أقلام وأراء

عمرو فاروق: الإسلام السياسي والحوار الوطني في القاهرة

عمرو فاروق ١٩-٧-٢٠٢٢م

تستكمل القاهرة في الأيام المقبلة جلسات حوارها الوطني الشامل، مع النخب الفكرية والسياسية المؤيدة والمعارضة، بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وذلك في إطار الاستماع لمختلف الآراء حول الكثير من القضايا المعنية بالشؤون الداخلية للدولة المصرية ومقتضياتها ومتطلباتها المرحلية والمستقبلية، والتي من المفترض أن تنتهي بتوصيات، تترجم في شكل مخرجات وقرارات سياسية وسيادية.

لا شك في أن أخطر ما تعرضت له الدولة المصرية على مدار السنوات الماضية، وما سبقها في مرحلتي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، يتمثل في التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي شهدها الشارع المصري، والتي لا يمكن فصلها عن قضية “الإسلام السياسي” وتوجهاته الفكرية.

من الطبيعي أن يتم استثناء جماعة “الإخوان المسلمين” من المشاركة الحوارية بعد سجال حسمه الرئيس السيسي، لأسباب عدة، ربما أهمها أنها تنظيم سرّي وليست كياناً سياسياً، فضلاً عن تبنيها لمشاريع استعمارية، وتوجهات فكرية لا تتفق مع البنية الوطنية للدولة المصرية، وقناعاتها التامة بحمل السلاح وقتال مخالفيها.

يأمل كثيرون بأن تندرج تحت مظلة “الحوار الوطني” مشاركات فعالة تتناول قضايا “الإسلام السياسي”، في ظل صدامها المباشر وتشابكها مع الواقع المعاصر، والإعلان عن مشروع فكري قومي شامل يضم مختلف النخب المعنية بعملية المواجهة وحماية الهوية الثقافية والفكرية للشارع المصري، بعيداً من حصر الإشكالية في جماعة “الإخوان المسلمين”، والانسياق خلف أطروحات فناء كيانها التنظيمي، وتيبّس مشروعها الفكري.

في إطار مواجهة كيانات الإسلام الحركي والحد من مخاطرها على الواقع المصري، من دون قصرها على المحور الأمني أو المحور التنموي (رغم أهميتهما بالتأكيد)، قدمت أخيراً إلى “الأكاديمية الوطنية للتدريب” المعنية بالإشراف على جلسات “الحوار الوطني”، ورقة بحثية ضمت مجموعة من التوصيات، ربما أهمها:

1- ضرورة الإعلان عن تشكيل “المجلس القومي لمواجهة التطرف والإرهاب”، وتدعيمه بعناصر مدنية وبحثية متخصصة في المجالات المعنية بعملية المواجهة، وتدشين مقار ومكاتب خاصة به في مختلف المحافظات، بعيداً من الدور المنوط بالمجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب الذي يضم ممثلي الجهات التنفيذية وقيادات الأجهزة الأمنية، وفقاً للقانون الرقم 25 لسنة 2018.

2- بناء “كيان تنويري”، كمشروع تنفيذي عملي (تابع للمجلس القومي لمواجهة التطرف والإرهاب)، معني بتأهيل وتوعية طلاب المراحل الجامعية من مخاطر الجماعات المتطرفة وتأثيراتها البالغة على سلامة المجتمع وأمنه، من خلال الندوات والدورات الثقافية، مع إيجاد لجان أو فروع تابعة له داخل الجامعات تشرف على نشاطه، فضلاً عن إقرار مناهج دراسية (مود ثقافية ملزمة)، تفند الانحرافات العقائدية والاستدلالات الفكرية لتيارات “الإسلام السياسي”، مثل نظريات الحاكمية وجاهلية المجتمع وتوظيف القوة في بناء دولة الخلافة، وغيرها.

3- العمل على تدريس التاريخ الدموي للجماعات المتطرفة، ضمن المناهج التعليمية لتلامذة المراحل الإعدادية والثانوية في إطار استمرارية معركة الوعي، واستثمار مادة “الرواية الأدبية” المقررة عليهم في تناول الإشكاليات الفكرية للجماعات الأصولية وتيارات “الإسلام السياسي”، بشكل درامي، بخاصة أن قطاع المراهقين يمثل الجمهور الأكثر تفاعلاً مع الرواية الأدبية الشبابية، فضلاً عن أنه الفئة الأكثر استقطاباً واستهدافاً من قبل الجماعات المتطرفة.

4- إطلاق “أكاديمية مواجهة التطرف والإرهاب”، تحت إشراف الرئيس عبد الفتاح السيسي، وينحصر دورها في منح المنتسبين إليها، ديبلومات متخصصة في مواجهة التطرف والإرهاب، وتستهدف القائمين على العملية التعليمية (وزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي)، وكذلك العاملين في الجهاز الإداري للدولة، بما يضمن حماية هذه المؤسسات من عملية الاختراق الفكري أو التنظيمي، فضلاً عن مختلف الفئات الشبابية، وفقاً لشروط الالتحاق المناسبة.

5- صناعة “ذاكرة تاريخية” تلفزيونية خاصة بالدولة المصرية ودروها في مواجهة التطرف والإرهاب، على مدار تاريخها، حتى تمثل شهادة موثقة للأجيال المقبلة فيما تبذل الحكومة المصرية وأجهزتها جهوداً لتجفيف منابع هذه الجماعات والحد من مخاطرها الفكرية والتنظيمية.

6- استثمار المادة الحوارية المتلفزة، والمناظرات الفكرية التي تم أجراؤها أو عقدها، مع العناصر التكفيرية والمتطرفة داخل السجون أو خارجها في مرحلة الثمانينات والتسعينات، والاستفادة منها في تهيئة الرأي العام في إطار المعركة الفكرية.

7- التوسع في إنتاج الدراما الوطنية، التي تستهدف التاريخ الإجرامي للجماعات المتطرفة، من دون قصر القضية على جماعة “الإخوان” أو على أحداث 30 حزيران (يونيو)، إذ إن القماشة الدرامية في وقائع العنف المسلح التي مرت بها الدولة المصرية كثيرة، ويمكن الاستفادة منها على سبيل المثال وليس الحصر: قضية اغتيال الشيخ الذهبي على يد جماعة “التكفير والهجرة”، وقضية تنظيم “الفنية العسكرية”، بقيادة صالح سرية وطلال الأنصاري، وقضية تنظيم “الشوقيون”، وقضية مذبحة أسيوط 1981، وقضية اغتيال الرئيس أنور السادات والدور البارز للتكفيري محمد عبد السلام فرج، وغيرها.

8- تشكيل لجنة من الفاعلين في المؤسسات الدينية، بتقديم “موسوعة فقهية” ميسرة، تستنبط أحكامها بما يتوافق مع التطورات والتغييرات التي طرأت على المجتمع وقضاياه في ظل تبدل الواقع واختلاف الأزمنة مع مراعاة قيم ومقاصد الشريعة، وكذلك تقديم مشروع لـ”تفسير القرآن الكريم”، وشروح معانيه وآياته في إطار حالة التجديد والاجتهاد الفكري المعاصر.

9- إبراز دور مدارس وأكاديمية “التصوف المتشرع” في مواجهة “التيارات السلفية”، التي لا تزال متجذرة في عمق الشارع المصري، وتعمل على صناعة دوائر مجتمعية “داعشية” الهوى، في ظل عولمة “الاستقطاب الافتراضي”، عبر منصات الإعلام الرقمي، وتأسيسها مؤخراً لمئات “الأكاديميات السلفية”، مع إعادة النظر في الأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية، التي تخالف نصوص المادة 74 من الدستور المصري، والبت في الدعاوى القضائية التي طالبت مراراً بحظرها.

10- تفعيل مراكز ولجان النصح والمساعدة، للتأثير في قناعات النماذج الأصولية داخل السجون، حتى لا تتحول السجون إلى مفرخة للنماذج المتطرفة بشكل غير مباشر، مع إتاحة تفعيل دور هذه اللجان في الداخل المجتمعي، لاحتواء أكبر قدر من القطاعات الشبابية، ومعالجة الأزمات النفسية والاجتماعية، لا سيما في ظل ارتباط الانتماء الفكري للجماعات المتطرفة بالعوامل النفسية والاجتماعية.

11- إنتاج سلاسل فكرية متكاملة بأسعار رمزية، تخاطب الأجيال الشبابية، وترسخ لمفاهيم الدولة الوطنية، وتتناول إشكاليات “الإسلام السياسي”، اعتماداً على الهيئة العامة للكتاب، ومؤسسة “دار المعارف”.

12- إقامة مسابقات دورية لاختيار أفضل الروايات الأدبية الشبابية، التي تتعرض للانحرافات الفكرية للجماعات المتطرفة، واختيار أفضلها وضمها للمناهج الدراسية الخاصة بتلامذة المراحل الإعدادية والثانوية، وطرح بعضها للجماهير.

13- الاعتماد على “مراكز الفكر الافتراضية”، في وقف موجات الزحف الفكري عبر وسائل السوشيال ميديا الحديثة، التي تروج للخطاب المتطرف، سواء من الداخل أو الخارج، وتستهدف تغيير البنية الفكرية والهوية الثفافية للمجتمع المصري والعربي.

14- تأسيس منصات المحتوى “التلفزيوني الرقمي”، للمساهمة في التوعية من خطورة جماعات التطرف والإرهاب، والحد من تأثير محتواها على وسائل السوشيال ميديا.

15- إطلاق “وثيقة أخلاقية” مجتمعية توقف حالة الاستقطاب الفكري، والتطاول على المؤسسات الدينية، على أن تلتزم هذه المؤسسات بإعادة النظر في الكثير من المفاهيم والإشكاليات الدينية، وفقاً للمنهج العلمي الرصين، بما يحقق عملية الاجتهاد الفكري بناء على متغيرات العصر الحديث، ومراعاة مقاصد الشريعة وضوابطها.

*كاتب مصري وباحث في شؤون الجماعات الأصولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى