أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – سفراء يقاطعون السفارة الاميركية

عمر حلمي الغول – 15/7/2021

المواقف الأوروبية الأميركية ليست متطابقة، ولا تتسم بالتوافق دائما، لا انها احيانا تتباين في العديد من الملفات، وكانت في زمن إدارة ترامب متنافرة ومتناقضة غالبا. لكنها الان أقل حدة، واكثر انسجاما في زمن ولاية بايدن، ويمكن القول، انها عادت لعهد الإدارات الأميركية السابقة، وباتت أكثر دفئا وتناغما. بيد ان هناك تباينات في ملفات مختلفة نتاج مخلفات ترامب وفريقه الصهيوني والمتصهين.

ومن بين نقاط او ملفات الخلاف والتباين بين القطبين الأوروبي والأميركي، كان وما زال حتى اللحظة الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاستعمار الإسرائيلية، ونقل السفارة الأميركية من تل ابيب إلى للعاصمة الفلسطينية بقرار من الرئيس الأفنجليكاني المتصهين، دونالد ترامب. ونتاج هذا الخلاف، والرفض لنقل السفارة من قبل دول الاتحاد الأوروبي، لم يلبِ سفراؤها دعوة السفارة الأميركية للاحتفال بيوم استقلال الولايات المتحدة، وخاصة سفراء كل من ألمانيا وفرنسا وغيرهم، واعلنوا بشكل صريح لا لبس فيه، ان السبب يعود لعدم “اعتراف اوروبا بالقدس عاصمة لإسرائيل”، ما شكل إحراجا وارباكا للسفير الأميركي، حسب ما كشفت عنه صحيفة “يديعوت أحرونوت” في الـ13 من تموز/ يوليو الحالي (2021).

الموقف الاوروبي الجديد القديم له دلالات سياسية جلية وهامة، منها: اولا التمسك الأوروبي بخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967؛ ثانيا الثبات على موقفها الراسخ بشأن القدس الشرقية، باعتبارها جزءا من اراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران 1967؛ ثالثا رفض اية تغييرات ديمغرافية او لوجستية أو عمرانية أو دينية أو استيطانية أو عمليات تطهير عرقي فيها خاصة وفي اراضي دولة فلسطين المحتلة عامة؛ رابعا رفض نقل السفارة الأميركية أو غير الأميركية من تل ابيب إلى القدس العاصمة الفلسطينية، ورفض الإقرار بسياسة الأمر الواقع الأميركية الإسرائيلية فيها؛ خامسا رفض اية انتهاكات لخيار السلام وحل الدولتين حتى الآن، وبالتالي عدم القبول باية سياسات أو تجاوزات وانتهاكات تتعارض مع الناظم الأساس لعملية السلام، وقرارات الشرعية الدولية؛ سادسا محاصرة وتطويق السياسات الاستعمارية والعدوانية الإسرائيلية، واي انتهاكات من قبل أية دولة بما في ذلك وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية… إلخ .

وهذا الثبات الأوروبي يحسب له، ويعتبر مكسبا للسياسة الفلسطينية ولأنصار السلام، وهو موقف جدير بالاحترام والتقدير، ورفع القبعة له. لأنه غمز من قناة العديد من الأقطاب والدول، التي حاولت تبسيط الأمر، لدرجة ان بعضها سبق الولايات المتحدة في هذا المضمار، كما حصل بالاعتراف بدولة إسرائيل في الأمم المتحدة بعد نشوئها عام 1948. كما ان الموقف الأوروبي وجه ضربة في الصميم لدول التطبيع المجانية العربية، التي تسابق الزمن في التساوق مع المشروع الكولونيالي الصهيوني، والتخلي عمليا عن قضية العرب المركزية، وإدارة الظهر لقرارات القمم العربية، وجامعة الدول العربية ومجلس وزراء خارجيتها. وهو بذات الوقت رسالة للدول المتهالكة على التطبيع، او المطبعة من تحت الطاولة عربية واسلامية واجنبية.

لكن الموقف الأوروبي المتميز والهام، ما زال يعاني من النقص، ولم يتماثل مع قرارات ومرجعيات عملية السلام، كونها حتى الآن تراوح في ذات المكان، ولم ترتقِ لمستوى المسؤولية لجهة عدم اعترافها بدولة فلسطين، وما زالت تتعلثم، ولم تحسم امرها، وتخضع لابتزاز اللوبيات الصهيونية والمتصهينة في بلدانها. كما انها تعيش حتى الآن ازدواجية في معاييرها السياسية والقانونية، ونموذج ذلك، إعلان العديد من دول الاتحاد ومنها المانيا الاتحادية مقولة “من حق إسرائيل الدفاع عن النفس”، وتسقط هذا الحق عن ابناء الشعب العربي الفلسطيني. مع ان كل اوروبا تعلم علم اليقين، ان اسرائيل مشروع استعماري، هي اقامتها على انقاض الأرض الفلسطينية، وعلى حساب ومصالح وطرد وتشريد ونكبة الشعب العربي الفلسطيني، وهي المنتج الأول للارهارب والجريمة المنظمة في المنطقة والإقليم والعالم.

مما لا شك فيه، ان حدود التباين بين الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي في كافة الملفات الخلافية لا تؤثر على عمق الروابط والعلاقات الإستراتيجية بينهما، وبالتالي علينا جميعا ان نقرأ التباين والتعارض في حدوده دون مغالاة او تطير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى