أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – إمكانية تشكيل حزب مختلط

عمر حلمي الغول – 6/12/2020

شرع بعض النشطاء من الفلسطينيين والإسرائيليين داخل دولة إسرائيل الاستعمارية في المبادرة لتشكيل ائتلاف جديد لدخول حلبة الانتخابات البرلمانية القريبة القادمة إلى جانب القوى والكتل الحزبية الأخرى. وجاءت الفكرة بعد سلسلة لقاءات عديدة، والتواصل بين نخب ذات رصيد سياسي واجتماعي وثقافي وبرلماني من الجانبين، وتبادل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي رسائل لتبادل الأفكار الأساسية الناظمة لعملهما، التي يمكن اعتبارها بمثابة الوثائق المحددة لأسس الشراكة والتعاون بينهما، مع ضرورة إغنائها وتطويرها بحيث تكون واضحة الملامح سياسيا وقانونيا وديمقراطيا وتاريخيا.

مما لا شك فيه، أن هذه الخطوة ليست جديدة بالمعنى الدقيق للكلمة، ولكن القوى والنخب المختلفة في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني كانت تتهيب الإقدام عليها، رغم أن غالبية القوى الصهيونية ضمت شخصيات فلسطينية عربية، وأيضا قوى فلسطينية بطابعها الأساسي ضمت شخصيات إسرائيلية، مثل الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (الحزب الشيوعي). بيد أن الخطوة الجديدة أكثر وضوحا، واقترابا من ملامسة الواقع القائم، ومحاولة جادة لكسر التابوتات الصنمية الصهيونية المتطرفة، التي تعمل على الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين المؤمنين بخيار العدالة والمساواة والديمقراطية والسلام، ورفض العنصرية وعنوانها الأبرز “قانون القومية الأساس”.

هذه المحاولة المحفوفة بالمصاعب والتعقيدات، لا يمكن لغالبية القوى الإقدام عليها، وغالبيتها تخشى مجرد التفكير بها، بعضها لرفض الفكرة من الأساس، خاصة من القوى الصهيونية، التي تعتبرها نقيضا للفكرة الصهيونية ومشروعها الكولونيالي، والبعض الفلسطيني القومي يفترض فيها تساوقا مع المشروع الصهيوني، وتغييبا لحقائق الصراع الفلسطيني العربي الصهيوني. ونموذج من هذه القوى الصهيونية، التي تدعي أنها جزء من “اليسار”، وأقصد حزب “ميرتس”، الذي تقدم خطوة للأمام نحو الفكرة، لكنه بعد إجراء استطلاع داخل صفوف حزبه تراجع عنها، بعدما تبين أن هكذا خطوة ستضعفه، وتبعد عنه أنصاره من الصهاينة، حسبما أفادت صحيفة “هآرتس” يوم الأربعاء الماضي.

وتبين للصحيفة من الاستطلاع، أن 0.7% من ناخبي الأحزاب الصهيونية المصنفة بـ “يسار– الوسط” سيصوتون لحزب “فلسطيني– إسرائيلي”، في حين قالت نسبة 21.6% من المستطلعين إنها تفكر في إمكانية التصويت لقائمة، تضم تشكيلة متساوية من الجانبين، ومواقفها تتراوح بين مواقف حزب “هناك مستقبل” (يش عتيد) والقائمة المشتركة. وقال أحد قادة “ميرتس” على ضوء نتائج الاستطلاع، إنه “لا يوجد لخطوة كهذه أي احتمال” بالنجاح. وهذا الاستنتاج يعكس إسقاطا رغبويا إرادويا للمسؤول الميرتسي.

من المؤكد أن الخطوة تحمل في طياتها مغامرة محسوبة، وهي اختراق جديد لمنظومة العمل الكلاسيكية القائمة في الدولة العبرية، وبرأيي أن قيمة الخطوة، في حال تمكن القائمون عليها من تشكيل ائتلاف مقبول من الشارعين الفلسطيني والإسرائيلي الداعم لخيار السلام والديمقراطية والرافض للعنصرية، وبغض النظر إن تجاوز أو لم يتجاوز نسبة الحسم في الانتخابات القادمة مطلع 2021، فإنها تكون قد كرست نفسها في المشهد السياسي والحزبي كقوة مشاركة في المشهد، وصاحبة صوت محدد، وذات ملامح خاصة مغايرة لكل الأصوات القائمة من الجانبين تقريبا. وهروب “ميرتس” من التجربة، يعود لعدم تمكنه من الخروج عن الثوابت الصهيونية، وأيضا في ذات الوقت، لا يريد لهكذا ائتلاف الوجود، لأنه سيسحب البساط من تحت أقدامه أسوة ببعض القوى الصهيونية المحسوبة على ما يسمى “يسار– الوسط” أو حتى بعض القوى السياسية الفلسطينية.

كنتيجة استشرافية لمستقبل هكذا ائتلاف، يمكن الجزم أنها تحتاج إلى مزيد من الوقت، وإلى عملية إنضاج للوعي الجمعي بأهميتها وضرورتها لاختراق جدار الصهيونية الرجعية، والمعادية للسلام، والساعية لتأبيد الاستعمار على كل الأرض الفلسطينية. وتواجه تحديات كبيرة وشائكة تضع فرضية عدم تجاوز نسبة الحسم أولوية. بيد أن ذلك، ليس مهما، المهم تكريس التجربة في الواقع، والتأصيل لها، والعمل على استقطاب قوى ونخب جديدة من خلال تجربتها العملية، وانتشارها في اوساط التجمعات الفلسطينية العربية والإسرائيلية بتلاوينها المتعددة والمتشعبة لتكريس ذاتها كعنوان للسلام والمساواة ومعاداة العنصرية، ومحاصرة سياسات اليمين الصهيوني المتطرف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى