أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – القائمة وحدود الإختلاف

عمر حلمي الغول – 17/11/2020

من مبادىء التحالفات والجبهات العريضة الواسعة للقوى الفكرية والسياسية المختلفة إعتماد قواسم مشتركة للعمل على اساسها كناظم لشراكتها، وتعزيزا لنقاط التوافق، وتقريبا لنقاط ومسائل الخلاف. ومن المنطقي ان يحتمل هذا التحالف او تلك الجبهة العريضة الإختلاف في المواقف من المسائل المثارة، الأمر الذي يتطلب بين فترة وأخرى مراجعة المواقف، ووضع سقف ناظم للجميع للتعبير عنها امام المنابر والقوى الآخرى. وفي لحظات محددة هناك قوى لا تستطيع الخروج من جلدها الفكري والعقائدي لصالح التحالف العريض، الأمر الذي يفترض في القوى الشريكة توسيع دائرة الإستيعاب، وإستخدام هذا الإختلاف لصالح الشراكة، لا ضدها. كما تملي الضرورة ايضا من القوى المنفردة بهذا الموقف او ذاك العودة للشركاء لإبلاغهم بما سيعبر عنه او يصوت عليه في البرلمان او اي مؤسسة ذات صلة بالعمل العام بهدف تفادي التباينات وتوسيع دائرتها. لإن هكذا موقف يوسع ويزيد من مستوى وحجم الثقة المتبادلة بينها.

ما تقدم له عميق الصلة بما يجري من حالة إستقطاب وتنافر بين مكونات القائمة المشتركة في ال48، والتي ظهرت للعلن تقريبا بدءً من الثلث الثاني من تشرين اول / أكتوبر الماضي (2020) بعد ترؤس النائب منصور عباس عن الحركة الإسلامية جلسة للكنيست للتصويت على ملاحقة نتنياهو الفاسد في ملف شراء الغواصات، لكنه وقع في خطيئة فادحة في التواطؤ مع ياريف ليفين، رئيس الكنيست للحؤول دون التحقيق معه في الملف، ومن ثم في الإتصال مع الوزير الإسرائيلي، إيرز كامنيتس حول البناء والإسكان. لا سيما وانه صاحب القانون المشفوع باسمه، وموضوع التصويت ضد الزواج المدني، وأخيرا الإتصال والتواصل مع رئيس الحكومة الفاسد نتنياهو، كل هذة المواقف مازالت تتفاعل بين قوى القائمة المشتركة، وإتخذت منحا إتهاميا وتحريضيا، رغم ان القوى الأربعة المشكلة كافة اعلنت تمسكها بوحدة القائمة، وأكد الجميع، ان الإئتلاف قام كمشروع ناظم لتوحيد الشارع الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة لمواجهة التغول العنصري، والتصدي للحكومة الإستعمارية ومعها البرلمان والمؤسسات الصهيونية المختلفة، التي تمارس ابشع اشكال التمييز والقهر ضد ابناء الشعب الفلسطيني، ولم تقم لحسابات فردية وإنتخابية فقط، وإن كان ذلك قائما وموجودا، ولكنه حسب تصريحات العديد من ممثلي القوى، ليس الأساس.

إذاً، وإذا كان الأمر كذلك فكان الأجدر بالقوى السياسية وانصارهم ومحازبيهم التعامل مع مواقف النئب عباس باسلوب أهدأ، وفتح باب الحوار معه، لا اللجوء للتحريض. وانا هنا لا ادافع عن منطق النائب الأسلاموي في تبرير وجهة نظره، ولكني اتفهم رأيه في موضوع الزواج، ولو كان اي من اعضاء القائمة في موقعه، لما إتخذ موقفا غير الذي اتخذه النائب منصور. اما خطيئة في عدم التحقيق مع رئيس الحكومة الفاسد، فهي بكل المعايير غير مفهومة، ولا يمكن تبريرها، او القفز عنها، ومساءلة النائب عباس كجزء من الإئتلاف، إن كان معنيا بالإئتلاف حقا، وهنا لا يوجد حق فردي لنائب فلسطيني جزء من الإئتلاف، وحتى لو لم تكن الحركة الإسسلامية جزءُ من القائمة المشتركة، لا يحق لها إرتكاب الخطئية، التي وقع فيها الناب عباس. اضف لذلك، ان مقولته حول العلاقة مع بيبي، التي عبر عنها كالتالي: ” بما انني اريد السلام، ونتنياهو لا يريد الحرب، يمكننا التحدث.” فهي مقاربة خاطئة جملة وتفصيلا، ومثيرة للإستغراب والإستنكار. لإن كل رؤساء حكومات إسرائيل منذ بن غوريون حتى الآن، جميعهم قادوا حكومات حرب، وممارسة الإستعمار بابشع اشكاله في داخل الداخل وعلى اراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران / يونيو 1967 وعلى عموم الشعب الفلسطيني، وكل عربي من المحيط إلى الخليج يرفع راية المشروع القومي العربي وعنوانه الأول تحرير الأرض الفلسطينية العربية. كما ان منصور عباس اخطأ فيما يتعلق بالحديث عن اليسار واليمين الصهيوني، لإن مقاربته كانت بعيدة عن المنطق، وفيها تبسيط، مع انه هو القائل في مقالته التي نشرها في 24 تشرين اول / اكتوبر الماضي، بأن الضرورة تملي عليه التعامل مع كل المكونات الإسرائيلية وفقا لمصالح الجماهير الفلسطينية. وهذا لا يستقيم مع منطق التقسيمات التي لجأ لها في العلاقة مع القوى الصهيونية.

طبعا قام عباس في مقالته المذكورة، بإعادة صياغتها بشكل اقل حدة. واستخدم تعبيرا مقبولا، عندما قال، انه كإنسان “يصيب ويخطىء، وعلى الجميع ان يتعاملوا مع ذلك بموضوعية ودون تحريض او إتهام” وهذا حقه، وهو في ذات الوقت إعتراف ضمني بالخطأ، الذي وقع فيه. وبالتالي إن كانت القوى الأربعة معنية بوحدة القائمة المشتركة، عليها التخفيف من حدة الإحتقان والتوتر، والعمل على تجسير العلاقات بين القوى المكونة للقائمة وخاصة الحركة الإسلامية، التي اكدت بلسان رئيسها تمسكها بالقائمة، ورفضها تفكيكها. لإن القائمة باتت من خلال المؤشرات في الواقع تعيش ازمة ثقة بينها وبين قواها، وبينها وبين الشارع الفلسطيني، وباتت استطلاعات الرأي تشير لذلك بوضوح، الأمر الذي يتطلب من الجميع إعادة توثيق عرى العلاقات بين قواها المختلفة.

وعليه تستدعي اللحظة السياسية من جميع القوى العودة لطاولة الحوار لبحث كل نقاط الإختلاف والتباين، والعمل على وضع اسس سياسية واجتماعية وثقافية وإقتصادية ناظمة للعلاقات المشتركة، وتحديد الممكن المشترك، واللا ممكن، مع فتح القوس في نقاط الإفتراق، التي تتعلق ومرتبطة بالجانب الفكري العقائدي للإجتهاد، وتسمح  لكل قوة ان تعبر عن نفسها بما يستجيب لخلفياتها، وتحديد طبيعة العلاقة مع مؤسسات الدولة الإسرائيلية، والتمييز بين هدف إسقاط نتنياهو وحكومته، وبين العمل اليومي ومصالح الجماهير الفلسطينية، وبين هدف إسقاط قانون كامينيتس، وبين إدارة العمل لإبعاد شبح القانون عن رقاب المدن والبلدات والقرى الفلسطينية العربية داخل ال48. لعل الأزمة الحالية تكون مدخلا لإعادة ترتيب بيت القائمة المشتركة، وتعزيز علاقاتها مع الشارع الفلسطيني لتحافظ على مكانتها ودورها كرافعة لمصالح الجماهير الفلسطينية في داخل الداخل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى