أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – التاريخ أقوى من الديماغوجيا

عمر حلمي الغول  – 17/10/2020

من لا يتعلم من التاريخ، لن يتعلم أبدا، وسيبقى جاهلا وأميًّا حتى لو تربع على عرش أعظم إمبراطورية، لأنه سيفنيها ويدمرها بغبائه، واميته، لأن دروس التاريخ كانت وما زالت المعلم الأهم والأقوى للبشرية جمعاء. ويخطئ من لا يقرأ تجربة شعبه وأمته، وتجارب الأمم الأخرى لينهل منها، ليتفادى مصائر المهزومين والمنفيين من ذاكرته، وإن بقيت، فإنما لتكون عبرة للآخرين.

ما بالنا ونحن نقف أمام مستعمر لا يملك نصيبا من التاريخ، ولا كان يوما له مكانة الشعب أو الأمة فيه، بل جاء طارئا، ومنقولا بسفن الآباء المستعمرين ليعمل أجيرا في غزو شعب راسخ وثابت في ارضه على مدار حقب التاريخ، وهندسوا له “رواية” قائمة على التزوير والنفاق، بعد أن استقر خيارهم على “إقامة وطن قومي” لاتباع الديانة اليهودية الصهاينة في فلسطين التاريخية، لا سيما وان مشاريع التخلص من المسألة اليهودية، واستثمار الصهيونية في خدمة اغراضهم الاستعمارية خضع لجملة سيناريوهات لـ “بناء” ذلك الوطن الإفتراضي بدءا من الأرجنتين إلى اوغندا وغيرها من دول العالم، حتى استقر مشروعهم في فلسطين لتصفية حساب تاريخي مع العرب، والذي تجسد في نكبة العام 1948 على حساب الشعب الفلسطيني. بتعبير دقيق دولة المشروع الرأسمالي الغربي الصهيونية حديثة العهد ما زالت تعيش أزمة ثقة عميقة بشأن مستقبلها وبقائها بين مكوناتها المأجورة.

وعطفا على ما تقدم، نتنياهو المتهم بالفساد في خطابه امام الكنيست يوم الخميس الماضي الموافق 15/10/2020 لتمرير اتفاقية استسلام دولة الإمارات العربية قال جملة سياسية تعكس مدى إفلاسه وجهله السياسي والتاريخي، عندما قال: “في منطقتنا يبقى الأقوياء .. يحترم فقط الأقوياء”. وتابع “يصنع الأقوياء تحالفات بينما يداس الضعفاء”. ويعمق فكرته المتغطرسة الهوجاء باستنتاج قاصر، ولا يرتكز على ابسط مبادئ السياسة والتاريخ، عندما شط بأوهامه قائلا: “يوما ما سيعترف بنا الفلسطينيون وباسرائيل كدولة قومية يهودية”. وأضاف في مكان آخر “السلام مع الدول العربية سيساعد على إنهاء الصراع مع الفلسطينيين”.

وأود ان اسأل رئيس حكومة الإستعمار الإسرائيلية: ما هي معايير القوة؟ وكيف يمكن تقييم القوة السياسية؟ هل بالأسلحة والأساطيل وممارسة ابشع اشكال الإستعمار لشعب آخر، أم بالإعتماد على قوى الغرب الرأسمالية عموما وأميركا خصوصا؟ وهل بالديماغوجيا والثرثرات اللامسؤولة يصنع التاريخ؟ وهل استسلام دول عربية أمام سطوة وجبروت الغرب الأميركي يندرج كمعيار للقوة؟ ومن قال ان الشعب الفلسطيني سيقبل يوما نفي روايته لصالح روايتك المزورة والمرفوضة من التاريخ والجغرافيا والقانون والمنطق؟

وقبل ان ارد، سأقتبس ما قاله العميد درور شالوم يوم الجمعة الموافق 9/10/2020 عندما كان يتحدث في تقريره المرفوع للحكومة عن الأخطار، التي تهدد وجود دولة إسرائيل، فقال: “هناك خطران مركزيان على إسرائيل: التهديد الإيراني (ولي رأي فيه) وخطر إنهيار السلطة”، وهو يقصد خطر المسألة الفلسطينية، خطر الوجود الفلسطيني، وليس انهيار السلطة فقط، وهو ما عاد وعبر عنه في تقريره، الذي ترجمه الأسير ناصر ناصر (سجن ريمون)، عندما أكد انه يخالف نتنياهو بإدعائه “ان القضية الفلسطينية أصبحت شيئا من الماضي” لأنها من وجهة نظر شالوم بـ “مثابة القنبلة الموقوتة” ان لم يتم منح الشعب الفلسطيني حقوقه السياسية الممكنة والمقبولة. ويبدو ان سنوات وقوف زعيم الليكود على رأس الائتلاف الحاكم زمنا اطول من رئيس الوزراء الأول للدولة الصهيونية، ديفيد بن غوريون لم يعلمه شيئا، وبقي مسكونا بهواجسه الخاصة وبنهب الدولة الصهيونية مع زوجته وابنائه.

مع ذلك اود ان اذكر نتنياهو المتهم بالفساد، ان ما يزيد على قرن من الزمان والصراع محتدم لإقصاء ونفي الشعب الفلسطيني وروايته، لكنه بقي صامدا، ولم تفت في عضده، بقي راسخا متجذرا في ارض الآباء والأجداد، رغم النكبة، ورغم النكسة، ورغم الحروب والويلات وجرائم الحرب والمجازر الوحشية، ليس هذا فحسب، بل امتشق معول الكفاح المسلح والشعبي والسياسي والديبلوماسي للدفاع عن حقه في الحياة، ولم يستسلم للحظة عن حقوقه وروايته التاريخية.. نعم قدم تنازلات كبيرة جدا لصالح بلوغ السلام الممكن والمقبول، لكنه لم يرفع الراية، ولن يستسلم حتى لو رفع كل اهل النظام العربي الرايات البيضاء، ولو فاز ترامب بولاية ثانية، واستخدم ابشع اشكال الضغط والبطش، ولو استخدمت العائلات الـ13 اليهودية الصهيونية من روتشليد إلى روكفلر إلى آخر مسمياتها كل اموالها وإختراعاتها لن يتخلى الفلسطينيون عن روايتهم التاريخية. هنا القوة، وهنا مربط فرس التاريخ، وهنا عظمة الشعوب والأمم الأصيلة، اما الجماعات الطارئة، والوظيفية المأجورة كالحركة الصهيونية، فلن يكون لها تاريخ، حتى لو اختطفت منه (التاريخ) عقود من الزمن قليلة.

القوة ايها النرجسي الصهيوني ليست بعدد القوات ولا الأساطيل، ولا بعدد المجازر والحروب، ولا باستسلام من ليس له شأن بالأرض والتاريخ، القوة بامتلاك ناصية التاريخ والحق والعدالة، والعمل على بناء ركائز السلام الحقيقي، بالتالي من يقرر هم الفلسطينيون في المنطقة كلها، وليس على مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لأن قضيتهم أم القضايا العربية، وهي عنوان اساسي للمشروع القومي العربي النهضوي، ومن لا يعرف ذلك يكون جاهلا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى