أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب هنية يجهل قواعد الدبلوماسية

حلمي الغول – 27/5/2021

تجسدت الوحدة الفلسطينية بأجلى صورها في هبة أيار/مايو (الحالي) المقدسية، وعكست إرادة وطنية واحدة في فلسطين التاريخية، وفي الشتات وتجمعات الشعب المختلفة. وتمكن الشعب الفلسطيني من تجاوز المنغصات الصادرة عن أنصار التوتير، والطائشين على شبر ماء، وهتيفة “الانتصارات الربانية”، والمحرضين على الشرعية ورمزها الرئيس أبو مازن، والمتسلقين على أكتاف التفرقة والانقسام.

كان الشعب وقواه ونخبه وقطاعاته المختلفة أكبر من الصغائر، وتعالى على الجراح والهفوات، وركز هدفه على خيار الوحدة، لأن الجميع أدرك أن الوحدة الوطنية مفتاح الانتصار، وأن كان هناك انتصار في هبة رمضان المقدسية، فهو تجسد في الوحدة الميدانية، وفي الصمود ومواصلة البقاء والتحدي لإرادة المستعمرين الصهاينة الغزاة، وهذه العوامل شكلت رافعة لكفاح الشعب، وكشفت عورات ونواقص وثغرات الاحتلال الاسرائيلي، رغم ضخامة الجراح والضحايا والتدمير، التي أصابت أبناء الشعب في المحافظات والمدن والقرى والتجمعات كافة، خاصة في محافظات الجنوب، والتي بدأت تتكشف للجماهير في اليوم التالي للحرب.

في هذا الخضم خرج إسماعيل هنية يوم الاثنين الماضي، في لقاء مع تلفزيون “خبر ترك” ليعلن عن نيته “عقد اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين تركيا وفلسطين”، معتبرا ذلك أمرا ممكنا، وأضاف أن “هذه الحدود المشتركة بالطبع ستحمل مصالح لكلا الطرفين”. ولفت إلى أنه “من الأنسب فتح المجال للنقاش حول هذا الموضوع بمشاركة دول المنطقة”.

من يدقق في تصريح رئيس حركة حماس، يلحظ أن الرجل جانب الصواب، وأظهر جهلا واضحا في قواعد العمل الدبلوماسي، وتناسى كليا أن العلاقات بين الدول وبين القوى والأحزاب والحركات السياسية، حتى لو كانت خلفية العلاقات الآيديولوجية والعقائدية واحدة، لأن هناك فرقا بين معايير العلاقات بين المؤسسات الرسمية والحركات السياسية، ولا يمكن أن توضع في سلة واحدة، ولا يمكن الاعتراف بها، أو التعامل معها حتى لوشاء الطرفان (دولة وحركة سياسية)، كون دول الإقليم والمجتمع الدولي ترفض هذا المنطق، ولا تقبل به، ولا تتعامل معه، وتعتبره خروجا عن المواثيق والأعراف والقوانين الدولية.

وأجزم فيما يتعلق بالعلاقات الفلسطينية التركية، أن نظام الرئيس اردوغان لا يمكن أن يقع في هكذا خطيئة، ولا يقبل الحديث في الأمر، أي أمر الحدود البحرية دون العودة للمرجعية الوطنية الرسمية، أي القيادة الشرعية وسلطتها الوطنية، وممثلها الشرعي والوحيد منظمة التحرير. قد يجاري الرئيس التركي حليفه من جماعة الإخوان المسلمين ويتحدث بالأمر من باب المجاملة، لكنه لا يقبل على نفسه، ولا يمكن أن يورط ذاته بتجاوز قواعد العملية الدبلوماسية خاصة مع فلسطين. وبالتالي على رئيس حركة حماس أن يتريث قليلا، وألا يتعجل توريث نفسه وحركته ملكية محافظات القطاع، وترسيم إعلان الإمارة على حساب الوحدة، التي يتغنى بها في تصريحاته وخطبه المتكررة منذ دخلت حركته مع باقي أذرع الفصائل العسكرية معمعان المواجهة العسكرية غير المتكافئة في الحادي عشر من أيار الحالي.

وعليه مطلوب أن يبقى الضوء مسلطا على ترميم الجسور، وتصليب عوامل ومحددات الوحدة الوطنية، إن كان معنيا بتعزيز عوامل القوة والتحدي لمخططات ومشاريع العدو الإسرائيلي. لكن على ما يبدو، أن رئيس حركة حماس أسوة بالعديد من أبناء حركته الإخوانية، أخذته النشوة بـ “النصر الرباني”، وافترض أنه بات “رئيسا لإمارة غزة”، وما عليه سوى أن “يكرس شرعيتها وشرعيته بالقذائف الصاروخية”. غير أن هذا المنطق لا يستقيم مع الدعوة للوحدة، ولا يستجيب لنبض الشارع الفلسطيني، فقط ينسجم مع غلاة التوتير والقسمة والتخوين والتكفير، وأعتقد على الأقل تكتيكيا الآن أن هنية لا يريد ذلك، وقد يكون خانه التعبير عن نفسه، وأخطأ في الحديث عن الموضوع من أصله، أو أن مقدم البرنامج السياسي ورطه فيما لا يريد أن يتحدث به. الأمر الذي يفرض على هنية مراجعة ذاته والاعتذار عما بدر منه، وتصويب لغته السياسية والدبلوماسية. وليعمل الجميع دون تردد لترسيخ وتعميق الوحدة الوطنية، أهم عوامل النصر الفلسطيني في الهبة المجيدة، ولنقفز عن الهنات والثغرات المقصودة والعفوية لنرسم طريق الحرية والنصر، دون أن ننساها، حتى لا تمر مرور الكرام، ويعتقد من تفوه بها، انه أستغفل الشعب ونخبه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى