أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – سان ريمو جسد سايكس بيكو

عمر حلمي الغول  – 2/5/2020

حلت قبل أيام الذكرى المئوية لمؤتمر سان ريمو (19/25 نيسان/ إبريل 1920)، الذي حضره الحلفاء الرئيسيون في الحرب العالمية الأولى (1914/1918) للبحث في الشروط التي سيملونها على الامبراطوريةالعثمانية المستسلمة وفقا لمعاهدة “سيفر” (وقعت في 10 آب/ اغسطس 1920، وهي واحدة من المعاهدات، التي وقعتها دول المركز عقب هزيمتها في الحرب العالمية الأولى. وجاءت المصادقة العثمانية عليها بعد 15 شهرا من المفاوضات، وشكل ذلك التوقيع المسمار الأخير في نعش تفككها وانهيارها، حيث تضمنت التخلي عن جميع الأراضي العثمانية التي يقطنها غير الناطقين باللغة التركية، بالإضافة إلى استيلاء الحلفاء على أراض تركية) والتي فرضت الانتداب البريطاني على العراق وفلسطين بما في ذلك الأردن (الذي تأسس في العام نفسه) وفرضت الانتداب الفرنسي على كل من لبنان وسوريا، ولم تعر انتباها للمؤتمر السوري العام المنعقد في 8 مارس 1920، الذي توج فيصل ملكا على سوريا الكبرى (سوريا وفلسطين ولبنان والأردن)، ورفض وعد بلفور، وأكد على عروبة فلسطين كجزء لا يتجزأ من المملكة السورية الكبرى (الهلال الخصيب). وبذلك تكون دول الغرب الرأسمالي تخلت رسميا وكليا عن اتفاقها مع الشريف حسين على استقلال الدولة العربية، وعززت ما تم التفاوض عليه في اتفاقية سايكس بيكو 1916 بين البريطانيين والفرنسسيين على تقسيم النفوذ في الوطن العربي.

ومن المفارقات اللافتة للنظر أن بريطانيا أصرت على ربط انتدابها على فلسطين بتنفيذ وعد بلفور المشؤوم، وضغطت على فرنسا لتقبل بذلك. هذا وشارك كل من حاييم وايزمان، وناحوم سوكولوف وهربرت صموئيل (المندوب السامي البريطاني على فلسطين) كممثلين عن الحركة الصهيونية، وأثناء المفاوضات تم استدعاء آرثر بلفور، وزير خارجية بريطانيا، وصاحب الوعد المشؤوم للتشاور حول العملية.  

وكان بنيامين نتنياهو تغنى قبل أيام بالذكرى المئوية لمؤتمر سان ريمو، باعتباره كان المدماك الرئيس في تعميد وعد بلفور المشؤوم، وترسيم إقامة الوطن “القومي لليهود” في فلسطين دوليا، وعدم اقتصار الوعد على المملكة المتحدة وحدها. لكنه تناسى الإرهاصات السابقة له، ومن المفيد هنا أن نلفت الانتباه إلى أن مشروع إقامة “الدولة اليهودية” في فلسطين لم يكن خيارا بريطانيا فقط، إنما هو خيار دول الغرب الرأسمالي عموما، ولكن لكل منها رؤيتها وحساباتها وأهدافها لإقامة ذلك المشروع الاستعماري. والاعتراض الفرنسي في مؤتمر سان ريمو، لم يكن اعتراضا على المبدأ، وإنما اعتراضا فنيا. لا سيما أن نابليون بونابرت كان من اوائل من دعا اليهود لإقامة “وطن” لهم في فلسطين في 1799 ليكونوا أداته في تعزيز امبراطوريته، التي لم تر النور، وهزم جيشه أمام أسوار عكا في العام نفسه.

مع ذلك لا يجوز القفز عن محطتين أساسيتين في سيسولوجيا التاريخ للتأصيل للمشروع الاستعماري الغربي، والذي تجسد في إقامة الدولة الصهيونية على أرض فلسطين عام النكبة 1948، الأولى مؤتمر كامبل نبرمان 1905 و1907 الذي شاركت في ست دول رأسمالية غربية، والمحطة الثانية اتفاقية سايكس بيكو 1916، التي جاءت لتكرس عملية التمزيق وتضع أسس عملية تقاسم النفوذ في الوطن العربي، ثم توجت عملية الاتفاق والتشريع والترسيم للمشروعع الصهيوني في مؤتمر سان ريمو 1920.

وإذا كان نتنياهو أطلق العنان لاحتفائه بالذكرى المئوية للمؤتمر المذكور، فإن المنطق العلمي والتاريخي يشير إلى أن نتائج المؤتمر، التي ترجمت منذ 72 عاما على أرض فلسطين بإقامة دولة الاستعمار الإسرائيلية، بدأت تتجه نحو الضمور والاضمحلال والتلاشي كليا، لأنها لم تعد قابلة للحياة. وأي كانت سيناريوهات الولايات المتحدة لإعادة تقاسم النفوذ في العالم في أعقاب تفشي فايروس “كوفيد 19” المستجد، فإن المستقبل وفق المعطيات الماثلة في الواقع، وما يحمله من مؤشرات يشي بأن الخط البياني للولايات المتحدة يسير نحو الهبوط والتفكك. ولهذا التحول استحقاقات على كل دول الإقليم والعالم، وعلى الجميع الاستعداد له، لأن ما هو مقبول الآن، قد لا يكون مقبولا بعد سنوات قليلة من الزمن. والباقي عند الفاسد رئيس حكومة إسرائيل الاستعمارية.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى