أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – المسرح حين يحاكي التاريخ

عمر حلمي الغول – 19/6/2021

المسرح ابو الفنون، وأقدمها، وأهمها، وهو متعدد الألوان والعناوين، فهناك المسرح الموسيقي، والاستعراضي، والكوميدي، والتراجيدي، والتاريخي، والتاريخي التراجيدي. ومن متطلبات اية مسرحية: المسرح (خشبة المسرح) والممثلون، والديكور، والقصة والمخرج. وغالبا الشعوب تنتج وتخرج مسرحياتها البطولية التراجيدية في ميادينها الكفاحية، وبفعلها ودماء ابنائها، وعظمة عطائها وادائها، وبرسائلها الناصحة كالثلج، التي تعكس قضيتها، كما يليق بها للعالم اجمع.

يوم الثلاثاء الموافق 15 جزيران/ يونيو الماضي شهدت ساحة باب العمود في القدس العاصمة مسرحية حية ورائعة بطلها ابناء الشعب العربي الفلسطيني، الذين تصدوا لمسيرة غلاة الصهاينة الفاشيين، الذين جيشت دولة المشروع الصهيوني الكولونيالية جيشها ومؤسساتها الأمنية لحمايتهم بهدف تمرير تلك الفضيحة، التي كشفت عن هزال وجبن الصهاينة، وعدم تمكنهم من حشد ما يزيد عن 500 مستعمر جلهم من الأطفال والمراهقين. كانت المسرحية من ثلاثة فصول اساسية، كان الفصل الأول فرض حالة من الاستنفار الكامل على العاصمة الأبدية الفلسطينية المحتلة، وإغلاق الشوارع والازقة المؤدية للساحة، ونشر قوات القمع الصهيونية المتعددة الأسماء والمهام، وإخلاء الساحة من ابناء الشعب الفلسطيني لتمكين أعداء السلام من تنفيذ مسيرتهم العنصرية، وكأن هناك منع تجول، حتى ان المدينة حبست انفاسها.

الفصل الثان يبدأ مع وصول مسيرة قطعان المستعمرين المتواضعة والعنصرية، التي تخللها هتافات الفاشيين بشعاراتهم الدموية ومنها “الموت للعرب” و”شتم الرسول العربي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام”. وفي لحظة هياج الصهاينة المسعورين رفع العلم الفلسطيني في مواجهة أعلام دولة الاستعمار الإسرائيلية، كأنه الف علم، ومثل لحظة التحدي البطولية لاولئك الفاشيين وأجهزة الموت الإسرائيلية، تحمله سيدة تونسية عربية، هالة الشريف، زوجة الشهيد القائد عثمان ابو غربية، لتدلل على عمق الروابط الكفاحية الفلسطينية التونسية والعربية عموما، ثم اعتقالها من قبل قوات الأمن الصهيونية، وهي مرفوعة الراس. تلا ذلك انسحاب جماعة الفاشي الكهاني بن غفير كالفئران المسعورة.

وتوجت المسرحية بالفصل الثالث الذي شكل قمة التراجيديا الوطنية عندما قامت ثلة من الفتيات المناضلات والشباب الابطال الفلسطينيين بإحضار مكانس وصابون وماء وبدأوا في غسل ساحة باب العامود لتنظيفها من دنس الغزاة القتلة، وليقولوا للحكومة الجديدة ولكل النخب الصهيونية بتلاوينهم ومشاربهم المختلفة، ان زهرة المدائن عاصمة لدولة وشعب واحد، هي عاصمة فلسطين ولشعبها العربي، ولن تكون عاصمة لغيرهم مهما كانت التضحيات. مما اثار جنون وسخط جنود الجيش وحرس الحدود وعناصر الشرطة والاجهزة الأمنية المختلفة، وعلى اثر ذلك قامت باعتقال المكانس المناضلة، التي انتزعوها من ايدي الماجدات والأشاوس من ابطال القدس العاصمة، وفرضوا على حماة العاصمة الابدية اخلاء باب الحرية.

اسدل الستار على المسرحية التاريخية التراجيدية، التي حاكت في فصولها الثلاثة قصة الصراع، وارسلت رسائلها بالبث الحي عبر ومن خلال كاميرات الفضائيات الفلسطينية والعربية والعالمية، بان الشعب العربي الفلسطيني، هو صاحب التاريخ والأرض والجغرافيا والميراث الحضاري والثقافي. وهو وليس احدا غيره الباق هنا في ارض الأباء والأجداد شامخا وحاميا الرواية الوطنية وفصول مجدها.

الشعب العربي الفلسطيني لم يكن يوما عنصريا، ولا متعصبا، ويرفض الإرهاب والنزعات الفاشية، وعمد تاريخه البطولي بالاستناد إلى مبادئ التسامح والتعايش مع اصحاب المعتقدات، واتباع الديانات المختلفة. ودافع على مدار التاريخ القديم والوسيط والحديث عن تراثه الإنساني، ومازال يحمل راية الدفاع عن حقوقه الوطنية والتاريخية مستخدما كل اشكال الكفاح دون تردد. لأنه لا يقبل الضيم، ويرفض اشكال الاستعمار والعبودية والتبعية والاستغلال مهما كانت مسمياتها وعنواينها وادواتها، وآخرها الاستعمار الصهيوني الإجلائي الاقتلاعي والإحلالي الجاثم على ارض الوطن الفلسطيني منذ 73 عاما خلت، وايا كانت التضحيات الجسام، التي دفعها، او سيدفعها لقاء بلوغه حريته واستقلاله وعودته وتقرير مصيره على ارض وطنه الأم، فلسطين العربية، الجزء الأصيل من الوطن العربي الكبير.

في مواجهة الاستعمار لا مساومة على الحقوق والرواية والهوية والتاريخ، ولا تعايش او تسامح مع اي كان من الغزاة، بل صراع حتى إزالة دنسه بمكوناته كلها وروايته المزورة، وادعاءاته الميثالوجية واساطيره الخرافية فاقدة الأهلية والمنطق. ومسرحية باب العامود البطولية خير دليل على خيار الشعب العربي الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى