أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – زيارة بلينكن الأولى

عمر حلمي الغول – 26/5/2021

لم تكن مدرجة على جدول أعمال الوزير الأميركي بلينكن، لكن هبة القدس الفلسطينية العظيمة فرضتها على إدارة بايدن، الذي حرص أن ينأى بنفسه لفترة من الوقت عن ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. رغم أنه اتخذ مجموعة من الخطوات قبل وبعد وصوله لسدة الرئاسة في البيت الأبيض، إلا أن التطورات العاصفة، التي شهدتها هبة القدس مع بداية شهر رمضان المبارك في ساحة باب العامود في 13 نيسان/أبريل الماضي، ثم في باحات المسجد الأقصى وتدحرجت إلى حي الشيخ جراح، وتاليا إلى الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة وصولا لجبهة قطاع غزة الملتهبة، فرض على الإدارة إرسال وزير خارجيتها لمتابعة التطورات، والعمل على تعزيز وقف كل مظاهر وأعمال العنف والإرهاب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، والتأكيد على ضرورة العمل على أكثر من جبهة: الأولى: تثبيت وقف إطلاق النار بين جيش دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، وأذرع المقاومة في القطاع، الثانية العمل على حشد الجهود الدولية لإعادة إعمار ما دمره القصف الهمجي لآلة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، والثالثة التأكيد على أهمية الذهاب لجادة الحلالسياسي، لأنه ثبت بالملموس لكل الأقطاب الدولية وخاصة الولايات المتحدة، أن المسألة الفلسطينية لا تحتاج لمهدئات ومسكنات، وحلول جزئية ومؤقتة، إنما إلى حل سياسي وفق خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967.

وفعلا وصل أنتوني بلينكن أمس الثلاثاء، إلى دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، والتقى رئيس الوزراء نتنياهو، ولوحظ في المؤتمر الصحفي المشترك، أن رئيس حكومة تسيير الأعمال حاول أن يحرف بوصلة النقاش بتركيزه على الملف النووي الإيراني، وإعطائه المساحة الأكبر من الحديث. بيد أن وزير خارجية أميركا، سلط الضوء على الملف الأساسي، الذي جاء من أجله، وهو ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأكد رئيس الدبلوماسية الأميركية على ما كان أكده رئيسه عليه بعد توسع نيران هبة الأقصى، وانفلات همجية ووحشية آلة حرب إسرائيل المارقة من عقالها، وبلغت حدا غير مسبوق في قصف الأبرياء والمباني والأبراج والبنى التحتية في محافظات الجنوب الفلسطينية، والعمل على إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل هبة رمضان المقدسية.

وأعتقد أن الوزير الاميركي سيعاني قليلا مع حكومة نتنياهو المنحلة، خاصة مع رئيس الوزراء، لا سيما وأن حبل الود بين إدارة بايدن ونتنياهو شخصيا ليس على ما يرام. ولم يكن للرئيس جو بايدن ووزير خارجيته التواصل مع زعيم الليكود الفاسد بهذا القدر لولا تطور الهبة العاصف في جبهات متعددة  طالت كل فلسطين التاريخية والشتات ودول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، وافتضاح مكانة إسرائيل الفاشية أمام الرأي العام العالمي، وارتفاع وتيرة الضغط العالمي على الإدارة الأميركية من الداخل والخارج للتوقف عن التساوق مع حكومة الفاسد نتنياهو، والضغط عليها لوقف قصفها الوحشي، ما اضطرها للتعامل مع مفردات الملف الفلسطيني الإسرائيلي.

كما والتقى وزير الخارجية أمس الثلاثاء في مدينة رام الله في مقر المقاطعة الرئيس أبو مازن، وتبادلا المشورة والرأي في ما سمعه من بنيامين نتنياهو وأركان حكومته، وما لدى الإدارة الأميركية من توجهات سياسية، وأيضا لتعزيز العلاقات الثنائية المشتركة، وأكد على دعمها للرئيس محمود عباس والسلطة الوطنية، وهذا ما توقف أمامه أكثر من مرة الرئيس بايدن وأركان إدارته خلال الأيام الماضية. ومن جانبه أعلن الرئيس أبو مازن تمسكه بالثوابت السياسية الفلسطينية إن كان لجهة تحميل دولة الاستعمار الإسرائيلية المسؤولية المباشرة عما حدث في ساحة باب العامود وثم في باحات المسجد الأقصى والشيخ جراح، وعن التدمير الوحشي لمساكن المواطنين الأبرياء وللبنى التحتية وللمدارس والمؤسسات والمصانع، وقبل ذلك عن قتل 66 طفلا و38 امرأة وعددا كبيرا من الشيوخ والشباب تجاوز 254 شهيدا، ونحو الألفي جريح دون سبب يذكر، سوى إلقاء حمم من أطنان المتفجرات على رؤوس الأبرياء، وإفراغ الحقد العنصري والفاشي على أبناء الشعب العزل في قطاع غزة، والتأكيد على أن الحل الأساس الذي يفترض التركيز عليه هو الحل السياسي، وترجمة بنود خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، والانسحاب الإسرائيلي الكامل غير المنقوص من أراضي دولة فلسطين المحتلة وعاصمتها القدس الشرقية وضمان عودة اللاجئين على أساس القرار الدولي 194 والمساواة الكاملة لأبناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة. دون ذلك ستكون الهدنة مجرد مسكن لا يرقى للحل السياسي، بل ستبقى عنوانا للتفجير في كل لحظة، وهذا ما أعلنه قادة حكومة نتنياهو المارقة والفاسدة.

كما سيزور بلينكن كلا من مصر والمملكة الأردنية للتشاور معهما في الملفات المختلفة. وأجزم أن التكامل بين القيادة الفلسطينية والقيادتين الشقيقتين في الرؤى والمواقف تامة، لا سيما أن وزيري خارجية البلدين المصري والأردني زارا رام الله والتقيا الرئيس أبو مازن أمس وأمس الأول، لتعميق التكامل والتنسيق بين الدول والقيادات الثلاث. والنتيجة الطبيعية لهذا الجهد الدبلوماسي والسياسي تملي على إدارة بايدن أن تتقدم جديا نحو الحل السياسي دون تلكؤ أو مماطلة وتسويف، لأنه الخيار الأنجع والأكثر ملاءمة للجميع، والذي تأخر 22 عاما منذ مطلع الألفية الثالثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى