أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – دلالة اعتذار الرئيس الاسرائيلي …!!

عمر حلمي الغول – 31/10/2021

في خطوة لافتة، وهي المرة الأولى في تاريخ دولة الاستعمار الإسرائيلية منذ تأسيسها عام 1948 على انقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني يعترف رئيس الدولة الإسرائيلي، إسحاق هيرتسوغ بارتكاب جيش الموت الإسرائيلي مجزرة وحشية في مدينة كفر قاسم الواقعة في المثلث في التاسع والعشرين من أكتوبر 1956، وسقط نتاجها 49 شهيدا وعشرات الجرحى، ليس هذا فحسب، انما يقدم اعتذارا للشعب العربي الفلسطيني في ذكرى تأبين الشهداء وبلغة عربية واضحة جاء فيه “احني رأسي امام الضحايا التسعة وأربعين، وامام أبناء عائلاتهم، وامام جميع اهل كفر قاسم. وأطلب العفو باسمي وباسم دولة إسرائيل.” وتابع يقول “أمد لكم من أعماق فؤادي يدا مساندة ومعاونة، متوسلا لله تعالى ان يكون معكم لتجدوا المواساة لألمكم.”

مما لاشك فيه، انها تعتبر خطوة صغيرة وفي الاتجاه الصحيح، رغم انها جاءت متأخرة خمسة وستين عاما، ومع ذلك لا يجوز اغماض العين عنها، لا بل يفترض ان نأخذها على محمل الجد، ووضعها في مكانها المناسب داخل وثائق الصراع باعتبارها نقلة نوعية محدودة. لانها على أهميتها وضرورتها في مجرى تعاظم الصراع نتاج انكفاء حكومات إسرائيل المتعاقبة عن خيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، ستبقى غير ذات جدوى إن لم تقرن في خطوات متلازمة معها، ومنها: أولا الكشف عن كل المجازر الوحشية، التي ارتكبتها العصابات الصهيونية المختلفة قبل وبعد عام النكبة، وتحديد عدد الضحايا، الذين سقطوا فيها؛ ثانيا الاعتذار الرسمي عن كل الجرائم والمذابح، التي ارتكبت بحق الفلسطينيين على كل الأرض الفلسطينية في مناطق 1948و 1967؛ ثالثا الاعتذار عن المجازر التي ارتكبت ضد الاشقاء العرب في بحر البقر وفي سيناء والأراضي المصرية، والمجازر التي ارتكبت في سوريا ولبنان والأردن وتونس؛ رابعا ربط ذلك الاعتذار بموقف سياسي واضح يتمثل بالإقرار بحقوق متساوية للفلسطينيين في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، وإلغاء قانون القومية الأساس للدولة اليهودية، وكل القوانين ذات الصلة بالعنصرية والتمييز القومي والديني وبكل اشكاله؛ خامسا تعويض العائلات الثكلى والمنكوبة دون استثناء وباثر رجعي؛ سادسا الاعتراف الكامل بالهوية الوطنية والقومية للشعب العربي الفلسطيني، والاقرار بحقه في العودة لارض وطنه ودياره، التي طرد منها وفق قرارات الشرعية الدولية وخاصة القرار 194؛ سابعا الاستعداد لدفع استحقاقات التسوية السياسية وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967؛ ثامنا وقف كل اشكال الاستيطان الاستعماري في أراضي دولة فلسطين المحتلة عموما والقدس العاصمة الأبدية خصوصا.

دون ما تقدم تبقى عملية الاعتذار للرئيس هيرتسوغ ناقصة ومبتورة ومقطوعة الجذور عن دوامة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ولا تفي بالغرض السياسي ولا الإنساني ولا القيمي والقانوني. لان قيمتها واهميتها فيما تحمله من استدراكات لتجاوز تبعات الاستعمار الإسرائيلي القذرة والاجرامية، والتي مازالت حتى اللحظة الراهنة تلقي بظلالها الثقيلة والوحشية على أبناء الشعب العربي الفلسطيني. وبالتالي لتعكس ابعادها ودلالاتها الإيجابية المحدودة تحتاج إلى خطوات رديفة ومعززة لها على المستويات والصعد المختلفة.

ومع ذلك، ان يأتي اعتذار الرئيس الإسرائيلي الفخري الان، وفي ظل حكومة بينت / لبيد، والارتداد الإسرائيلي العميق عن خيار السلام، فانه مؤشر إيجابي، مطلوب من جميع القوى الفلسطينية والإسرائيلية والاممية المؤيدة لخيار السلام وحل الدولتين على حدود 1967 تعزيزه، وتعميقه بالخطوات المذكورة أعلاه. لان الاعتذار سيبقى على ما حمله من مضامين إيجابية غير ذات شأن بالمعنى الدقيق للكلمة.

فاي قيمة للاعتذار في الوقت الذي تجري فيه عمليات الاستيطان الاستعماري في كل الأرض الفلسطينية، وتقوم قوات الجيش وقطعان المستعمرين بمختلف منظماتهم مسمياتهم بقتل المواطنين الفلسطينيين، وتنفيذ عمليات التطهير العرقي في احياء القدس عموما، وفي الشيخ جراح واحياء سلوان المختلفة، وتدمير ومصادرة أراضي المقابر الإسلامية خصوصا، وممارسة الاعتقالات على مدار الساعة، وفرض الحصار الظالم على قطاع غزة، وبقاء القوانين العنصرية من قانون كامينتس إلى القانون الأساس إلى قانون النكبة وغيرها، ورفض إعادة النظر في الخرائط الهيكيلية للمجالس القطرية للمدن والبلدات والقرى الفلسطينية في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة. حقيقة سيبقى الاعتذار بلا معنى، ودون أي قيمة فعليه. لا سيما وان مجزرة كفر قاسم ليست المجزرة الوحيدة ضد أبناء الشعب، وليست منفصلة عن مجرى الصراع التاريخي الفلسطيني الإسرائيلي. لذا ان كان الرئيس هيرتسوغ يمتلك القدرة والإرادة والقرار ولديه حاضنة إسرائيلية قوية، عليه ان يتقدم خطوات نوعية لبناء جسور السلام مع الشعب العربي الفلسطيني، الذي تخندق في خنادق السلام منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو عام 1993.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى