أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – العرب ودروس الهزائم

عمر حلمي الغول – 12/11/2020

في العديد من المنعطفات التاريخية القديمة والوسيطة والمعاصرة سقط العرب في وحول الهزائم وأفل نجمهم مع تفشي القحل والقحط الفكري والسياسي والثقافي، حتى تحولوا لعبيد بفعل ونتاج سياسات حكامهم الجبناء، الذين تخلوا عن محددات ونواظم قوتهم، وولوجوا متاهة  الملذات وصغائر الأمور، وحماية كرسي الحكم، أو حتى طردوا شر طرد من ممالكهم ودولهم كالكلاب الجرباء، وإرتضوا الذل والهوان، على ان يكونوا اسيادا في اوطانهم وديارهم. ومعادلات التاريخ لا ترحم من يخون ذاته ووطنه، ويبيع الأمة ومصالحها بثمن بخس، والعكس صحيح. قد يطفوا على السطح لحين من الزمن أولئك المتعهرين، إلا ان بقاءهم من عدمه، لإن صفحتهم السوداء دونت باحرف من بعر البعير. ورغم مرارة ولعنة الهزائم، لكنها لا تدوم، وتندثر بعد حين، وتعود عوامل النهوض إسوة بالدورة الإقتصادية.

نعم السياسة تقبل القسمة على المساومات. لكن هناك مساومات ومساومات، بعضها مشروعة في موازين قوى مختلة، والأخرى مرفوضة حتى لو كانت عوامل الإختلال في القوى تميل لصالح الأعداء. وتاريخ الصراع بين الدول والشعوب قدم نماذج عظيمة من الدروس والعِبر في مواجهة التحديات وغياب التكافؤ في معادلات القوة والضعف، وهناك اكثر من شرط لتعويض الضعف والتباين في منسوب القوة مع الأعداء، منها اولا تعزيز الوحدة في اوساط الشعب، وتجسير العلاقة مع المعارضة والقطاعات والنخب المختلفة؛ ثانيا المناورة واللجوء لسياسة تدوير الزويا، والإستفادة من الوقت لتطوير القدرات الذاتية الإقتصادية وغيرها من عوامل القوة، والبحث والإستقصاء عن نقاط الضعف عند الأعداء، ومحاولة الإستفادة منها؛ ثالثا إعتماد سياسة إعلامية وثقافية نشطة وهادفة لترشيد الوعي الجمعي لتحقيق حماية الشعب من حرب الإشاعات، وتوطيد دعائم الروح المعنوية دون مغالاة وتسطيح؛ رابعا استثمار العلاقات الإقليمية والدولية واللعب على تناقضات الأعداء مع خصومهم في الاقليم والعالم … إلخ

بيد ان الخضوع لإبتزاز الهزيمة الداخلية، والقبول بفتات المساومات الرخيصة، والتخلي عن مصالح الشعب والأمة مقابل البقاء في سدة الحكم المهزوز والآيل للسقوط في كل لحظة ومن قبل الأعداء ذاتهم قبل قوى الشعب الرافضة والمعارضة يفقد هذا النظام او ذاك اية إمكانية للصمود، والدفاع عن المصالح العليا للأمة. لإن فاقد الشيء لا يعطيه. ولإن قادة النظام عموما والحاكم الممسك بصناعة القرار فقدوا القدرة على التفكير خارج صندوق الإستسلام وبيع الوطن. وعندئذ تصبح الهرولة في طريق الإنهيار، والتخلي عن القيم والثوابت والقوانين امرأ مفروغا منه، كونهم روضوا سلفا انفسهم على التعايش مع الهزيمة والعبودية للآخر العدو، وهيأوا الذات وانصارهم عبر الإعتماد على النظرية الذرائعية الواهية والفاقدة للأهلية والمنطق.

والهزيمة بالأساس ترتكز على الخواء الداخلي، وفقدان الثقة بالذات، والإتكاء على بنية داخلية هشة، وغياب التكامل مع الأشقاء على كل المستويات، ليس هذا بل الإرتماء في احضان الأعداء، والتعاون معهم في تفجير الحروب البينية بين الأشقاء، وإنفاق ودائع الخزائن العربية على حروب لا تخدم مصالح الشعب او الأمة، لا بل العكس صحيح، كون إستخدامها تم إستنادا لإجندة الأعداء ومصالحهم واهدافهم الآنية والأستراتيجية. فضلا عن، ان بعض الأنظمة في العصرالحديث بنيت وإرتكزت على قواعد لا تمت لبناء الدول بصلة، وحكمتها معايير اولا التبعية للغرب الرأسمالي، وخضوعها لإملاءاته، وإن لبست ثوب التباين الشكلي معه لتسويق نفسها في الإطار القومي العام؛ ثانيا تاسست على قاعدة المحاصصة العشائرية والقبلية وبعيدا عن نظام المواطنة والقانون؛ ثالثا اقامت مؤسسة امنية بعيدة كل البعد عن مصالح الوطن المجازي، وخاضة لهيمنة وقرار صناع تلك الدول الكرتونية من دول الغرب الرأسمالي. وبالتالي لا وجود لدول بالمعنى الحقيقي للكلمة، انما هي محميات متناثرة لا تملك قرارها، ولا الحق في التصرف بأموالها، ومهددة في كل لحظة بتغييرها إن حادت عن التبعية المطلقة لا شبه المطلقة.

هذة الصورة المأساوية والسوداء تعيشها الأمة العربية الآن مع إنخراطها في الإستسلام المعلن أمام العدو الصهيو اميركي من قبل نخب فاقدة الأهلية الشخصية والوطنية والقومية، والتي تحتاج إلى إستنهاض القوى الوطنية والقومية صاحبة المصلحة في التغيير، والتشبيك مع القوى المناظرة لها في الأقطار العربية الأخرى، والإنتقال من الهزيمة إلى الخروج من براثنها وتداعياتها، والشروع بالتعافي إستنادا لبرنامج عمل على الصعد المختلفة الوطنية والقومية حتى بلوغ الإنتصار، وهزيمة الهزيمة بخلع كل الذين باعوا مصالح اوطانهم وشعوبهم والأمة عموما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى