أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – التضامن في زمن الكورونا

عمر حلمي الغول – 22/3/2020

مرت على البشرية في الزمن الحديث المعاش عدة أمراض وفايروسات خطرة، لكنها لم تشكل إرباكا وتوترا في بلدان العالم كما فايروس “كوفيد/ 19” (الكورونا)، ولم تشل الحياة الآدمية مثل الجائحة المنتشرة منذ نهاية العام الماضي 2019، حتى ان الشعوب ودولها وأنظمتها السياسية غرقت في كيفية حماية ذاتها من تداعيات انتشار الوباء. وتعثرت دول العالم الأول أسوة بدول العالم الثالث، لا بل أكثر منها، وتفشى الفايروس في اوساطها بشكل ملفت، وطال القيادات السياسية والعسكرية والنخب أسوة بأبناء الشعوب عامة.

ورغم ان الوباء فرض على الدول والشعوب اتخاذ إجراءات حمائية داخلية، دفعت بعضها للوقوع في خطر الإنزلاقات العنصرية، عندما صمت آذانها عن مساعدة دول تربطها بها وشائج التحالف الإستراتيجي، كما حصل مع بعض دول الإتحاد الأوروبي، وغيرها من الدول في القارات المختلفة. وساد منطق “اللهم إلا نفسي!”، وتسيدت نزعة “أنا اولا”، كما فعل الرئيس الأميركي ترامب. صحيح أن العقد الاجتماعي بين البنائين الفوقي والتحتي في كل الدول يحتم على الأنظمة السياسية حماية شعوبها، وتأمين شروط الأمن والأمان لها، وتوفير مستلزمات العيش الكريم. لكن حرب الجائحة الكونية لم توفر شعبا دون شعب آخر، وبالتالي المواجهة لخطرها تحتم على كل الأنظمة السياسية ولحماية البشرية تقديم يد العون والدعم للشعوب الأخرى في حال توفرت لديها الإمكانية لذلك. لأن عملية التكافل والتضامن بين بني الإنسان يعزز روح التحدي والمواجهة للوباء الخطر، ويحد من انتشاره، وتفشيه في اوساط المعمورة الإنسانية.

رغم هذه الصورة القاتمة نسبيا غير ان هناك لفتات هامة ذات دلالة إنسانية عالية، تعكس روح التضامن بأجلى صورها، ومنها الوقفة التضامنية الرمزية لابناء الشعب الفلسطيني امام كنيسة المهد تضامنا مع الشعب الإيطالي الصديق، وقبلها زيارة السفارة الصينية في رام الله من قبل العديد من القيادات والنخب للتعبير عن التضامن مع الشعب الصيني، والوفاء للصداقة العميقة بين الشعبين والقيادتين، والتضامن مع كل شعب من شعوب الأرض هاجمه الوباء بطريقة شرسة. وبالمقابل قامت الصين الشعبية بعد تعافيها من فايروس “كوفيد/ 19” بارسال طاقم طبي من المختصين مع مساعدات طبية للشعب الإيطالي، وايضا قدمت، وستقدم الصين الدعم والإسناد لشعوب اخرى ومنها الشعب الفلسطيني. وهذا يدلل على الروح الإنسانية العالية لدى القيادة والشعب الصيني الشجاع. كما وتحتل الرسالة التي وقعها 64 نائبا من اعضاء الكونغرس الأميركي يوم الثلاثاء الماضي (17/3/2020) والموجهة لوزير الخارجية الأميركي، بومبيو أهمية خاصة في عملية التضامن مع الشعب الفلسطيني. لا سيما وانهم دعوا الإدارة إلى معارضة سياسات دولة الاستعمار الإسرائيلية العنصرية المهددة للسلام، وتتمثل بهدم بيوت الفلسطينيين في الضفة عموما والقدس خصوصا، ورفض تمويل الولايات المتحدة لعمليات الهدم.

لكن ما دفعني أكثر للكتابة عن التضامن الإنساني الرائع، هو شريط الفيديو الذي سجله النائب في البرلمان الإيطالي، ميكيلي بيراس، عن الحزب الديمقراطي الحاكم، وارسله للشعب الفلسطيني من داخل العزل وحصار الكورونا الرهيب، ليؤكد تضامنه ووقوفه إلى جانب شعبنا في محنته ومصابه. لا سيما وانه يواجه حربين شرستين حرب الكورونا، وحرب الإستعمار والعنصرية والكراهية الإسرائيلية، رغم تفشي الوباء في اوساط الشعب الإيطالي بطريقة دفعت رئيس الوزراء، لان يقول: “عملنا كل ما بوسعنا لمواجهة الفايروس طبيا، ولم يبق لدينا ما نقدمه، والباقي متروك للسماء.”

والتضامن الأخوي والإنساني الثاني، الشريط الذي ارسله الفنان الوطني والقومي التونسي، لطفي بوشناق لأشقائه الفلسطينيين، ليعلن لهم عن وقوفه معهم في المحنة الخطرة. مع ان الشعب الشقيق في تونس يواجه التحدي الوبائي ذاته.

هذه اللفتات الإنسانية الرائعة تعكس عمق إنسانية الإنسان، وعظم عطاء أولئك البشر، الذين يتفوقون على كل النزعات اللاإنسانية، وفي مقدمتها العنصرية الكريهة، التي ينفثها صباح مساء المحتلون ضد الشعب الفلسطيني المدافع والمكافح دفاعا عن حريته واستقلاله وحقه في العودة وتقرير المصير. كم هي رائعة تلك الومضات العاكسة لروح المحبة والتضامن والتكافل والتعاضد بين بني الإنسان، والتي تساوي باهميتها كل اشكال الدعم المادي المحسوبة، والمرتهنة لأوامر الأسياد في أميركا وإسرائيل عند بعض العرب.

من المؤكد بهذه الروحية التساندية ستنتصر فلسطين وشعبها وقضيتها، لانها ليست مقطوعة الجذور، بل هي تمتد في اوساط شعوب الأرض كلها. وبها ستنتصر البشرية في مواجهة التحدي الجاثم على صدر البشرية في هذه المرحلة (الكورونا).

شكرا للمناضل الأممي نيراس، وشكرا للفنان العربي الأصيل والمبدع لطفي بوشناق، وشكرا لكل إنسان وقف إلى جانب الإنسان في اي مكان من العالم دفاعا عن حرية وكرامة الإنسان. وشكرا للصين على روح التضامن العالية، التي تتمتع بها، ولم تواجه العنصرية ضدها بنزعات الإنطواء على الذات، ولم تقل و”انا مالي”، بل مدت مباشرة يدها لمساندة الشعوب المحتاجة لدرء الخطر المهدد للبشرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى