أقلام وأراء

عماد شقور يكتب – نتنياهو… رئيس حكومات الهدم

عماد شقور *- 6/5/2021

مع انتهاء مهلة تكليف بنيامين نتنياهو بتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة عند منتصف ليلة الثلاثاء الاربعاء الماضي، يكون نتنياهو قد وصل، في الغالب، الى عتبة صحراء السياسة الإسرائيلية، ليتوه فيها، مع فتح ملف التقييم الحقيقي لفترة رئاسته للحكومة هناك على مدى عقد وثلث العقد. ومعروف أن التقييم الحقيقي لأي عهد هو ما تسجله كتب التاريخ، بعيدا عن الالتفات لما كانت تزخر به صفحات الجرائد وعناوينه الكبيرة، وما تردده نشرات الأخبار المتسارعة والمتتالية، والتي تتلاشى تماما بعد أيام وربما ساعات أو دقائق على بثها.

في أسطر كتب التأريخ لعهد نتنياهو رئيسا لحكومة إسرائيل، ستظهر بارزة كميات الأذى والأضرار التي نجح نتنياهو في تكبيدها للعرب، شعوبا ودولا، بشكل عام، وللشعب الفلسطيني، بشكل خاص، في كافة أماكن تواجده: على أرض فلسطين، وفي المنافي ومخيمات اللجوء. ولن تنسى كتب التاريخ تسجيل نجاح نتنياهو في تحريض أمريكا، وغيرها، في إسدال الستار على موضوع اللاجئين الفلسطينيين، بدءاً بوقف الالتزام في تامين الموازنات المطلوبة للأونروا؛ والتضييق على الفلسطينيين في مناطق الاستعمار خارج الخط الاخضر لاتفاقيات الهدنة سنة 1949، بين إسرائيل و«دول الطوق»: مصر والأردن وسوريا ولبنان، والتي وصلت حد العمل على توسيع خارطة «الخط الأخضر» ليشمل على ثلث ما تبقى من فلسطين بعد نكبة 1948؛ وتعميق الظلم والتمييز والاضطهاد للأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل، والتحريض عليهم الى درجات غير مسبوقة.

أما ما ألحقه نتنياهو من أضرار بمجمل شعوب ودول العالم العربي، بداية من دول الطوق: مصر (بتحريض ودعم إثيوبيا لبناء «سد النهضة» وما يتم تداوله هذه الأيام عن البدء في الإعداد لتقليل الاهمية الاستراتيجية لقناة السويس، من خلال شق قناة من خليج العقبة في البحر الأحمر، من منطقة ميناء ايلات (ام الرشراش) الى ميناء اشدود (اسدود) في البحر الابيض المتوسط)؛ والأردن (بالتنكر والمناكفات المتواصلة حول موضوع الولاية الهاشمية والدور الأردني في الأقصى والقيامة في القدس)؛ وسوريا (في موضوع هضبة الجولان والنجاح في تنكر أمريكا للشرعية الدولية التي تقر باعتبارها أراضي سورية محتلة)؛ ولبنان (قضية أراضي منطقة شبعا، وابقائها فتيلا مشتعلا يهدد بالانفجار في أي لحظة، اضافة الى التنكر للقوانين الخاصة بترسيم حدود المياه الإقليمية). ويلحق بكل ذلك ما أنجزهنتنياهو من تقطيع لمواقف أنظمة حكم عربية داعمة، وإن علانية، فقط، في بعض الأحيان، لمواقف ومصالح وحقوق الشعب الفلسطيني، حتى كاد أن يتفوق الصراع العربي العربي على الصراع العربي الصهيوني، أساس البلاء في كل ما تعانيه الأوضاع المسمومة في كامل منطقة الشرق الأوسط.

على أن كل هذه الأضرار تتلاشى عند مقارنتها بما ألحقه نتنياهو من تدمير لاثنين من الاهم بين «عناصر القوة المتغيرة» في إسرائيل: عنصر الانسجام والتكافل بين مجمل مكونات المجتمع اليهودي في إسرائيل (وخارج إسرائيل ايضا، وخاصة مع الجالية اليهودية في أمريكا، والجاليات الاخرى في بعض دول أوروبا)؛ وعنصر التحالفات، واهمها، على اطلاق، التحالف الاستراتيجي الإسرائيلي الأمريكي. وقد يكون من المفيد، في هذا السياق، اعادة التذكير بأن عناصر قوة الدول تنقسم الى قسمين اثنين: عناصر القوة الثابتة، التي لا تحول ولا تزول؛ وعناصر القوة المتغيرة، المعرضة للتغيير والتبديل؛ وأهم «عناصر القوة الثابتة» هي عدد السكان ومساحة الدولة المعنية، وظروفها الطبيعية من طقس ومياه وتربة، وما تحويه من كنوز طبيعية ومعادن وموارد، وموقعها الجغرافي على خريطة العالم، وما شابه ذلك؛ وأهم «عناصر القوة المتغيرة» هي انسجام مكونات المجتمع (من أديان وطوائف وأعراق وغيرها) والتحالفات المتينة التي تربطها بالدول الاخرى، والقوة العسكرية الذاتية، والتطور العلمي، وما الى ذلك من عناصر قوة. وبنظرة عميقة وسريعة، يمكن ملاحظة تفوق الأمة العربية، شعوبا ودولا، على إسرائيل بما يقاس؛ في حين يبدو بجلاء تفوق إسرائيل في الغالبية العظمى من عناصر القوة المتغيرة.

ماذا يمكن لنا أن نسجل في محاولة التقييم السريعة لـ«عهد نتنياهو» على الصعيد الإسرائيلي؟.

بداية، نسجل ملاحظة أنه لم تتوفر لغاية الآن دلائل ثابتة على انتهاء دوره في العمل العام هناك. لكن بقاءه رئيسا لـ«حكومات تسيير أعمال» بشكل او بآخر، على مدى أكثر من سنتين، حتى تاريخه، وفشله على مدى أربع دورات انتخابات عامة خلال سنتين، وفشله في تشكيل ائتلاف حكومي يحظى بتأييد أغلبية في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي، في الدورة الأخيرة من التكليف، تجعل من المنطقي الاعتقاد بأنه إن لم يكن قد تخطى عتبة اللاعودة الى السلطة، فإنه يقف عند حافتها الخارجية.

اعتمادا على أداة قياس التقييم، التي ذكرناها، لأي «عهد» وتوقفا عند أهم عنصرين للقوة المتغيرة، من عناصر القوة التي تمتلكها إسرائيل، نرى، ويرى الإسرائيليون، بوضوح، أن «عهد نتنياهو» كان كارثيا.

لم يكن نتنياهو، حتى ولو مرة واحدة، «رئيس حكومة بناء» في إسرائيل. بدأ حياته السياسية الجدية زعيما للمعارضة، على رأس حزب الليكود اليميني، بالتحريض على اتفاقية أوسلو و«بطلها» الإسرائيلي، اسحق رابين، الى أن انتهى تحريضه باول اغتيال لرئيس حكومة إسرائيل، وانقسام المجتمع اليهودي الإسرائيلي خاصة، واليهودي العالمي عامة، الى معسكرين متناحرين، يفوق ما يفرقهما عما يجمعهما بدرجات. واستمر في تحريضه لليمين الإسرائيلي على كل ما هو ومن هو غير يميني هناك. حرض المتدينين المتشددين على كل من عداهم. وحرض جماهيره ضد من أسماهم «النخب القديمة». وحرض ضد الديمقراطية وأجهزة القضاء. وحرض ضد رموز وقيادات الأجهزة القضائية، وقيادات أجهزة الشرطة والنيابة العامة التي عينها هو نفسه في مواقعها. وبطبيعة الحال: حرض، أكثر من مجموع تحريضات كل من سبقوه على كرسي رئاسة الحكومة في إسرائيل، على المواطنين من أبناء الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل. وهو يخلي اليوم كرسيّه تاركا خلفه مجتمعا إسرائيليا متشظيا الى درجة غير مسبوقة. ويضاف الى كل ذلك، أنه أفرغ حزبه، حزب الليكود اليميني، من كل من كان يمكن أن يشكل وريثا له في منصب قيادة الحزب، ابتداء من شارون، مرورا بدان مريدور ومئير شطريتوتسيبي ليفني وبيني بيغن واسحق مردخاي وروني ميلو وموشي كحلون، وانتهاء ببيني بيغن. وهو يقترب من انتهاء دوره في قيادة حزبه، دون أن يترك اسماء لامعة مؤهلة لشغل المنصب.

أما على صعيد قوة إسرائيل النابعة من تحالفها الاستراتيجي الحاسم مع القوة العظمى الأولى في العالم، (لغاية الآن، على الاقل) وهي الولايات/الدول الأمريكية المتحدة، فإن صورة التخريب بفعل سياسات وتصرفات نتنياهو، اكثر من بادية للعيان. وبعد أن كانت تل ابيب عتبة للدخول الى البيت الابيض الأمريكي، بغض النظر عمّن يقطنه، من الحزبين الحاكمين: الديمقراطي او الجمهوري، فقد وضع نتنياهو كل البيض الإسرائيلي، ليس في سلة الحزب الجمهوري فقط، لكن في سلة الجناح الأكثر يمينية وعنصرية وسوقية في ذلك الحزب. وبعد أن كان الحزبان يتنافسان على مدى عقود حول من يقدم دعما أكثر لإسرائيل، أصبحت غالبية كبيرة من قواعد وكوادر وقيادات الحزب الديمقراطي، غاية في البعد عن إسرائيل نتنياهو، بل وهناك نسبة عالية في الحزب الجمهوري، تنأى بنفسها عن إسرائيل وسياساتها. وهذه خسارة فادحة، وبالغة الفداحة ايضا، في تقييم عناصر القوة الإسرائيلية.

في المئة يوم الأولى للرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض: تصبب نتنياهو عرقا قبل أن يجري بايدن معه اول اتصال تلفوني، ولم يحظ بدعوة لزيارة واشنطن. وانتهى كل ذكر لـ«صفقة القرن» وتم عزل فريدمان من منصب سفير أمريكا في إسرائيل، ولم تتم حتى تاريخه تسمية سفير أمريكي جديد في إسرائيل، ونسي الناس أسماء جاريد كوشنر وزوجته الحسناء ايفانكا ترامب، وأعيد دفع الأموال الأمريكية الى الاونروا، ولم يفلح موفدو نتنياهو الثلاثة: من قيادة الجيش والموساد ومجلس الامن القومي في زحزحة الموقف الأمريكي الذي يستجدي عودة أمريكا للاتفاق مع إيران الاقرب كثيرا لانتاج اول قنبلة ذرية، ورفعت أمريكا العقوبات والقطيعة مع محكمة الجنايات الدولية.. والحبل على الجرار. سقط ترامب وانتهى «شهر العسل» وما احتواه من متع وهمية لنتنياهو.

تقاس الأمور بـ«خواتيمها» كما تقول الحكمة العربية، وتقاس الأمور بـ«السطر الاخير» كما تردد الصحافة في إسرائيل. وبـ»خواتيم» عهود ياسر عرفات وجمال عبد الناصر ونهرو وتيتو ولينين وواشنطن وروزفلت وكندي وبن غوريون واشكول وبيغن.. كل واحد من هؤلاء ترك موقعه وحال بلده وشعبه ودولته أحسن بما لا يقاس عن حالها يوم تقلد مسؤوليتها. في مقابل ذلك فإن توني بلير وجورج بوش الابن وغورباتشوف والقذافي وبن علي وغولدا مئير وشامير ونتنياهو، فانهم تركوا بلدهم وشعبهم ودولهم وهي في نقطة وموقف اضعف بكثير مما كان عليه الوضع يوم تقلدوا مناصبهم.

هل يتعظ ولاة امور ايامنا؟

هل يوقنوا أن سطرا واحدا في كتاب التاريخ أكثر أهمية من عناوين صحف عقد كامل من الزمان؟.

* كاتب فلسطيني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى