أقلام وأراء

عمر الرداد يكتب – بايدن والشرق الأوسط :موت مقاربة الرابحين والخاسرين في المنطقة..عمر الرداد

بقلم عمر الرداد – 11/12/2020

لم يتبق الا أيام  على تسلم الرئيس المنتخب “بايدن” سلطاته قائدا لأمريكا، وفي الشرق الأوسط غالبا ما يتم النظر بمعايير محلية للتغيير في الرئاسات بالدول الغربية، استنادا لصورة “الحاكم” في  المنطقة وما يتبعه من إجراءات وسياسات انقلابية تدلل على عمق التغيير، فيما يتناسى هذا الشرق الأوسط ان عنوان الرئيس الأمريكي المنتخب وحزبه الديمقراطي إعادة الاعتبار للقيم الأمريكية بالحرية والعدالة والتنوع والديمقراطية، والتي يتهم الرئيس السابق”ترامب” بأنه انقلب عليها ،وحول الرئاسة الأمريكية الى رئاسة بدت وكأنها نموذجا من نماذج العالم الثالث.

 بايدن سيمارس صلاحياته بما فيها سياساته الخارجية  في إطار مؤسسات عميقة يتم إعادة الاعتبار لها، بمرجعيتين وهما: إرث الحزب الديمقراطي بالتركيز على الديمقراطية والعدالة ومنظومات حقوق الإنسان، والبناء على “إنجازات وإخفاقات” تحققت خلال السنوات الأربع الماضية تجاه قضايا الشرق الأوسط،ترتبط بملفات :إيران،تركيا ،السعودية ،مصر،العراق وسوريا بالإضافة للقضية الفلسطينية، والملفات المتعلقة بالإرهاب، غير ان تلك السياسات ستكون اكثر حضورا في علاقات امريكا مع الصين وروسيا والاتحاد الاوروبي.
 الأطراف الفاعلة في هذه الملفات بدأت باتخاذ سياسات وإجراءات تستجيب لمتطلبات التغيير في الإدارة الأمريكية، وتحت عناوين إظهار المرونة والتكيف الاستراتيجي، من خلال تخفيض مستوى العنف والصدام “وتبريد” ساحات الصراع، والالتفات لمقاربات حقوق الإنسان، إدراكا منها بان “فيديو” لقضية حقوقية يمكن أن يولد أزمة في علاقة في علاقة أية دولة مع الولايات المتحدة.
واستنادا لتلك ” المؤسسية” الأمريكية يبدو الحراك الإيراني اليوم بما فيه التعاطي مع قضية مقتل “زادة” العالم النووي الإيراني يخضع لمقاربة الاستعداد للصفقة المتوقعة مع أمريكا بتحسين شروط إيران وموقعها التفاوضي، في ظل إدراك انه حتى مع بايدن فلن تكون هناك عودة للاتفاق السابق، بل ان قضيتي التدخل الإقليمي لإيران بالإضافة لبرنامجها الصاروخي ستكون ضمن اي اتفاق جديد”ثغرات الاتفاق السابق” وربما تملك القيادة الإيرانية مساحات مناورة لتعدد أوراقها التفاوضية ما بين ملفات “النووي والصاروخي، والدور الإقليمي الواسع، والعلاقة مع الإرهاب، إضافة للعلاقة مع روسيا والصين، والعلاقات غير العدائية مع غالبية الدول الأوربية”، هذا بالإضافة للتحولات العميقة داخل القيادة الإيرانية التي أسفرت عن جعل تيار التشدد يبدو أكثر تشددا في المطالبة بالاتفاق النووي، بعد ان اتهم موقعيه عام 2015 بالخيانة.
وبالتزامن فان انقلابات تشهدها السياسات التركية عبر تبريد الكثير من الملفات في سوريا ومع الأكراد وفي ليبيا وشرق المتوسط، إدراكا لغياب الحليف الأمريكي  “ترامب” واستشعارا لقوة الموقف الأوروبي بعد قدوم بايدن،هذا الموقف الذي يتجه لمواجهة اقتصادية وعقوبات ستفرض على تركيا، تتزامن مع توجهات أمريكية في مجلسي النواب والشيوخ وفي البيت الأبيض، “تتوعد ” بمعاقبة تركيا، في وقت تضيق فيه مساحات المناورة أمام القيادة التركية، التي ستكون بوضع لا تحسد عليه لمواجهة الحقيقة والإجابة على تساؤلات ربما لا تنفع معها براغماتية” الرئيس التركي”اردوغان” وسرعة انقلاباته على مواقفه وتحولاته، ومؤكد ان ملفات ستفتح في إطار”المحاسبة والمعاقبة” تتراوح ما بين قضايا حقوق الإنسان، وادوار تركيا “المزعزعة” للاستقرار في المنطقة،وتوثيق تحالفها مع روسيا،بصفقة صواريخ اس 400،غير إن الأهم بالنسبة لتركيا أن علاقاتها كانت راسية مع الرئيس ترامب وليس مع المؤسسات الأمريكية.
أما الدول العربية، فستكون علاقاتها في إطار مقاربتين مع أمريكا، الأولى: منظومات حقوق الإنسان والديمقراطية وقضايا الإصلاح ، وهي ملفات تشمل غالبية الدول العربية، تلك الملفات التي لم تكن أولوية لدى الإدارة الأمريكية السابقة،وقد يتم خلالها فتح ملفات قضايا يفترض تم إغلاقها،والعلاقات التي بنيت مع الإدارة السابقة في كافة المجالات، وهي علاقات موضع “تحفظ” من قبل الديمقراطيين، كانت مع الرئيس الأمريكي “ترامب” وليس مع الدولة المؤسساتية الأمريكية، والثانية: الموقف العربي من اتفاقات التطبيع مع إسرائيل، وهي التي سيبني عليها الديمقراطيون باتجاه توسيعها وتعزيزها في إطار التزام أمريكي تجاه إسرائيل،سيتضمن إعادة إنتاج”صفقة القرن” بصيغ جديدة، بعد إجراءات تبدو تخفيفا للضغط على السلطة الفلسطينية.
موت مقاربة الرابحين والخاسرين بدأت إرهاصاتها مع تأكيد فوز الديمقراطيين، وعبر جملة عناوين”استئناف العلاقات الفلسطينية- الإسرائيلية، تسريبات حول مصالحة خليجية مع قطر،وأخرى سعودية مع تركيا، رسائل إيرانية بالجملة من داخل إيران وفي مناطق نفوذها، وخطابات دافئة بين إيران وخصومها في الخليج…..”والراجح ان تلك الإرهاصات ستتحول الى سياسات وقرارات، عنوانها دور إقليمي جديد لإيران الجديدة، مقابل تراجع ادوار أطراف أخرى في المنطقة في مقدمتها تركيا،فيما ستكون ورقة العلاقات والتطبيع العربي مع إسرائيل الورقة الأقوى لدى الحكومات العربية خاصة في دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى