أقلام وأراء

عمرو حمزاوي: غزة على طاولة مجلس الأمن

عمرو حمزاوي 18-11-2025: غزة على طاولة مجلس الأمن

منذ اندلاع الأزمة في غزة تصاعدت محاولات المجتمع الدولي لاحتواء العنف وإيجاد آليات لوقف القتال وإعادة الإعمار. وعلى خلفية مبادرة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي، تفجّرت في الأسبوعين الأخيرين مواجهة دبلوماسية داخل مجلس الأمن بين مشروع قرار أمريكي وآخر روسي، كلٌّ منهما يعبّر عن رؤية استراتيجية مختلفة لإدارة المرحلة الانتقالية في قطاع غزة ولبناء ما بعد الصراع. في هذا النص أحاول تقويم النصين ومقارنتها من زاوية قانونية وسياسية وعمليّة.

النص الأمريكي، كما جرى تداوله رسمياً وبوسائل الإعلام، يطلب من مجلس الأمن إضفاء شرعية دولية على مسار مرحلي يتضمن: تفويض لقوة دولية استقرار لمدة عامين في غزة، مهامها تشمل حفظ الأمن، دعم جهود نزع سلاح الفصائل المسلحة وتسهيل إيصال المساعدات، إضافة إلى إنشاء هيئة مؤقتة لإدارة الفترة الانتقالية أُطلق عليها اسم مجلس السلام تكون لها صلاحيات إشرافية واسعة على إدارة غزة إلى حين تنفيذ بنود مخطط السلام الأوسع. الهدف المعلن: خلق بيئة آمنة تسمح بترتيب انسحاب القوات القتالية وبدء إعادة الإعمار واستعادة مؤسسات مدنية موثوقة.

التحديات المباشرة للنص الأمريكي: هناك اعتراضات قانونية وسياسية حول ما إذا كانت صلاحيات «الهيئة المؤقتة» قد تقترب من نوع من الحكم الانتقالي المفروض من الخارج، وقلق لدى بعض الدول العربية والفلسطينيين من المسّ بالسيادة الفلسطينية ومبدأ تقرير المصير، إضافة إلى مخاوف من قدرة مجلس الأمن على ضمان تنفيذ نزع السلاح دون مقاومة مسلّحة أو تحول إلى مواجهة إقليمية. بعض المراقبين وصفوا النص بأنه يحمل ثغرات قانونية تحتاج تدقيقاً قبل تمريره.

في رد فعل سريع، راقبت روسيا مسارات التشاور الأمريكية وقدمت مشروع قرار مضادّاً أو تعديلاً أساسياً للنقاش. النص الروسي لا يدعم صراحة إنشاء «هيئة سلام» بصلاحيات تنفيذية مباشرة، بل يفضّل مقاربة أقل إلزامية: يكلف الأمين العام للأمم المتحدة ببحث وتقديم خيارات بشأن قوة استقرار دولية وآليات منتظمة للتنسيق، كما يشدّد على ضرورة اعتماد مقاربة شاملة تُحيط بالجوانب السياسية والإنسانية والاقتصادية ويؤكد على الحل السياسي لمسألة الدولة الفلسطينية على أساس حل الدولتين. الصيغة الروسية تهدف إلى إبقاء الخيارات مرنة وتفادي فرض هياكل إدارية لحكم مؤقت تثير الاحتقان.

ببساطة، الفارق ليس رونقاً لغوياً، بل جوهري في النهج: النهج الأمريكي: عملي وتنفيذي، يسعى لإيجاد آليات صارمة قصيرة-متوسطة الأمد (قوة + هيئة إدارية) لضبط الأرض فوراً وفرض شروط لبدء إعادة الإعمار وضمان تسليم الرهائن أو تنفيذ صفقة تبادل. هذه المقاربة تفترض أن الحلّ الإداري-الأمني يمكن فرضه بسرعة وله أولوية على التسوية السياسية طويلة المدى. أما النهج الروسي: يضع ثقلَه على الشرعية السياسية والآليات الاستشارية للأمم المتحدة، متخوّفاً من تبعات فرض حلّ مؤقت قد يُنظر إليه لاحقاً كاحتلال أو انتقاص من الحقوق الفلسطينية؛ بالتالي يطالب بتأطير أوسع للبُنى الدولية قبل منح أي تفويض تنفيذي.

غير أن ثمة إشكاليات عملية وقانونية عديدة تواجه المشروعين المعروضين على مجلس الأمن. من جهة أولى، هناك مشكلة الشرعية المحلية. فأي قوة أو هيئة تُفرض دون توافق فلسطيني واسع ستُواجه مقاومة شعبية وسياسية قد تقوّض مهمة حفظ الاستقرار بدلاً من تحقيقه. هناك، من جهة ثانية، مشكلة مستوى التفويض وقيود القانون الدولي. فالتفويضات التي تمنح صلاحيات تنفيذية واسعة (مثل إدارة الخدمات أو الأمن الداخلي) تعيد إلى الأذهان تجارب الأمم المتحدة مع هياكل حكم انتقالي؛ لذلك يجب تحديد حدود الصلاحية بوضوح لتفادي اتهامات بانتهاك مبدأ السيادة أو الاحتلال. ثم، من جهة ثالثة، هناك خطر الاستقطاب الإقليمي. فتمرير نص أمريكي يُنظر إليه كدعم لمخطط إقليمي محدد قد يعمّق الانقسام بين أعضاء مجلس الأمن ودول جوار غزة، ما يعرقل تمويل وإرسال قوات أو مساهمات لوجستية. من جهة رابعة، هناك تنفيذ نزع السلاح. فأي بند يطالب بتفكيك قدرات فصائل مسلحة يجب أن يرافقه آليات موثوقة للتحقق، حماية الكادر المدني، وبدائل أمنية فلسطينية مقبولة محلياً وإقليمياً ـ وإلا فستفشل العملية.

لذلك، يتعين على الأطراف الإقليمية والدولية التفكير في الإجراءات التالية:

التمهيد السياسي قبل أي تفويض تنفيذي واسع، ينبغي استثمار 4 ـ 8 أسابيع في مشاورات إقليمية (مصر، قطر، الأردن، تركيا) وتوقيع إعلان مبادئ فلسطيني مباشر يُحدد أسس التعامل مع البنية الأمنية المؤقتة.

تفصيل الصلاحيات بدقة، فإذا قرر المجلس تفويض قوة أو هيئة، فليكن ذلك عبر قرار مرحلي قابل للتقييم كل ثلاثة أشهر مع معايير خروج واضحة ومؤشرات أداء (حماية المدنيين، فتح معابر، تسليم رهائن، خفض العنف).

آلية محاسبة واسترداد شرعية، يجب أن يضم القرار لجنة رقابة تضم ممثلين إقليميين ومنظمات حقوقية دولية للمراجعة والشفافية.

خط اتصال سياسي دائم، فتفعيل «قناة ثلاثية» بين مجلس الأمن، الجامعة العربية، والمبعوث الدولي لضمان إدارة أية أزمات وتنفيذ بنود إعادة الإعمار.

إن الجدل بين الصيغتين الأمريكية والروسية يعكس صراع رؤى أعمق: هل نعالج الأزمة كخلل أمني يتطلب إجراءات فورية وقابلة للحصر، أم كقضية سياسية تراكمية تتطلب تسوية شرعية طويلة؟ الجواب الواقعي يجب أن يجمع بين العنصرين: إجراءات فورية لحماية المدنيين وتسهيل الإغاثة، مع إطار سياسي لا يقصي الفلسطينيين ويضمن حقوقهم الأساسية. أي قرار يفتقر لأحدهما لن ينجح — بل قد يوقظ شياطين إضافية من عدم الشرعية والمقاومة.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى