أقلام وأراء

عيسى الشعيبي يكتب – سؤالان محذوفان من ورقة الانتخابات الفلسطينية

بقلم عيسى الشعيبي ١٦٠٣-٢٠٢١م

وسط فيضٍ من الأسئلة المحقّة والمغرضة، ظل صاحب هذه المقاربة المفعمة بالهواجس إزاء مآلات عمليةٍ انتخابيةٍ متفاعلةٍ ومفتوحة على شتى الاحتمالات، يحتفظ بسؤالين معلقين في المجال الفلسطيني العام، ومتواريين خلف الأكمة، وما أدراك ما الأكمة، الأول منهما تأخر كثيراً عن موعد طرحه في الوقت الملائم، وقد لا يُطرح في أي مرحلةٍ مقبلة، وثانيهما سؤالٌ محذوفٌ من النقاش ومن جدول الأعمال، تجنباً للإجابة على السؤال الأبدي “إذن، ما العمل؟”.
السؤال الأول إشكالي للغاية، وقديم قدم السلطة الفلسطينية، ولم يأخذ، طوال السنوات الطويلة الماضية، ما يستحقه من حوارات جادّة، سؤال: هل كانت الانتخابات التشريعية ضرورةً وطنيةً ملحّة، أم أنها كانت، وما تزال، متطلباً إجبارياً من متطلبات اتفاق أوسلو المنشئ لهذه السلطة، الواقعة في منزلةٍ أعلى من سلطة حكم ذاتي، وأخرى أدنى من دولة مستقلة؟
إذا كان هذا السؤال لا مكان له في أذهان من أقاموا السلطة الوطنية، راهنوا على تطوّرها وساروا في ركابها بلا تردّد، وهم مدركون كامل استحقاقات اتفاقية تعاقدية، كان قيام سلطة ذاتية منتخبة شرطاً أساسياً من شروط نشأتها، فإن القفز عن هذا الشرط، وتجاهل وجوده أصلاً، من جانب من دخلوا على لعبة الانتخابات، وهم على وعي تام بحدود سقفها السياسي، ومحدودية دورها الوظيفي، كان عليهم الإجابة على هذا السؤال الموجع، عما إذا كانت أي حركة تحرّر وطني قد أجرت مثل هذه الانتخابات تحت الاحتلال الأجنبي؟
قد يكون هذا الانفصام بين الأقوال والأفعال لدى من قاطعوا الانتخابات في المرّة الأولى، بذريعة أنها تجري تحت بنادق المحتلين، ثم انخرطوا في الثانية من دون تبريرات متماسكة، بما في ذلك الزعم إنها تتم خارج أرضية “أوسلو”، نقول إن هذا المنهج المستمد من سياسة الإنكار البائسة هو الذي أسقط من جدول الأعمال الوطني كل نقاش مسؤول حول مشروعية قيام حركة تحرّر، لم تبلغ غاياتها النهائية بعد، بالتنازل عن شرعيتها الثورية المستمدة من ميادين الكفاح وصندوق الرصاص، لانتخاب قادتها وأركان مؤسّساتها من خلال صندوق الانتخابات.
لذلك يصحّ القول إن السؤال عما إذا كانت الانتخابات في الحالة الفلسطينية جائزة بلا جدال، ومشروعة بالتمام والكمال، في غير محلّه، بل وخارج السياق العام، بعد أن توجهت الطبقة السياسية بكامل طيفها، ومن قبلها الفصائل على اختلاف أوزانها، إلى ملعب الانتخابات التشريعية، فيما يشبه التواطؤ المسبق على إبقاء حالة الانقسام الراهنة على حالها المعيبة، إن لم نقل إضفاء بعض المشروعية على سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة المحاصر من الخارج ومن الداخل، مقابل تجديد شرعية مؤسسات السلطة المتمركزة في الضفة الغربية.
أما السؤال الثاني، الذي يتردّد بصوت خفيض على ألسنة مراقبين كثيرين ممتلئين بخيبات الأمل المتراكمة، هو هل ستجري الانتخابات في التوقيت المقرّر بعد نحو شهرين، أم أن المفاجأة غير المستبعدة قد تحدُث في اللحظة الأخيرة، سواء بصريح العبارة أو بالمداورة، وربما على يدي حركة فتح التي وجدت نفسها تحت خطر الانقسام الداخلي، بفعل المنافسات والمناكفات الشخصية، وربما أيضاً على يدي حركة حماس، الحريصة على ألا تزعزع نتيجة الانتخابات قبضتها الحديدية على قطاع غزة، حيث آخر رقعة على الأرض باقية في قبضة الإسلام الأصولي.
غبر أن أكثر الأسباب ترجيحاً لوأد هذه العملية في مهدها، أو تأجيلها إلى أجل غير معلوم، قد يأتي من إسرائيل التي تؤخر إعطاء جوابٍ على طلب السلطة إجراء الانتخابات في القدس، ثمّ منع المقدسيين من المشاركة في هذا الاستحقاق الذي لا يمكن بدون حصوله (بحسب ما تعهدت به كل القوى والفصائل) عقد انتخابات عامة، من شأنها، والحالة هذه، المصادقة على الزعم الصهيوني إن المدينة المقدسة خارج كل تفاوض محتمل. وأحسب أن في مثل هذا الاحتمال بشكل حجّة كافية للتطهّر من كل ذنب، ودرء كل حرج، غير أن السؤال يظل قائما “ما العمل؟” طالما أن مصير لعبة الانتخابات رهنٌ بيد قوة احتلال غاشمة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى