أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – ذكرى ميلاد الزعيم الراحل

عمر حلمي الغول  – 5/8/2020

هناك أشخاص في التاريخ يتركون بصمة دامغة في حياة شعوبهم والبشرية، ولا يقبلون أن يكونوا رقما عاديا، بل يقفون في صدارة المشهد في مرحلة تاريخية محددة. وتلعب الكاريزما الشخصية، بالإضافة لتميزهم في إدارة المعارك الوطنية او الطبقية، وفي إمساكهم دوما بالحلقة الرئيسية من حلقات الصراع في مواجهة الأعداء، وفي تقريب وتعزيز المسافات مع الأصدقاء والحلفاء، ومن خلال الذكاء الفطري والإبداع في تدوير الزوايا، واستشراف المستقبل، والتقاط المفاتيح الأساسية لحل المعضلات، والخروج من دوامة الأزمات بأقل الخسائر الممكنة، كل ما تقدم من عوامل يلعب دورا هاما في تكريسهم كزعماء للأمم والشعوب والحركات التحررية أو الاجتماعية.

الطفل محمد عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني، المكنى بياسر عرفات، والمولود في الرابع من آب/أغسطس 1929، واحد من هؤلاء المميزين، الذين تمثلوا دور القيادة منذ وعي دوره في الحياة، وأدرك مسؤولياته الشخصية والوطنية والقومية، وضع نصب عينيه انتزاع مكانة القائد الأول للشعب الفلسطيني، ومنذ أسس رابطة الطلاب الفلسطينيين في مصر في الخمسينيات من القرن الماضي، وتأسيس حركة فتح مع أقرانه في اللجنة المركزية، وفي التقاطه لحظة تاريخية هامة دون غيرها في إطلاق شرارة الثورة مطلع العام 1965، والأهم من ذلك انتزاع السيطرة على منظمة التحرير بالجدارة، وبالقدرة على تقديم الذات والحركة كعنوان لقيادة الشعب الفلسطيني، مستفيدا من تعثر وإرباك القوى الوطنية والقومية الأخرى، وإضاعتها الفرصة من بين يديها، فكان السباق لاغتنام تلك الفرصة الذهبية، التي لن تتكرر ثانية، ووضع يده مع القوة العربية الأكثر تأثيرا في المشهد القومي، مع زعيم الثورة الناصرية البطل، جمال عبد الناصر، الذي خرج من هزيمة حزيران/ يونيو 1967 أقوى، وأكثر حضورا في المشهدين الوطني والقومي، رغم مرارة الهزيمة.

ومع ذلك أبو عمار المبدع في إدارة الصراع لم يعادِ أحدا سوى العدو الصهيوني، والعبقري في فن التكتيك والمناورة، لم يناصب أيا من الأنظمة العربية العداء، مع أنهم لم يكونوا بالمجمل معجبين به، ولا بدوره، ولا بالثورة الفلسطينية، التي كسرت الكثير من النواميس والأقانيم في المنظومة الرسمية العربية، وثبت مقولة ومبدأ “عدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية”. مع أنه يعلم علم اليقين أنهم جميعا، وكل من موقعه وحساباته سعى وما زال بعضهم يسعى حتى يوم الدنيا هذا، حتى بعد رحيل القائد المؤسس عرفات للهيمنة على مركز القرار الفلسطيني، لاستخدام الورقة الفلسطينية في الحسابات الصغيرة. وتمكن من اللعب في المسرح العربي المتماوج، والمتعدد المستويات والحسابات، ونجح في الخروج من عنق الزجاجة ألف مرة، ورد الصاع صاعين للكثير من الأنظمة دون فتح معارك معها، حتى من فتحوا معارك معه ومع قيادته، سعى بهدوء المقتدر لتجسير العلاقات معهم، ولم يقاطعهم، ولم يكسر الزجاج الذي يمشي عليه.

وفي لبنان قاد الثورة بنجاح، رغم الأخطاء والمثالب الصغيرة والكبيرة، التي وقعت فيها الثورة خلال وجودها على الساحة اللبنانية من بعد هزيمة حزيران/ يونيو 1967، ووقع اتفاق القاهرة مع الرئيس شارل الحلو 1969، وخاض الحرب الأهلية مرغما ضد القوى الانعزالية، لأنهم فرضوا الحرب على الثورة تنفيذا للمخطط الصهيو أميركي لتصفيتها، وأسس مع القائد اللبناني القومي الراحل كمال جنبلاط القيادة الفلسطينية اللبنانية المشتركة، وانتصر على الجيش الإسرائيلي المجوقل في اجتياح العام 1982 بعد 88 يوما في أطول حرب عربية إسرائيلية، وأكد للعالم انه سيعود لفلسطين، وفعلا بعد اشتعال شرارة الثورة في (الانتفاضة الكبرى) 1987/1993 في الضفة بما فيها العاصمة الأبدية القدس وقطاع غزة تمكن من العودة على أرضية اتفاق أوسلو. وهو يعلم أنه اتفاق ناقص ومثلوم، لكنه شاء أن يثبت الشعب الفلسطيني على خارطة الجيوبوليتك في الإقليم، وأكمل الرئيس محمود عباس المهام القيادية، وتمكن من تجاوز العديد من مثالب أوسلو مع الحصول على القرار الأممي 67/19 في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، الذي اعترف بفلسطين دولة مراقب، وكذلك تم انتزاع العديد من القرارات الأممية لصالح القضية والشعب.

في ذكرى رحيل ياسر عرفات تنحني الهامات الوطنية والقومية عرفانا بدوره التاريخي في قيادة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وتحقيق العديد من الإنجازات الوطنية الهامة. وسيبقى اسم ومكانة ورمزية أبو عمار عالية شامخة، تعكس أسطورية الرجل وشجاعته ودهاءه السياسي. ولا قيمة لسجل البطولة والكفاح التحرري دون تسييد الشهيد الرمز ياسر عرفات رأس القائمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى