أقلام وأراء

عوني صادق يكتب – الدولة الفلسطينية في «صفقة القرن»

عوني صادق – 13/2/2020

كذبة «أرض الميعاد»، التي استندت إليها الحركة الصهيونية في ادعاءاتها لسرقة أرض فلسطين، جعلت معادلة الصراع على هذه البقعة المقدسة من الأرض، بين الشعب الفلسطيني والحركة الصهيونية، منذ البداية، «معادلة صفرية». بمعنى أن فلسطين لن تقبل القسمة بعد ذلك، فإما أن تكون للشعب الفلسطيني كلها، وإما أن تكون كلها للشعب اليهودي. وتدليلاً على هذه الحقيقة، من السهل، بمراجعة سريعة للتاريخ، أن نجد أنه في كل المحطات التي خاضها الشعب الفلسطيني دفاعاً عن أرضه ورغم صعوبة الظروف التي أحاطت بتلك المحطات، لم يقبل التنازل عن شبر واحد منها، فجاءت كل انتفاضاته وثوراته رافضة لكل ما كان يمكن أن يمس «كامل التراب الوطني»، حدث ذلك قبل 1948 وحدث بعدها، ولذلك كان لا بد من المؤامرة الدولية التي نسجت خيوط «النكبة» الأولى.

بعد النكبة الأولى، ولعقود، لم يتغير موقف الشعب الفلسطيني من أرضه، حتى وقعت النكبة الثانية (اتفاق أوسلو – 1993)، نتيجة التآمر الدولي والعربي أيضاً، إضافة إلى تسرع واستعجال القيادة الفلسطينية للحصول على دولة، ما جعله ضحية سهلة للخداع في أحسن تقدير!

وبالنسبة للحركة الصهيونية، ومن خلال المراجعة السريعة نفسها، يمكن التأكد أن زعيماً صهيونياً واحداً لم يفكر في قبول دولة فلسطينية في أي ظرف، بدءاً من بن غوريون وانتهاء ببنيامين نتنياهو، مروراً برابين وبيريز، وشامير وشارون! ولأنهم جميعاً لم يخطر ببالهم الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، انتهت كل المحاولات التي قيل إنها استهدفت «حل الصراع وإحلال السلام» إلى الفشل، مع أن قيادة الشعب الفلسطيني قدمت من التنازلات في هذا السبيل وعلى مدى عمر الصراع، ما لم يكن يفترض أن تقدمه، حتى القرار الأممي رقم 181 الذي قامت «دولة إسرائيل» بموجبه، اعترفت بما يخصها منه ولم تعترف بالدولة الفلسطينية التي أعطاها القرار للفلسطينيين، رغم إجحافه. أما (اتفاق أوسلو) الذي تحدث عن قيام دولة فلسطينية بعد ثلاث سنوات من توقيعه، فقد تجاهلته القيادة «الإسرائيلية» ما أدى في النهاية إلى اندلاع الانتفاضة الثانية (أيلول/سبتمبر 2002).

وعندما تقدمت الولايات المتحدة بما أسمته (عملية السلام في الشرق الأوسط) بعد حرب أكتوبر 1973، تحدثت عن «تحسين حياة الفلسطينيين»، لكنها تحدثت أيضاً عن «دولة فلسطينية مستقلة على حدود حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية»، وقالت عنها «قابلة للحياة». وبعد سنين جاء الرئيس الأمريكي الخامس والأربعين، دونالد ترامب، وقال إنه سيفعل ما لم يفعله الأوائل، وسيقدم «صفقة» ترضي جميع الأطراف! لقد تحدثت «صفقته» عن «دولة فلسطينية»، ولكن أي دولة؟! بالنسبة للمساحة، جاءت الدولة العتيدة نصف «دولة أوسلو»، أي بمساحة 11% من مساحة فلسطين! لكن ترامب أرفقها بشروط تعجيزية يعرف أنه لا يوجد فلسطيني واحد يستطيع القبول بها، فضلاً عن أن هذه الدولة ستكون لعبة في يد «إسرائيل» ولن تكون «قابلة للحياة»! هكذا تجاهل ترامب إرثه من أسلافه الذين شددوا على أن تكون دولة «قابلة للحياة»، فلم يقترب من هذه العبارة ولا مرة واحدة. إنها دولة «منزوعة السلاح»، فكيف يمكن أن تكون «ذات سيادة»؟! دولة لا سلطة لها على برها أو جوها أو بحرها، إنها سلطة بلا سلطة، سلطة لم تصل إلى «الحكم الذاتي المحدود»! إنها دولة ليس لها من الدولة إلا الاسم !!

يذكرنا ترامب بسيئ الذكر بلفور، مع بعض التعديلات، أليس كذلك؟ فكلاهما أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق!

وبينما كان الأول يعرف أنه يضع نقطة البداية في المشروع الاستعماري، أراد الثاني أن يضع نقطة النهاية في اكتمال المشروع!

لكن الفشل سيكون نصيب الاثنين. لقد فشل الأول بدليل أن قرناً كاملاً لم يكن كافياً لإنجاح «المشروع» بشكل نهائي، بل ما زال أمام المفترق! وسيفشل الثاني لأن الظروف تغيرت، وسينتصر الشعب الفلسطيني هذه المرة، رغم قتامة المشهد في اللحظة الراهنة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى