عيسى قراقع: تصفيق للمغتصِبين

عيسى قراقع 23-11-2025: تصفيق للمغتصِبين
هل رأيتم مقطع الفيديو المتداول على مواقع التواصل الاجتماعي؟ البث المباشر من قاعة محكمة العدل العليا الاسرائيلية أعلى سلطة قضائية في اسرائيل، احتفال صاخب وحار يوم 12.11.2025 بالجنودالاسرائيليين الذين قاموا باغتصاب اسير فلسطيني في سجن سدي تيمان الدموي، هل رأيتم الاحتضان والترحاب بهم؟ الهتافات والتصفيق من الحضور بالمجرمين الذين دخلوا قاعة المحكمة.
وسبق يوم 29.7.2024 أن اقتحم جمهور اسرائيلي معسكر سدي تيمان تضامنا مع هؤلاء الجنود الذين قاموا بتعذيب واغتصاب الاسرى ولمنع اعتقالهم، ومن بينهم وزراء وأعضاء كنيست ومتطرفون من كافة الاحزاب، وقد اطيح بالمدعية العسكرية الاسرائيلية اروشالمي على خلفية تسريبها مقطعا مصورا يكشف هؤلاء الجنود وأفعالهم الشنيعة، وبدأت التقارير و الشهادات الكثيرة عن أعمال الفحش والعنف الجنسي الممنهج في سجون الاحتلال.
دولة اسرائيل تحتفل بجنودها العائدين من حفلات الاغتصاب، تصفيق ومرح بهذا الأنتصار العظيم على أجساد الاسرى والاسيرات، الجمهور يطالب باعطائهم النياشين والاوسمة، فهم ابطال قوميين هدموا جسد الأسير كما هدموا غزة، شعب اسرائيل حي، هكذا هتف الجنود وهم يمارسون اغتصاب الاسرى والاسيرات بوسائل مرعبة، شعب اسرائيل حي، وترسل عشرات الصور والفيديوهات إلى ابن غافير وهيئة الاركان، شعب اسرائيل حي حتى يشرع قانون اعدام الاسرى، وقانون العار وقانون الاغتصاب.
تصفيق للمغتصِبين في قاعة المحكمة والمطالبة بالإفراج عنهم، لأنهم كانوا في مهمات عسكرية، والعنف الجنسي ضد الأسرى ذكورا وإناثا يحقق أهداف كسر إرادة المقاومة، وردع الجيل القادم من المقاتلين والمقاتلات، وخلق صورة نصر تقول: بأننا قادرون على الوصول إلى أعمق منطقة في الانسان، تشويه الروح الوطنية من الداخل أكثر فتكا من السلاح.
في افادتهم أمام المحكمة قال الجنود بكل فخر وثقة: نعم اغتصبنا الاسرى لنكسر أرواحهم واحلامهم، اجسادهم هدف سياسي، فالاسير ينتزع من بيته ثم ينتزع من جسده، في عملية مزدوجة: سرقة المكان وسرقة الامان، وهكذا يتحول الجسد إلى ساحات احتلال اخرى، والى حدود جديدة لسياسة الأمن القومي الإسرائيلي.
لا داعي للصواريخ والقنابل، يقول الجنود في قاعة المحكمة، الاغتصاب وسيلة فعالة، أنه حرب على الذات الفلسطينية وعلى الوعي وتفجير الكرامة بالصدمة، قتل الروح الوطنية للفلسطينيين، تحويل الإنسان إلى ظل، وتحويل الجسد إلى وصمة تذكر الجميع أننا الشعب الاسرائيلي نملك السلطة على الحياة والموت.
تصفيق للمغتصِبين، لأنهم أثبتوا أن العنف الجنسي ليس مجرد اعتداء، بل هو جزء من بنية القمع الاستعماري: يستهدف الجسد لهزم الروح، ويستهدف الأسير لهزم الرمز والمجتمع، ويستهدف الكرامة لهزم الوطن، تحويل الالم الفردي إلى أداة هندسة اجتماعية تعيد صياغة علاقة المقهور بجسده وبمجتمعه،خلق فلسطيني منزوع من الداخل، يعيش حالة انذار مستمر كأن الخطر ما يزال يقترب.
تصفيق للمغتصِبين، ما اروع الاغتصاب، يقول الجنود للقضاة، التلاشي والضياع، هدمنا اعماق الاسير، جوعناه، عريناه، بترنا اصابعه، قيدناه حتى حزت القيود يديه وقدميه، ما اجمل أن تراه يتلوى، يتفسخ، يتغوط على نفسه، يزحف ويعوي، تغتصبه الكلاب، ما اروع المشهد، موسيقى ورقص ودماء.
تصفيق للمغتصِبين، للشاذين والساديين في دولة مريضة متوحشة ومتهيجة، تصفيق للذين استباحوا كل المعاني والقيم الأخلاقية والانسانية، تصفيق للقذارة والانحطاط والسفالة، تصفيق للمتعفنين والخمج الذين يتباهون ويستمتعون بجرائمهم علنا دون رادع أو محاسبة.
تصفيق للمغتصِبين، شعب اسرائيل حي، وكانت معركة حاسمة مع جسد الأسير ، هكذا يشرح الجنود لقضاة المحكمة: جسد الأسير يرتعش، يرتجف، نغتصبه بعصى احيانا، اوبقنينة، او بخرطوم مياه، نسمع أنفاسه المتقطعة، سخونته، عظامه المتكسرة، لقد اعدنا لبني اسرائيل الاسطورة، نحن بحاجة إلى كل هذا العنف حتى نستمر، وحتى نشفى من امراضنا الوجودية، نحن بحاجة إلى عرض للقوة، وإذلال الأسير جزء من الفرجة ومكون، للهوية لانها الحرب على الحرية، يجب استعراض السيادة على الجسد المقهور حتى نبقى على أرض توراتنا الموعودة،
تصفيق للمغتصِبين الذين حولوا الوطن إلى منطقة اجتياح متواصلة جسدا وجغرافيا وذاكرة، الاحتفاء بالجريمة، الصمت أمام اقتحام المجال الوجودي والرمزي للشعب الفلسطيني، طقوس الموت، والمداهمات والاغتصابات، طقوس المستوطنين في شوارعنا، طقوس الرصاص، طقوس غزة وهي تبحث عن جثتها تحت الانقاض، طقوس خطة السلام الأمريكية التي تمارس اغتصاب الوطنية الفلسطينية وتغسل ايادي القتلة.
هذا التصفيق يكشف ما حاولت القوة اخفاءه: نظام استعماري متكامل يرى الضعيف مجرد مادة للفعل والهيمنة، وان هناك مجتمعا يسمح بتطبيع الوحشية ويصفق لها، بل ويمنحها هوية وايديولوجية.
الأسير الفلسطيني الذي اغتصب، والذي لم يصفق له احد، هو الشاهد الحقيقي، جسده هو وثيقة الاتهام، صمته هو صراخ اخلاقي ابعد من أي خطاب سياسي، ووجوده ذاته يفشل التصفيق، لانه يذكر أن الإنسان لا يمحى، حتى حين يكون مكبلا ومنتهكا.
إن التصفيق الذي جرى في قاعة المحكمة ليس حدثا عابرا: أنه مرآة تصور انهيار منظومة كاملة أمام ابسط حقيقة في الوجود: كرامة الانسان، وربما يستطيع المصفقون أن يخنقوا صوت الضحية، لكنهم لن يغطوا سقوطهم الاخلاقي، والعدالة ليست في القاعات بل في الصمود والكتابة والمقاومة ضد هذه البشاعة المنظمة.
سيسجل التاريخ أن رجلا فلسطينيا اغتصب، وان قاعة المحكمة صفقت، وان العدالة انحنت، وان الجريمة صارت بطولة، مرحى لتل ابيب، مرحى للاكادميين والمفكرين في الجامعة العبرية، مرحى للباحثين والصحفيين والمجتمع المدني في اسرائيل، مبروك لكم لقد صرتم دولة مغتصبين، دولة العنف الجنسي المبدعة في إشباع غرائزها الحضارية والوجودية والدينية، صفقوا ثم صفقوا، في داخلكم وحش ينهشكم، وجروحنا الغائرة.



