أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – أهمية إلغاء اتفاقية القناة

عمر حلمي الغول – 23/6/2021

في السابع عشر من حزيران/ يونيو الحالي، أعلنت المملكة الأردنية تخليها كليا عن مشروع “قناة البحرين” الرابط بين البحرين الميت والأحمر، والذي أعلن عنه عام 2002 في قمة الأرض للبيئة والتنمية، الذي عقد في جوهانسبرغ/ جنوب أفريقيا، وقوبل في حينه بالرفض العربي العام لاعتبارات سياسية واقتصادية وبيئية. رغم ذلك تابعت كل من الأردن وإسرائيل المشاورات، وتم استقطاب السلطة الوطنية للانخراط في المشروع، حتى أصبح يضم الدول الثلاث، وتم التوقيع على المشروع عام 2005، وفي كانون الأول/ ديسمبر 2006 أعلنت الأطراف الثلاثة عن تدشين المرحلة الأولى من خلال إطلاق دراسة جدوى لشق القناة، ووفق الدراسة، التي أعدها البنك الدولي فإن تكلفة المشروع تبلغ 11 مليار دولار أميركي.

ولا أود الخوض في خلفيات الشركاء الثلاثة لإنشاء المشروع، والذي أعتقد، أن إسرائيل والولايات المتحدة مهدتا ووقفتا خلف الترويج له، وأقنعتا الأردن بأهميته، ودفعتاه لتبنيه وتسويقه، ومن ثم استقطبتا السلطة الوطنية بعد الاحتجاجات الفلسطينية والعربية على المشروع، الذي شاءت إسرائيل من ورائه إبعاد السلطة، الدولة المشاطئة الأساس للبحر الميت على طول 37 كيلو مترا من أصل 50 كيلو مترا طول البحر الميت، وتغييب حضورها السياسي، مع ما لذلك من تداعيات اقتصاديا وبيئيا (بإمكان القارئ العودة لتفاصيل المشروع من مصادر عدة).

المهم شعرت القيادة الأردنية أن القيادة الإسرائيلية تماطل، وتسوف وتحاول ابتزازها، لذا بعد عقدين من الزمن أعلنت بلسان وزير المياه الأردني، محمد النجار أنه “على ضوء عدم التوافق بين الأطراف، فإن مشروع قناة البحرين تحول إلى شيء من الماضي”. أي لم يعد قائما، وعليه ستركز المملكة الجهود على مشروع “الناقل الوطني” الخاص بالأردن، ولا يرتبط به أي فريق آخر. وخيرا فعلت قيادة المملكة في هذا الصدد، لأن إلغاء المشروع فيه خدمة للأردن وفلسطين ومصر والعرب لأكثر من سبب، منها:

أولا: إن هدف إسرائيل من مشروع القناة الرابط بين البحرين الميت والأحمر خدمة مشروعها الاستعماري الاستراتيجي لجهة 1- إبقاء نفوذها وسيطرتها على الأغوار الفلسطينية؛ 2-  رفض الانسحاب من الأغوار، وبالتالي رفض إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس، وتطبيق “صفقة القرن” الترامبية؛ 3- خدمة مشروعها النووي في النقب، وبناء مفاعلات نووية جديدة في المنطقة؛ 4-  تطوير وتأهيل النقب لاستيعاب مستعمرين جدد على حساب القرى الفلسطينية غير المعترف بها؛ 5- الهيمنة الكاملة على مياة البحر الميت واستغلالها لصالح الاقتصاد الإسرائيلي؛ ثانيا لاحقا وتعميقا لمشروع القناة، يتم ربط البحر الميت بالبحر المتوسط، وهو ما يعني تهديدا للأمن القومي المصري، وتهديدا للأمن الاقتصادي المصري، لأن ذلك يهدف لضرب مكانة قناة السويس الاستراتيجية؛ ثالثا يمثل عنوانا مركزيا لتوسيع وتعميق عملية التطبيع العربي الرسمي المجاني مع دولة الاستعمار الإسرائيلية؛ رابعا فرض الهيمنة الاستراتيجية الإسرائيلية على الشرق العربي كله، ويشكل مرحلة متقدمة من الهيمنة السياسية والاقتصادية والأمنية على الوطن العربي الكبير؛ خامسا يمثل المشروع تهديدا حقيقيا للبيئة في الإقليم لجهة: تغيير جذري في التركيبة الفريدة للبحر الميت، وإمكانية تلوث المياه الجوفية في وادي عربة جنوب شرق فلسطين في حال تسربت المياة المالحة من الأنابيب الناقلة لمياه البحر الأحمر للبحر الميت.

النتيجة أن يأتي وقف وإلغاء المشروع متأخرا خير من ألا يأتي. نعم فإن القيادة الأردنية من خلال تركيز جهودها على الناقل الوطني تستطيع أن تعوض احتياجاتها من المياه. كما أنها تستطيع أن تقيم مشاريع تحلية مياه على البحر الأحمر في العقبة تعوضها عن النقص في كميات المياه في المملكة، وهي أوفر لها ماليا، وأكثر فائدة اقتصاديا ومائيا، كونها تستطيع إنتاج كمية المياه، التي تريدها، وبإمكانها تغذية الأغوار بالمياه، وأيضا يمكن أن تفتح أمامها آفاقا واسعة لإنشاء مدن ومشاريع سياحية جديدة وفقا للدراسات والخطط الاستراتيجية العمرانية والاقتصادية الأردنية، وتعفي نفسها من تحمل أية تبعات تمس بأمن الشقيقة مصر أو أية دولة شقيقة. لذا أعتقد أن الخطوة الأردنية خطوة مهمة وضرورية وشجاعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى