أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب –  لا تجزأوا مشروع الاستيطان

عمر حلمي الغول – 30/10/2021

من الضروري متابعة حركة البناء الاستيطاني الاستعماري في خطها البياني التصاعدي، والتصدي لها بكل الوسائل والسبل السياسية والقانونية والاقتصادية الاجتماعية والإعلامية والثقافية، بيد ان الضرورة تملي على القادة والنخب عموما واهل الاختصاص خصوصا عدم تجزأه المشروع الكولونيالي الصهيوني، او وضعه في دائرة مجهول الأهداف والغايات، وكأنه بحاجة إلى “الضرب في المندل” او قراءة متجددة لافكار وبرامج رواد وقادة الحركة الصهيونية وحكومات إسرائيل المتعاقبة. مثل هذا المنحى مع الاحترام لاصحابه يعاني من التشوش الفكري السياسي والمعرفي عموما. كون أصحابه اوقعوا انفسهم في أوهام ما تطرحه قيادات دولة المشروع الصهيوني المتعاقبة من أفكار تضليلية ووهمية حول إمكانية صناعة شكل ما مما يسمى “السلام”، فضلا عن تواطؤ دول الغرب الرأسمالي، صاحبة وراعية المشروع الصهيوني عبر نثر أوهام السلام وخيار حل الدولتين نموذجا. بيد ان الاوضح فيهم كان دونالد ترامب، الرئيس الأميركي السابق عبر طرحه صفقة القرن عمليا في 6 كانون اول / ديسمبر 2017، ورسميا في 28 كانون ثاني / يناير 2020. وبغض النظر عن التباين النسبي بين مكونات الغرب الرأسمالي في كيفية عكس مواقفها حول مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكنها جميعها مع استثناءات غاية في النانوية تنتهج سياسة الترويض والتضليل والكي للوعي الفلسطيني للتنازل التدريجي عن كامل حقوقه الوطنية في أي كيان سياسي مستقل، مهما كان حجمه.

وتتعاظم فرص الانكفاء الكلي عن خيار الدولتين مع إعادة تشكل الشرق الأوسط وفق منظومة جديدة بدأت رسميا مع اجتياح شارون لمحافظات الشمال 2002 ومحاصرة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وبعد الحرب على العراق الشقيق 2003، والتي نعيشها كل يوم مع اندفاع قطار التطبيع المجاني، وإدارة الظهر للمصالح والحقوق الفلسطينية، وبالمقابل الاعتراف الرسمي الكامل ب”حقيقة” الوجود الاسرائيلي، وقلب المعادلات الاستراتيجية السياسية في محددات الامن القومي العربي، والقبول المبدئي بإقامة “دولة إسرائيل الكاملة” على التراب الوطني وعلى مساحة ال 27009 كيلومتر مربع. وبالتالي محاولة بعض الباحثين الإيحاء للمراقب وللمواطن بأن ملامح المشروع الصهيوني غامضة، او مازالت غير متبلورة، هو شكل من اشكال الجهل، او التجهيل، او عدم التعمق العلمي بماكنزمات المشروع الصهيوني.

وشواهد التاريخ المعاصر من بداية وضع اول لبنة للمشروع الصهيوني على الأرض الفلسطينية العربية نهاية القرن التاسع عشر (1878) وحتى الان، تشير بشكل عميق جدا، ان المنهجية الناظمة لصعود وترسخ المشروع الاستعماري تعتمد على مبدأ “الخطوة خطوة” والدحرجة التدريجية، واعتماد التقدم والتراجع وفق شروط اللحظة السياسية في كل محطة من محطات صعود المشروع إلى غاياته وأهدافه الاستعمارية.

ما تقدم يساهم في قراءة الخطوة الجديدة لحكومة التغيير الصهيونية بزعامة بينت الاستيطانية، وإعلان ما يسمى المجلس الأعلى للتخطيط والبناء في الإدارة الاستعمارية (المدنية) الأسبوع الماضي عن بناء 3144 وحدة استعمارية جديدة في القدس العاصمة خصوصا والضفة عموما، ويؤكد ان تم الإعلان عنه ليس مفاجئا، ولم يحدث بالصدفة، لإن مكونات حكومة الصهيوني المتدين الأساس تؤمن وتعمل على الترجمة الفعلية للمشروع الصهيوني على ارض فلسطين، وهي خطوة جديدة على طريق استكمال توسيع وتعميق المشروع الاستعماري.

وإعلان دول الغرب الرأسمالي كلها عن احتجاجهاعلى ما أعلنت عنه الحكومة الاسرائيلية من بناء للوحدات الاستيطانية لا يعكس موقفا جديا، ولا يحمل في طياته مصداقية في ممارسة أي جهد للضغط على القيادة الإسرائيلية، وانما ترسل رسائل للقيادة الفلسطينية وبعض العرب والامميين انصار السلام لذر الرماد في العيون، ولتهدئة النفوس، والسماح لإسرائيل بتنفيذ واستكمال خطوات الضم التدريجية بشكل سلس، ودون ردود أفعال وطنية او قومية او اممية. وبالتالي مطلوب مواجهة حقيقية مع منظومة المشروع الصهيوني الاستعماري بشكل مختلف، ودون مراوحة في المكان، ورفع شعارات بلا رصيد وطني وقومي. مطلوب المباشرة باستعادة زمام المبادرة، والفعل على الأرض لاعادة المشروع الكولونيالي الصهيوني إلى مربعاته الأولى، وتعميق ازمته المتفاقمة أصلا، ودفعه دفعا إلى خيار السلام الممكن والمقبول وطنيا.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى