أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – ديسكن ومستقبل إسرائيل

عمر حلمي الغول – 23/2/2021

مستقبل دولة المشروع الصهيوني لم يكن يوما محل ثقة القائمين عليها، رغم كل الشروط الذاتية والموضوعية، التي توفرت لها، من حيث تأمين الغطاء الرأسمالي الغربي للهجرات الاستعمارية لليهود الصهاينة المتوالية منذ تبلورت فكرة إقامة الكيان الغريب لتمزيق وتفتيت وحدة الوطن العربي الكبير من بدايات القرن العشرين وحتى اللحظة الراهنة، وتقديم الدعم المادي الاقتصادي والمالي والعسكري والأمني والمساندة المطلقة لها في المحافل الدولية، وحمايتها من الملاحقة الأممية على جرائم الحرب، التي ترتكبها ضد أبناء الشعب الفلسطيني ومصالحه الوطنية العليا، وإطلاق يدها لاختراق القوانين والأعراف والمواثيق الدولية، وتعزيز تفوقها العسكري على الدول العربية كلها، والوقوف خلف حروبها الاستعمارية بشكل مباشر وفظ… إلخ.

ومنذ تأسست الدولة الصهيونية في أيار/ مايو 1948 على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني، وهي محل شك في بقائها، وهذا ما عبر عنه بن غوريون، رئيس الوزراء الأول للدولة الكولونيالية لناحوم غولدمان، رئيس الوكالة اليهودية عام 1956، عندما قال له ذات مساء “سأبلغ السبعين من العمر قريبا. إذا سألتني هل أموت وأدفن في دولة يهودية؟ أقول لك نعم خلال عشر سنوات أو 15 سنة ستكون هناك دولة يهودية. ولكن اسألني إذا كان ابني آموس، الذي يبلغ الخمسين في نهاية هذة السنة لديه فرصة أن يموت في دولة يهودية؟ أقول لك 50%.” فسأله غولدمان: كيف تنام وهذا الاحتمال في رأسك، وأنت رئيس وزراء إسرائيل؟ رد بن غوريون: من قال لك إني أنام؟” منقول من كتاب ناحوم غولدمان “المعضلة اليهودية” أو (التناقض اليهودي). ويخلص لذات الاستنتاج بوضوح أعمق الكاتب الإعلامي، آري شبيط، الذي كتب مقالا في صحيفة “هآرتس” بعنوان ” إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة” جاء فيه “يمكن أن يكون كل شيء ضائعا، ويمكن أننا اجتزنا نقطة اللاعودة، ويمكن أنه لم يعد من الممكن إنهاء الاحتلال، ووقف الاستيطان، وتحقيق السلام، ويمكن أنه لم يعد بالإمكان إصلاح الصهيونية، وإنقاذ الديمقراطية وتقسيم البلاد.” وتابع “إذا كان الوضع كذلك، فإنه لا طعم للعيش في البلاد (…) يجب فعل ما اقترحه روعل ألفر قبل عامين، وهو مغادرة البلاد. إذا كانت “الإسرائيلية” واليهودية ليستا عاملين حيويين في الهوية، وإذا كان هناك جواز سفر أجنبي.” وأضاف شبيط محذرا من انهيار إسرائيل، قائلا “من هناك من بلاد القومية المتطرفة الألمانية الجديدة، أو بلاد القومية المتطرفة، يجب النظر بهدوء ومشاهدة دولة إسرائيل، وهي تلفظ انفاسها الأخيرة.” وهناك العشرات ومئات الآلاف من اليهود الصهاينة، الذين عادوا لأوطانهم الأم، أو لجأوا لإحدى الدول الغربية بصمت ودون ضجيج، لإدراكهم المآل، الذي تتجه له دولة إسرائيل الاستعمارية، وهو الانهيار والاختفاء من الجيوبوليتك، كما جاءت فجأة، ستزول فجأة وبفعل التناقضات الداخلية، وانتفاء المشروعية للدولة الصهيونية التاريخية والسياسية والقانونية والثقافية والدينية وبكل المعايير.  

وهذة النتيجة توصل لها في مقال نشر في صحيفة “يديعوت أحرونوت” يوم السبت الماضي الموافق 20/2/2021 المسؤول الأمني الإسرائيلي الكبير السابق، يوفال ديسكن، جاء فيه: أن “إسرائيل لن تبقى للجيل القادم”، موضحا أسباب ذلك، ومبديا تخوفه من الزوال لأسباب ومؤثرات داخلية، فيقول إن “معظم العبء الاقتصادي والعسكري في إسرائيل، سيتحمله قريبا 30% فقط من الإسرائيليين، وبهذه الطريقة لن ينجو المجتمع الإسرائيلي مما ينتظره من مشاكل.” وأكد ديسكن، رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي العام السابق “الشاباك”، “أن هناك سؤالا وجوديا استراتيجيا أوضحت أزمة كورونا مدى خطورته، هل تتمتع إسرائيل بالتماسك الاجتماعي والمرونة الاقتصادية والقوة العسكرية والأمنية التي ستضمن وجودها الجيل القادم؟ أتحدث عن الاتجاهات الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية، التي تغير بالفعل جوهر إسرائيل، وتستطيع ان تعرض وجودها للخطر خلال جيل واحد، حيث يزداد الانقسام بين الإسرائيليين عمقا، وأصبح الانقسام ينتشر في الحكومة، والتضامن الاجتماعي ضعيف.” وأضاف أن “القوة الإقليمية المسماة إسرائيل غير قادرة على السيطرة على العديد من المناطق.” موضحا أنه “وفقا لأرقام الجهاز المركزي للإحصاء، فإننا سنكتشف قريبا، أنه بعد 40 عاما سيكون نصف سكان إسرائيل من المتدينين والفلسطينيين (في الحقيقة بات الفلسطينيون الآن يزيدون عن نصف السكان، لكن ديسكن يهرب من الحقيقة)، ومن المهم أن نفهم القاسم المشترك بينهما اليوم، ولماذا سيشكل مستقبلهما صورة إسرائيل، ويؤثر على قدرتها على الوجود خلال 30 إلى 40 عاما.” وعمق استنتاجه بالقول : إن “اليهود الحريديم باتوا عبئا، وأن منهم من باتوا منتشرين في الاتجاهات المعادية للصهيونية، وبالنسبة لهم فإن إسرائيل في طريقها للخسارة.” والزوال، وتسير بخطى حثيثة نحو مآلها المحتوم.    

وأعتقد أن ديسكن بالغ في الزمن الافتراضي الباقي من وجود إسرائيل الاستعمارية، رغم أنه وضع إصبعه على العديد من الجروح النازفة في جسد الدولة المفتعلة والمزورة، وللتسريع في بلوغ النتيجة المؤكدة أعلاه، تتطلب جملة من العوامل البسيطة وغير المعقدة، منها: أولا تعزيز الوجود الفلسطيني على الأرض في كل المدن والقرى والخرب من النهر إلى البحر؛ ثانيا توسيع وتعميق أشكال النضال الشعبي والسياسي والدبلوماسي والقانوني؛ ثالثا توحيد البيت الفلسطيني تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، وحماية النظام السياسي الفلسطيني التعددي الديمقراطي؛ رابعا التمسك بخيار السلام، الذي لا تستطيع الدولة الصهيونية التعايش معه، مهما كان شكله ومضمونه، فهي لا تقبل القسمة على خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ولا على خيار الدولة الواحدة، والأزمة تطاردها وتقترب من عنقها كل يوم أكثر فأكثر. والمستقبل القريب كفيل بوضع النقاط على الحروف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى