أقلام وأراء

عن أزمة كورونا وتداعياتها

أنطـوان شلحـت *- 5/4/2021

هل يوجد وجه للمقارنة بين أزمة وباء كورونا وحرب تشرين الأول/أكتوبر 1973؟ في إسرائيل ثمة من يعتقد أن هناك أكثر من وجه للمقارنة، وليس أبسطها أن الوباء داهمها على حين غرة كما كانت الحال إلى حدّ ما بالنسبة إلى الحرب المذكورة من حيث كونها، من الناحية الأولى، لم تكن متوقعة استخباراتياً، كما يزعم البعض خلافاً لبعض آخر يدعّي العكس، ومن الناحية الأخرى، من زاوية وقائع خوضها ناهيك عن الاستعداد لها، والتي كادت أن تفضي إلى إلحاق هزيمة بدولة الاحتلال تمحو أثر هزيمة ألحقتها بدول عربية قبل ذلك بستة أعوام في حرب خاطفة دامت ستة أيام، وعندما استراحت في اليوم السابع ألفت نفسها رابضة على مزيد من أراضي فلسطين، وعلى أراض مصرية وسورية.

وإذ نقول إن المفاجأة ليست أبسط ما انطوى عليه الوباء لدى مقارنته بحرب 1973 مع ضرورة التنويه بأن هناك من نفى ذلك جملة وتفصيلاً، فإننا نقصد بالأساس أن هناك ما هو أبعد دلالة منها، بما قد يرسم ما يشبه البورتريه للواقع القائم في إسرائيل في الوقت الحالي. فالذين يعتقدون أن إسرائيل كسبت الحرب في نهاية المطاف، يؤكدون في الوقت عينه أنها أصيبت بخسائر جسيمة، بينما تسبب الفشل

الاستخباراتي المريع بصدمة هائلة للجمهور العريض. ومثلما كتب بعض هؤلاء، فإنه على غرار بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى قد تكون إسرائيل خرجت من الحرب منتصرة، لكنها خسرت إحساسها بالمنعة، وتآكل يقينها بأن “جيشها لا يقهر”، وظهرت على السطح أزمة ثقة عميقة بالقيادة السياسية.

ولدى الانتقال إلى وقائع خوض “حرب كورونا”، إذا ما جاز التعبير، فإن ما بالإمكان أن نستنتجه بادئ ذي بدء يتمثل بعدم الاستعداد المطلوب حتى بعد التحرّر من عنصر المفاجأة. وتؤكد تحليلات كثيرة أن هناك أيضاً مساهمة إسرائيلية خاصة في التداعيات المترتبة على الأزمة وهي غير مرتبطة بالوباء. ووفقاً لهذه التحليلات، تعيش الدولة منذ سنتين في عدم استقرار سياسي شديد التطرف، وليست لديها حكومات مستقرة بل حكومات انتقالية، كما أنه ليس واضحاً ما إذا كانت الانتخابات الرابعة (جرت في آذار 2021) هي نهاية المطاف. وعدم الاستقرار السياسي يُترجم أيضاً في المشكلة المتمثلة بعدم إقرار الميزانية العامة. وهذه، برأي البعض، أخطر المشاكل لأن الحكومة غير قادرة فعلياً على العمل. وكل شيء يعيش في انعدام استقرار كبير وجدي، ومن الناحية الاقتصادية، مثلاً، إذا كان ثمة عدو للاستثمار فإن عدم الاستقرار هو عدوه اللدود. وثمة من يؤكد أنه من ناحية عملية يتم أخذ وضع اقتصادي قاس ومعقد مسبق ويجري المزيد من المساس به.

وبموجب تحليلات أخرى من الهراء التحدث عن خطة خروج من الأزمة، فمن سيقوم بذلك وليست هناك حكومة مستقرة؟ وحين ينعدم الاستقرار السياسي لا جدوى من أي حديث عن خطة خروج من الأزمة.

لا شك في أن هذه الشهادات تحمل الكثير من الدلالات عندما تتقاطع مع المرحلة التي تعيش إسرائيل في خضمها في الوقت الحالي.

غير أن ذلك لا ينفي، بحال من الأحوال، أن ثمة عوامل بنيوية في الواقع الإسرائيلي نفسه تجعل من تداعيات أزمة الوباء أبعد مدى مما برز حتى الآن، وإن حتى بشكل ظاهر للعيان.

وهذا ما يُستشف من عدة تقارير ركزنا على بعضها في هذا العدد من “المشهد الإسرائيلي”. وقبل أن نشير إلى جوهر فحواها، ننوّه بأننا سنكون يوم الأربعاء القريب (7 نيسان 2021) على موعد مع إطلاق التقرير الاستراتيجي السنوي لمركز مدار للعام 2021 حول المشهد الإسرائيلي في العام 2020. وقد أشير فيه، من ضمن أمور أخرى، إلى أن إسرائيل في مستهل العام 2021 تبدو دولة قوية ذات قدرات عسكرية وسياسية وتكنولوجية على الرغم من أزمة وباء كورونا غير أنها في الوقت عينه مجتمع متشرذم يعاني أزمة داخلية أظهرتها أزمة الوباء وزادتها تفاقماً.

ويشير فصل المشهد الاجتماعي على نحو خاص إلى أن ظواهر الفقر، واتساع الفجوات الاجتماعية- الاقتصادية، والبطالة، تأثرت بصورة عميقة من وباء كورونا، لكنها ستلازم المجتمع في إسرائيل سنوات طويلة بعد الوباء. ويخلص إلى الاستنتاج بأن أزمة كورونا ليست بمثابة حدث عابر بل هي أزمة حقيقية ذات تبعات صحية واقتصادية كارثية سوف تدوم طويلاً.

وتطالعون في هذا العدد تقريرين آخرين بهذا الشأن صدرا مؤخراً.

التقرير الأول بعنوان “صورة الوضع الاجتماعي للعام 2021: كورونا وجائحة اللامساواة في إسرائيل” لـ”مركز أدفا ـ معلومات حول المساواة والعدالة الاجتماعية في إسرائيل”، وهو يؤكد أن إسرائيل يمكن أن تجتاز أزمة وباء كورونا لكنها ستبقى عالقة مع جائحة عدم المساواة، كونها سابقة للوباء ومتجذرة في الواقع الإسرائيلي القائم.

والتقرير الثاني صادر عن “بنك إسرائيل المركزي” وورد فيه التأكيد أن المجتمع العربي في إسرائيل على نحو خاص كان الأكثر تعرّضاً للأضرار الناجمة عن تفشي وباء كورونا والأزمة التي رافقته. والسبب الذي يشدّد عليه التقرير هو خصائص سابقة لهذا المجتمع، اقتصاديّاً، وهي التي جعلته أقل قدرة على مواجهة الظرف الطارئ. وفعلياً يقول البنك إن التمييز المسبق المتجسّد في الفجوة بين العرب واليهود هو السبب، وهو يحيل إلى مقارنة بين المجتمعين، العربي واليهودي، في القدرة والمناعة الاقتصاديتين السابقتين للأزمة. وقد استهل التقرير بالقول إن المجتمع العربي كان في وضع اقتصادي هشّ حتى قبل انفجار الأزمة، بسبب انخفاض دخل العديد من الأسر مقارنة بالأسر اليهودية. ويشير إلى أن الأسر العربية على نحو عام هي أسر ضعيفة اقتصادياً للغاية بالنسبة إلى الأسر اليهودية، وبالتالي فقد عانت من أضرار جسيمة تفوق غيرها خلال فترة أزمة كورونا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى