أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – لنكسر خيار الفرنسية

عمر حلمي الغول – 5/6/2021

لا أضيف جديدا للقارئ، عندما أؤكد ان حرية الرأي والتعبير حق إنساني كفلته الطبيعة والمجتمع وقوانين حقوق الإنسان الأممية عموما وفي حقل الصحافة والإعلام خصوصا، ولا يمكن للإعلام، أن يكون إعلاما حرا ونزيها وجديرا بالمهنة ومكانتها الريادية كسلطة رابعة إن لم يكن يمتلك حرية الرأي والتعبير. لأن اي إعلام آخر لا يرتقي لمستوى المسؤولية، ويتخلى عن الشفافية والمحاكاة الموضوعية للاحداث والتطورات في بلده أو اي مكان من العالم، يكون إعلاما مسلوب الإرادة والقرار واسيرا لأجندات مختلفة دينية وطائفية وحزبية وأمنية بوليسية ورشوة اباطرة المال او من في مقامهم.

لكن قوى وأنظمة ومؤسسات ومجموعات بشرية استبدادية من خلفيات ومشارب متعددة حالت دون التطبيق الخلاق للمبدأ المذكور، ودفعت شعوب الأرض ثمنا باهظا بسبب الاضطهاد وتكميم الأفواه والاغتيال لكل صاحب رأي: إنسان او حزب او منظمة او طائفة دينية نتيجة تغول اتجاه دكتاتوري هدام وتخريبي او كولونيالي في هذا البلد او ذاك. مع ذلك ما زالت البشرية وقواها الحية تكافح لتعميم وتعميق حرية الرأي والتعبير والانتصار لقضايا العدالة الاجتماعية والسياسية ورفاهية المجتمعات عبر المواجهة المحتدمة مع كل قوى الظلام والتكميم والتخريب والاستعمار.
في الساحة الفلسطينية يواجه الاعلام اكثر من تحدٍ على المستوى الوطني بالصراع مع العدو الصهيوني، وعلى المستوى الداخلي من خلال تسلط القوى الانقلابية وقوى التكفير والتحريم والتخوين واللاديمقراطية على حرية الرأي والتعبير، واستزلام وإخضاع العديد من المنابر في خدمة اجندات متلونة ومتشعبة، وعلى المستوى الدولي المتمثل بانحياز مؤسسات ومنابر إعلامية منحازة لدولة التطهير العرقي الصهيونية، ولا تتوانى عن لي عنق الحقيقة، وإنكار الرواية السياسية الفلسطينية، وفرض التعتيم عليها، والتغطية في آن على جرائم دولة الأبارتهايد الإسرائيلية. ومازال الشعب الفلسطيني يعمل من خلال إعلامييه ومؤسساته ونقاباته ذات الصلة بالإعلام والصحافة ويواصل الدفاع عن حرية الكلمة ووصول المعلومة بشفافية لكل الجماهير بعيدا عن القيود والانغلاق والتزمت، وحماية مكانة الإعلامي وسلامته، وصيانة دوره الريادي، ودفاعا عن فرسان السلطة الرابعة وحياتهم في مواجهة آلة حرب جيش الموت الإسرائيلي وقطعان مستعمريه، وقوانينه وانتهاكاته وغطرسته وعنصريته، وملاحقة جرائم حربه
ضد ابناء الشعب ومصالحهم الوطنية الخاصة والعامة. وفي الوقت ذاته، التماهي مع روح العصر والقوانين والمواثيق الدولية ذات الصلة الناظمة لعمل الاتحادات والنقابات الإقليمية والدولية للارتقاء بحقوق ومصالح اعضاء الصحفيين والاعلاميين عموما. وهذا ما سعى الإعلامي المتميز ناصر ابو بكر لتعميقه وترسيخه من خلال قيادته نقابة الصحفيين، وعبر دوره القيادي في المؤسسات الإعلامية والصحفية العربية والدولية. ودائما كان متقدما الصفوف في الدفاع عن حرية الكلمة، ورفض الاعتقال السياسي، وملاحقة انتهاكات وجرائم العدو الإسرائيلي، التي لم تتوقف لحظة ضد الصحفيين الفلسطينيين، وعلى سبيل المثال لا الحصر خلال شهر ايار/ مايو الماضي ارتكب 100 انتهاك فاضح، من بينها قتل الشهيد الصحفي يوسف ابو حسين أثناء حربه المسعورة طيلة احد عشر يوما على القطاع الحبيب، لانه احد رسل الصحافة المدافعين عن حرية شعبهم.  

وإثر ذلك يوم الإثنين الماضي الموافق 31 /5/2021 ارتكب مكتب وكالة الأنباء الفرنسية في فلسطين خطأً فادحا عندما قام بطرد نقيب الصحفيين الفلسطينيين، ناصر ابو بكر من عمله دون مسوغ قانوني، او لارتكابه عملا مخلا بمهنة الصحافة، مع ان النقيب ناصر نائب رئيس اتحاد الصحفيين الدوليين، وكذلك نائب رئيس اتحاد الصحفيين العرب، وله عشرون عاما في موقعه المهني في الفرنسية، وتم فصله تعسفا في الوقت الذي يحرض عليه الاحتلال الاسرائيلي لأنه وقف في مقدمة الصفوف مدافعا عن الشهيد ابو حسين، وكونه تصدى لكل الانتهاكات، وكان وراء ملاحقة اتحاد الصحفيين الإسرائيليين في المنابر الدولية، في الوقت الذي كان على الوكالة ان تساند كفاح الصحفيين الفلسطينيين، وترفض وتدين انتهاكات الدولة الإسرائيلية المارقة والمعادية للسلام.

ان فصل الإعلامي ابو بكر من موقعه في الفرنسية يعتبر سابقة غير ايجابية، وتعديا فاضحا على حرية الرأي والتعبير، وانتهاكا بشعا وغير مسؤول لحرية العمل النقابي، وتجريدا لناصر من دوره ومكانته الوطنية، ودفاعه عن شعبه ومن انتخبه في النقابة، الأمر الذي يفرض على نقابة الصحفيين عدم الاكتفاء بالإجراءات الأولية، التي اتخذتها ضد مكتب وكالة الأنباء الفرنسية ومديرها في فلسطين، وانما العمل على الآتي: اولا- التوجه للنقابات والاتحادات العربية والإقليمية والدولية لملاحقة الوكالة الفرنسية لمطالبتها باعادة ابو بكر فورا لعمله؛ ثانيا- إدانة عملية فصل الوكالة لنقيب الصحافة الفلسطينية من عمله دون مبرر قانوني او مهني، رغم ادعائها عكس ذلك؛ ثالثا- تحميلها التبعات المالية والقانونية عن فصلها ضده؛ رابعا- التوجه للحكومة الفرنسية والمؤسسات الإعلامية الفرنسية للضغط على الوكالة للكف عن التساوق والتواطؤ مع سياسات اسرائيل الكولونيالية، والتعامل بروح الحيادية والمسؤولية على الأقل فيما يتعلق بالمكونات الإعلامية الفلسطينية الإسرائيلية، إن كانت لا تريد الانحياز لقضية فلسطين العادلة، وتفهم مشاعر ومسؤوليات الصحفيين الفلسطينيين العاملين في صفوفها؛ خامسا- على المؤسسات الإعلامية الفلسطينية الرسمية والأهلية التعامل بندية مع وكالة الأنباء الفرنسية لحين عودتها لجادة القانون والعدالة النسبية وحتى تستجيب لمطالب الصحفيين الفلسطينيين الداعية بعودة ناصر إلى موقعه وعمله دون اية شروط سياسية او إعلامية كي يقوم بدوره المهني على اكمل وجه.

كان املنا كبيرا في وكالة الأنباء الفرنسية بان تكون الى جانب الحقوق والمصالح الفلسطينية المنتهكة والمستلبة من قبل الدولة الإسرائيلية التي تعمل ليل نهار على إدامة دورة الإرهاب والعنف والجريمة المنظمة. وسنبقى نراهن على عودة الوكالة الدولية عن خيارها التعسفي في فصل النقيب ناصر ابو بكر، وتعزبيز الشراكة الإعلامية الفلسطينية الفرنسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى