أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – مؤشرات الحرب الأهلية

عمر حلمي الغول  – 11/10/2020

عمليات تفكيك وهدم المجتمعات والدول عموما الصغيرة والكبيرة على حد سواء تحدث غالبا بالتدريج مع سيرورة دائرة الصراع والتناقضات بين الفئات والشرائح والطبقات الاجتماعية، او بين الجماعات والفرق الدينية والطائفية والمذهبية، او المجموعات الأثنية أو القوى والحركات السياسية المتنافسة، او قد تكون نتاج انقلاب عسكري مفاجئ ينجم عنه صراع بين الموالاة والمعارضة مما يؤدي لتمزيق وحدة الأرض والنسيج الاجتماعي والثقافي  وفقا لخاصيات وسمات كل مجتمع، التي تسبغ اشكال الصراع بملامحها.

الولايات المتحدة الأميركية، إمبراطورية العصر الحديث بلغت مرحلة الشيخوخة والعجز، وأخذت تتراجع مكانتها في الداخل والخارج، رغم كل مظاهر القوة البائنة والمتجلية في الواقع، التي تظهر عكس ما تبطن من عوامل التهتك النسيجي على المستويات المختلفة، كونها تعيش أزمات بنيوية متعددة اجتماعية وطبقية وإثنية ودينية وثقافية وعنصرية، وتجلت في ولاية الرئيس ترامب بأسوأ واعقد واعمق من اي مرحلة سابقة، لانها ولجت لحظة تاريخية غامضة وملتبسة تشوبها الكثير من السيناريوهات يقف في طليعتها انفجار الحرب الأهلية. التي لا تعتبر فرضية رغبوية أو إرادوية، وانما إدراك وإحساس الشارع والنخب السياسية من الحزبين وغيرهما، إضافة إلى ان أجهزة الأمن باتت تضعها كاولوية في حساباتها.

ولم يعد يقتصر التقدير على الداخل الأميركي، انما بدت دول الجوار مثل كندا تضع في قراءتها للواقع الأميركي هذه الفرضية، وهذا ما صرح به رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو يوم الخميس الماضي (8/10/2020) في مؤتمر صحفي، عندما اشار إلى ان حكومته تخشى حدوث “بعض الاضطرابات” في الولايات المتحدة في حال تحقيق نتيجة متقاربة بين المرشحين في الانتخابات الرئاسية القادمة، (3/11/2020) مؤكدا ان بلاده مستعدة لجميع السيناريوهات المحتملة.

وقد يكون الانفجار سابقا على الانتخابات ليقطع الطريق امام إجرائها. ولعل ما كشفت عنه الـ(اف بي أي) ايضا يوم الخميس الماضي من اعتقال 13 متهما بالعمل على ارتكاب جريمتين خطيرتين، تهددان الأمن القومي الأميركي من الداخل، الأولى تتمثل في اختطاف حاكمة ولاية ميتشغن الديمقراطية، غريتشن ويتمر، والمعارضة بقوة للرئيس الجمهوري المتطرف، وهو ما افاد عنه محضر الاتهام الموجه لستة منهم؛ والثانية كما ذكرت وزيرة العدل في نفس الولاية، دانا نيسيل، ان سبعة رجال آخرين ينتمون إلى المجموعة اليمينية المتطرفة ذاتها وتدعى “وولفيرين ووتشمين “أوقفوا بتهمة التخطيط لعملية اقتحام الكابيتول (مبنى الكونغرس) وخطف مسؤولين في الحكومة بمن فيهم حاكمة الولاية”. وكلا العمليتين تتبع لذات المجموعة الصغيرة المتطرفة، وتهدف لإشعال نيران الحرب الأهلية. وكان الاعتقال تم مع بداية العام الحالي، ولكن نتائج التحقيق نشرت قبل يومين.

وعقبت الحاكمة ويتمر على الجريمة، التي كانت تستهدفها، باتهام الرئيس ترامب بـ”إضفاء الشرعية” على أعمال “إرهابيي الداخل”، خصوصا عبر رفضه إدانة أنصار تفوق البيض قبل عشرة ايام خلال المناظرة مع منافسه الديمقراطي بايدن. ولتأكيد نزعاته العداونية لم يعبر الرئيس الجمهوري عن تعاطفه مع ويتمر نهائيا، رغم انه عاتبها، عندما غرد على توتير وكتب “بدلا من ان تشكرني” على عمل مكتب التحقيقات الفيدرالي “تصفني بأنني من مؤيدي تفوق البيض”. ولنلاحظ انه بات يتلون، ويكذب كما يتنفس، مدعيا انه للكل الأميركي، وهذا غير صحيح، لأن هذا الخطاب جديد، ولا يمت بصلة لترامب العنصري. واضاف لتحسين صورته بالادعاء، أنه لن يتسامح “مع اي عنف كبير (وإذا كان العنف صغيرا، كما قتل جورج فلويد سيكون مقبولا، هل ستتسامح معه؟)، والدفاع عن كل الأميركيين، وحتى الذين يعارضونني، أو يهاجمونني”.

بغض النظر عن اكاذيب الرئيس ترامب، التي يعرفها الجمهور الأميركي جيدا، فإن المشهد الأميركي دخل مرحلة غاية في الصعوبة، ومفتوحة على كل الاحتمالات. لان عصابات المتطرفين البيض لن تتوقف عند حدود ما تم، ولن تسلم بما حصل مع ال13 متهما، بل ستتابع هي وغيرها من العصابات الاستعداد لتنفيذ عمليات أخرى، لإشعال الحرب الأهلية، التي هو خيار ترامب ومن لف لفه، وما فتح موضوع الرسائل الالكترونية ضد منافسته السابقة هيلاري كلينتون إلآ فتيل آخر لتسعير التناقضات بين الحزبين وفي اوساط الشعب. المؤكد أن تاجر العقارات الفاسد يقف خلف كل العصابات العنصرية ويغذيها بتفوهاته الاستفزازية والمتغطرسة، وبايحاءاته وعبر أدواته. أميركا ماضية للمجهول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى