أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – بورغ يخلع يهوديته

عمر حلمي الغول – 29/12/2020

أبراهام بورغ شخصية نمت وترعرعت في بيت صهيوني، والده يوسف بورغ، المهاجر من ألمانيا عام 1939، وزعيم حزب المفدال (القومي الديني)، الذي لعب دورا سياسيا في الحياة السياسية بمستوياتها التشريعية والتنفيذية، بيد أن ميول الابن السياسية اتجهت لحزب العمل، الذي تركه لاحقا. وفي سياق تطور تجربته في الكنيست 1985 – 1995، وترؤسه للوكالة اليهودية ما بين 1995 و1999، ثم عودته للكنيست حتى نصف العقد الأول من الألفية الثالثة، مجموع هذه السنوات منحه القدرة على إعادة النظر بالمشروع والحركة الصهيونية، وتخلى عن صهيونيته، مع إصداره كتابه “لننتصر على هتلر” أواسط 2007، والذي ترجم للعربية في 2010، الذي شرح فيه مركبات النقص في الشخصية الصهيونية المفتعلة والمركبة. ودعا وهو في رئاسة الوكالة اليهودية إلى تغيير مهامها، لوكالة للنشاط المجتمعي، وأرفق ذلك بالمطالبة بإلغاء ما يسمى “قانون العودة لليهود” إلى فلسطين. وله العديد من المواقف المتميزة الخارجة والمتمردة على المألوف الصهيوني.

  وآخر المواقف المهمة لرئيس الكنيست الأسبق، أبراهام بورغ في التصدي لقانون “القومية الأساس للدولة اليهودية”، ولرفع الظلم عن أبناء الشعب الفلسطيني من حملة الجنسية الإسرائيلية، الذين عمق القانون المذكور التمييز العنصري ضدهم، وحرمهم من الحد الأدنى من الحقوق السياسية والقانونية والاجتماعية والثقافية، وألغى حقهم، وحق أبناء جلدتهم من الفلسطينيين الواقعين تحت نير الاستعمار الإسرائيلي منذ الخامس من حزيران عام 1967 في المساواة ومن نيل هدف الحرية والاستقلال وتقرير المصير على أرض دولتهم، ورفض منح اللاجئين داخل الوطن وفي الشتات حق العودة على أساس القرار الدولي 194، وألغى مكانة اللغة العربية من لغة ثانية، إلى إدراجها ضمن وضع “خاص” هامشي.

الخطوة المهمة التي رفع لواءها زعيم المنظمة الصهيونية العالمية سابقا، تتمثل في قراره بالمطالبة بـ “شطب الديانة اليهودية من هويته” وذلك يوم الخميس الموافق 24 /12/2020 حسبما كتبت رافيت هيخت في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية. والمعلوم للجميع، أن بورغ هو سليل عائلة أرستقراطية، ولهذا تولى العديد من المناصب القيادية المهمة، التي أشرت لها آنفا بما في ذلك المنافسة على زعامة حزب العمل قبل أن يعتزل السياسة. وهو ما منحه المجال للبوح بمواقفه التمردية، التي شاء من خلالها عموما، والخطوة الأخيرة خصوصا التخلص من وصف اليهودي في وزارة الداخلية الإسرائيلية. والأهم أنه أكد، أنه لا يجد نفسه منتميا لـ “لأمة اليهودية”، وضميره لا يسمح بتصنيفه ابنا لها، ويقول “لم يعد بإمكاني التعاطف معهم”. وأضاف “إن قانون القومية يعني، أن ما عانينا منه في مكانة متدنية لأجيال، نفعله بغيرنا، ونرضاه لهم (للفلسطينيين العرب) … هذه خطوة ضرورية، وليست متطرفة. القانون يغير التعريف الوجودي”.

ورغم اختلافي فكريا مع الشخصية السياسية الإسرائيلية البارزة بشأن “الأمة اليهودية”، التي لا وجود لها إلا في المنظومة الفكرية الصهيونية، لأن الدين لم يكن يوما حاملا للهويات القومية، ولا يشكل أساسا لها، وإن جانبت الصواب بعض القوى في دول العالم الثالث المعايير القومية عبر ربطها بالبعد الديني، الذي يعود السبب فيه للتخلف الفكري والمعرفي. مع ذلك فإن خطوة بورغ تعتبر خطوة مهمة، وضرورية، رغم أنها قد لا تجد صداها الآن بالمعنى الدقيق للكلمة، لأن حضوره في المشهد الصهيوني ضعيف جدا، غير أن ذلك لا يقلل للحظة من أهمية خطوته، التي يمكن المراكمة عليها وتوسيع نطاقها من خلال تشكيل الإطار الفلسطيني الإسرائيلي المشترك لاحقا، الذي يعتبر بورغ أحد أركانه الأساسيين. كما أن صوت بورغ في أوساط أتباع الديانة اليهودية في أوروبا وأميركا مسموع نسبيا، وقد يكون له أثر أعمق مما هو داخل الدولة الصهيونية، التي وضعت بقايا أدعياء ما يسمى، أو من يطلقون على أنفسهم صفة “اليسار” في زوايا ضيقة  وبعيدة التأثير على المجتمع؛ لأن المتسيد الآن، هو اليمين التقليدي واليمين الأقصوي والحريديم المتطرف.

خلع أبراهام بورغ الهوية الدينية، والمطالبة بالمساواة بين مواطني الدولة بغض النظر عن تابعيتهم الدينية أو الإثنية، وعمليا المطالبة بإسقاط وإلغاء قانون “القومية” المصادق عليه في 19 تموز/يوليو 2018، خطوة مهمة، وفي الاتجاه الصحيح، وعلى كل مؤمن بخيار العدالة النسبية، والسلام أن يراكم على موقف بورغ الشجاع والنبيل لهزيمة الصهيونية ومشروعها الكولونيالي، وبناء ركائز السلام والتعايش والشراكة الحقيقية بين أبناء المنطقة عموما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى