبر الدمعة ويكبر الاطفال،
الدمعة مدرسة،
حلم وصبر ووعي وقلم،
يكتب المستقبل على جدار مهدم.

عين طفلة دامعة،
تسقي الأرض والضمائر الغائبة،
انها موعظة غزة:
الحزن ليس نهاية،
اجيال تكبر ولا تخاف العتمة،
تزرع مكان كل قذيفة وردة.

دمعة واحدة،
دمعة دافئة،
تكفي لتغسل وجه الإنسانية.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى