أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – سيادات الدول الهزلية

عمر حلمي الغول  – 14/9/2020

من حق الدول أن تدافع عن سياداتها الوطنية والقومية، وأن تحمي مصالحها وحقوقها وفق القوانين والمواثيق والمعاهدات والأعراف الدولية. والواجب يملي على كل دولة عدم التراخي أو التهاون أمام أي عدوان أجنبي على أجوائها وحدودها البرية أو مياهها الإقليمية، لأن التقاعس والتخاذل يسمح للأعداء والطامعين بهذا البلد أو ذاك لاستباحته، وانتهاك كل القوانين والمعاهدات البينية أو الإقليمية والأممية.

لذا تفرض الضرورة اللجوء لاستخدام كل الأسلحة السياسية والدبلوماسية والقانونية، وحتى إذا استدعت الضرورة يمكن اللجوء للقوة المسلحة في حال لم تجدِ الوسائل السلمية. وكل هذه الأشكال كفلها القانون الدولي للدول والشعوب في حماية حدودها الدولية، وصيانة مصالحها وحقوقها السياسية والاقتصادية وثرواتها البرية والمائية.

بيد أن علينا الاعتراف، أن سيادات الدول لم تعد هي ذاتها، التي تبلورت مع نشوء وتشكل الأسواق القومية في عصر النهضة في أوروبا نتيجة التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية  والأمنية في كل دولة على انفراد، وبين مجموع دول العالم، ونتاج ما أفرزته الحروب البينية والعالمية، وانتهاء مرحلة الاستعمار القديم، وصعود الاستعمار الجديد. ومن العوامل المؤثرة في محتوى وطبيعة السيادة، هي: أولا تأثير الدول المختلفة على بعضها البعض وفقا للمصالح البينية؛ ثانيا هيمنة ونفوذ الدول والأقطاب الاستعمارية على شعوب ودول مستعمراتها القديمة. لا سيما وأنها خرجت من الباب وعادت من الشباك، وبقي نفوذها وتأثيرها على القرار السيادي موجودا؛ ثالثا عدم تمكن غالبية دول العالم الثالث من تحقيق استقلال اقتصادي كامل، ما أبقاها أسيرة التبعية لدول المركز؛ رابعا كما أن العوامل الداخلية الناجمة عن التناقضات والتعارضات بين الموالاة والمعارضة، ودور منظمات وهيئات المجتمع المدني جميعا تؤثر سلبا أو إيجابيا في قوة وضعف سيادات الدول؛ خامسا وهناك نماذج من الدول سياداتها الشكلية مستباحة من قبل القواعد العسكرية للدول الرأسمالية، وبوجود مندوبين ساميين لدول المركز ممثلين بسفرائها ومستشاري الرؤساء وقادة الحكومات وقادة الأجهزة الأمنية، الذين ما أن تغيب رؤوسهم، حتى تطل أقدامهم لاستنزاف الدول التابعة؛ سادسا في الحالة العربية السيادة لها ملامح أوسع نسبيا، من حيث المبدأ ما ورد أعلاه ينطبق على الدول العربية، لكن هناك ميزة وسمة خاصة تسم الدول العربية وسياداتها، تتمثل في الصراع العربي الصهيوني، ونشوء دولة الاستعمار الإسرائيلية على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني بهدف الهيمنة على الكل العربي، وهذا ما أكده شعار الحركة الصهيونية “دولتك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات”، ووفق كتاب شمعون بيريز “الشرق الأوسط الجديد” الصادر عام 1994، فإن حدود إسرائيل باتت من المحيط إلى الخليج، وهو ما تجسده النظرية الإبراهيمية، التي تبلورت في العقود الثلاثة الأخيرة، ولعل إطلاق الرئيس ترامب “الصفة الإبراهيمية” على اتفاقات التطبيع المجانية بين الإمارات والبحرين الأخيرة مع دولة الاستعمار الإسرائيلية يعكس هذه الحقيقة.

وعليه في النموذج العربي الرسمي، تصبح السيادة لكل دولة على انفراد غير منفصلة بشكل ميكانيكي عن الصراعات القومية القائمة، وأولها، ومحورها، ومركزها الاستعمار الصهيو أميركي. وبالتالي الحديث عن الفصل التعسفي بين السيادة الوطنية والقومية مردود على الأنظمة السياسية القائمة، وأي خروج عن محددات السياسات العربية الناظمة للكل العربي ذات الصلة بالصراع العربي الصهيو أميركي يعرض السيادات للخطر، وليس العكس. وبالتالي تصريحات الإمارات والبحرين ومن سيحذو حذوهم بالتطبيع المجاني الخياني في المستقبل المنظور عن القرارات السيادية، هي مهزلة، وسقوط وطني وقومي، لأنه لا يمكن أن تكون لأي دولة عربية سيادة بالصلح والاعتراف المجاني مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، كون هذه الدولة أقيمت كأداة وظيفية تنفيذية لنهب واستغلال ثروات ومصالح وحقوق العرب جميعا، وليس الشعب الفلسطيني خصوصا. كما أن قلب معادلات الصراع السياسية في الإقليم تخدم أولا المشروع الصهيو أميركي، وتبدد مصالح وحقوق العرب عموما والدول المنخرطة في التطبيع المجاني خصوصا.

ولا أود الإثقال على الحكام، مع ذلك أريد تذكيرهم، كيف كان رد الفعل العربي الرسمي بعد زيارة الرئيس السادات لإسرائيل في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبرعام 1977؟ ألم ترفض كل الدول العربية تلك الزيارة، وعقدت قمة عربية، ونقلت مقر جامعة الدول العربية من مصر؟ ومع ذلك لم يتبجح الرئيس المصري آنذاك بموضوع السيادة المصرية الخالصة، ولم يقبل العرب ذلك، لأنهم لم يفصلوا بين السيادة الوطنية والسيادة القومية، لأن الفصل كان ومازال هدفا صهيو أميركيا. وهناك ضوابط ومرتكزات للسياسات العربية الرسمية مثبتة في مبادرة السلام العربية، وقرارات القمم العربية والإسلامية، وقرارات الشرعية الدولية. أضف لذلك ما الذي يجبر الإمارات والبحرين وغيرهما على التطبيع مع إسرائيل؟ هل هما جزء من دول الطوق؟ هل بينهما وبينها حرب مباشرة أملت عليهما التطورات عقد اتفاقية سلام؟ ولماذا تعريض الأمن الوطني والقومي للخطر بأبخس الأثمان؟ ما هي مصلحتكم الأمنية أو الاقتصادية أو السياسية؟ وهل التطبيع المجاني يخدم خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 أم العكس؟    

إذاً الحديث عن السيادات بشكل مجرد فيه الكثير من المبالغة والمغالاة، ولا يعكس الحقيقة على الأرض، ويتجاهل مجموع العوامل ذات الصلة. وما يجاهر به بعض الحكام المتورطين بالتطبيع ليس أكثر من مهزلة، واستخفاف واستهبال بعقول الحكام أنفسهم والمواطنين العرب، واستسلام معلن أمام الحكام الصهاينة الأكثر فجورا في التاريخ، وتساوق مع صفقة العار الترامبية، والترويج لها، والضغط على القيادة والشعب الفلسطيني للقبول بها. ولكنها لن تمر، وسيهزم المخطط الصهيو أميركي العربي المتواطئ على فلسطين وشعبها وقياداتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى