أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – حماية المعارضة

عمر حلمي الغول – 26/6/2021

 مطلق نظام سياسي ديمقراطي، او لديه حيز وقابلية لتعميم الديمقراطية يسعى ويحرص على جملة من القوانين والمبادىء العامة الناظمة لحياة المجتمع، منها : اولا تعميق وتوسيع حرية الرأي والرأي الآخر؛ ثانيا تكريس حرية التنظيم والتظاهر والإعتصام؛ ثالثا تنظيم العملية الإنتخابية بشكل دوري في كل مكونات المجتمع وبشفافية ونزاهة عالية، وإحترام التداول السلمي للسلطة وفقا للمعيير الديمقراطية؛ رابعا الغاء الإعتقال على حرية الرأي من حيث المبدأ، والتصدي الحازم لإية إجراءات غير قانونية من قبل اجهزة السلطة التنفيذية؛ خامسا صون وحماية الصوت المعارض حزبا او مجموعة او شخصا، لتعزيز وترسيخ العملية الديمقراطية في المجتمع؛ سادسا الغاء قوانين الطوارىء بعد انتهاء الحالات الإضطرارية والمحدودة جدا لفرضها سابعا توسيع دائرة المساءلة والنزاهة والمحاسبة لكافة الهيئات والشخصيات المسؤولة، وعدم التغطية او التستر على اي خلل او نقص او أخطاء تم تشخيصها في هذة المؤسسة او تلك الهيئة؛ ثامنا محاربة الفساد بكل اشكاله ومظاهره مهما كان صغيرا ومحدودا؛ تاسعا محاربة كل اشكال التمييز الجنسية او الدينية او العرقية أو الحزبية؛ عاشرا محاربة منطق المحاباة والجهوية والعشائرية والقبلية؛ حادي عشر تعميم المساواة بين ابناء الشعب وخاصة بين المرأة والرجل؛ ثاني عشر فصل السلطات عن بعضها البعض التشريعية والتنفيذية والقضائية فصلا تاما، ورفض اي شكل من اشكال التدخل والتداخل غير المشروع بين السلطات؛ ثالث عشر ضمان حرية وسائل الاعلام بشكل كامل دون اي انتقاص؛ رابع عشر حرية الوصول للمعلومات كافة؛ خامس عشر ترسيخ مبدأ التسامح والتعايش وقبول الآخر بغض النظر عما يمثل باستثناء العملاء والجواسيس وزمر الفتنة والتكفير والتخوين.

واعتقد ان هذة القيم والمبادىء تضمنها النظام الأساسي الفلسطيني، وكفلها القانون، ودائما يكررها الرئيس ابو مازن وكل رؤوساء الحكومات المتعاقبة. بيد اننا في الممارسة العملية تخلينا تدريجيا عن تلك النواميس والمعايير، وبتنا اقرب لنظم العالم الثالث المتخلفة، حتى لم نعد نحتمل سماع الرأي الآخر، ونرفض النقاش والحوار مع اي صوت معارض، ونعمل بطريقة “عنزة ولو طارت” لفرض وجهة النظر الواحدة، ووضع اليد على القلب والخشية من كل صاحب رأي آخر، ووضعه في دائرة الإتهام او شبه الاتهام، ونحول بينه وبين حرية التعبير، ليس هذا فحسب، انما قد نقدم على خطوات غير محمودة النتائج، كما حصل مع المرحوم نزار بنات، الذي رحل بعد ساعات قليلة من اعتقاله من قبل الاجهزة الأمنية فجر الخميس الماضي الموافق 24/6/2021، واعلن عمار دويك، مدير الهيئة المستقلة لحقوق الانسان، عضو لجنة التحقيق، ان جثة المغدور ظاهر عليها آثار ضرب وكدمات واعتداء في الرأس والوجه .. إلخ قبل تشريح جثتة. وهو ما يشير الى ان الموت ليس طبيعيا، ولا نتاج سكتة قلبية.

وعليه، لا احد يسألني عما تفوه به نزار بنات، وهل هو صحيح ام خطأ؟ ولا يجوز ان نضع النظام السياسي الفلسطيني في مقاربة مع اي نظام سياسي آخر، ولا حتى مع الإنقلابيين الحمساويين، لانهم ليسوا نظاما، ولا عنوانا للمقاربة، وانما ادعو الجميع للتماثل مع روح الديمقراطية الحقة ، الديمقراطية الكافلة لحقوق الانسان وكرامته ومعتقداته الفكرية والسياسية والدينية والثقافية عموما.

والنقد هنا لا يعني الإنتقاص من مكانة وكفاءة ابطال الاجهزة الامنية، الذين سجلوا على مدار سنوات الكفاح الوطني نموذجا للبطولة والفداء. ولكن ينتقص من كل منتسب لها أخل في تطبيق وتنفيذ القانون، وتجاوز الحدود المسموحة له، وتعدى صلاحياته، ومن كل مسؤول اعطى امرا دون تدقيق، ودون تنبيه للمكلفين بتنفيذ القانون بالإنتباه لكيفية التعامل وفق القانون مع ابناء الشعب، ورعاية صحة وعافية ومكانة الإنسان المعتقل حتى تثبت إدانته، ويقدم للقانون. اما طريقة “جيبوه وكسروا راسه” ليست طريقة، ولا اسلوب، ولا خيار النظام الديمقراطي الفلسطيني، ومن لا يستطيع تطبيق وترجمة القانون ليرتاح، ويخرج من دائرة المسؤولية، او على الجهات العليا اعفائه من مهامه، لإنه ليس اهلا لها.

لا اضيف معلومة لكل الاجيال الفلسطينية عندما اذكرها جميعا، اننا نحن ابناء الشعب العربي الفلسطيني، الذين ذقنا مرارات العذاب والتنكيل والبطش والطرد والتهجير والتشريد من قبل العدو الصهيوني والانظمة العربية، التي لجأنا لبلدانها، ومازلنا نقارع المستعمر الصهيوني ونناضل من اجل الحرية والإستقلال والعودة وتقرير المصير احوج ما نكون للديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير والتظاهر، واستخدام كل الوسائل الديمقراطية للبوح واعلان سخطنا وكفرنا من الممارسات الخاطئة، وتسليط الضوء على النواقص ومظاهر الفساد والعيوب والمثالب، التي تنهش مجتمعنا. لم نخلق لنضع رؤوسنا في الرمال، ولن نكون شعب الجبارين إذا استسلمنا لمنطق القبول بما يقره هذا المسؤول او ذاك، وانتهاج اسلوب الطاعة العمياء. هذا لايمثل الروح الوطنية الفلسطينية الشجاعة والجبارة المكافحة. وعليه لنراجع بشكل جدي وجريء تجربتنا واليات عملنا مع الشعب، ونضع ايدينا على عوراتنا ونواقصنا، ونعترف على الملأ وامام الدنيا اننا اخطأنا، دون الانتقاص من ايجابيات نظامنا السياسي، ولا من كفاحنا وعطاءنا ومواصلة درب الكفاح لبلوغ اهدافنا الوطنية.

وبالمحصلة مطلوب محاكمة كل من ساهم في جريمة موت نزار ريان دون مجاملة أو محاباة، والعمل على حماية المعارضة، لإن ذلك  واجب وطني دون ابتزاز من اي نوع مهما كان. ولنطلق فضاء الحرية دون خوف وخشية عصا أي كان. ولنعود لجادة الشعب، ونجسر العلاقة معه، ونحميه من اية اخطاء ونواقص، ونحشد قوانا في مقاومة شعبية عارمة ومنظمة لمواجهة العدو الصهيوني وقطعان مستعمريه.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى