أقلام وأراء

عماد شقور يكتب –  عن انسداد الأفق السياسي… وما العمل؟

 عماد شقور 18/11/2021

صحيح ما تتناقله وسائل الإعلام هذه الأيام، عن «انسداد الأفق السياسي لحل القضية الفلسطينية» وخاصة بعد ما رشح عن إبلاغ الإدارة الأمريكية للسلطة الفلسطينية قبل أسابيع أنها رفعت موضوع «حل الدولتين» من جدول أعمالها في التعاطي مع إسرائيل، واستبدلته بمحاولات و«مناشدات» لإسرائيل بـ«تحسين» بعض شروط الحياة اليومية للفلسطينيين، ومنح بضعة آلاف من تصاريح العمل لعمال من قطاع غزة في مجال العمل اليدوي والخدمات، وحث (وربما أمر) بعض الدول العربية، باستئناف تقديم بعض ما التزمت به من مساعدات مالية للسلطة الفلسطينية.

لكن، ورغم أن موضوع «انسداد الأفق السياسي» صحيح، فإن ما هو صحيح أكثر، أن هذا «الانسداد» قائم، ومتواصل، منذ «إعلان إقامة دولة إسرائيل» والنكبة الفلسطينية سنة 1948، وازداد تمسك إسرائيل بهذا «الانسداد» بعد كارثة حرب حزيران/يونيو 1967 المشينة. ونالت هذه السياسة لحكومات إسرائيل المتعاقبة تأييداً ودعماً من الإدارات الأمريكية المتعاقبة أيضاً.

سياسة إسرائيل في تبني الامتناع عن الوصول الى حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وما يتطلبه ذلك من اضطرارها للوفاء بالاستحقاقات المترتبة عليه، لم تكن صريحة في أي من المراحل، وكانت سياستها هي التستر والتخفي تحت ما يمكن تسميته: سياسة الدفع باتجاه «إدارة الصراع» (وليس حله) وباعتماد التقدم على طريق بلا نهاية اسمها «المسيرة السلمية» وأداتها الوحيدة «المفاوضات» (التي لا تنتهي أيضاً) كأسلوب حياة (!).

على مدى الثلاثة والسبعين عاما من عمر إسرائيل، (وهو قصير على أي حال) حصل خروج أمريكي مرتين اثنتين فقط، ولبضعة أشهر فقط في كل منهما على هذه السياسة:

ـ الأولى: في عهد الرئيس جون كنيدي، إثر تبادل الرسائل بينه وبين الرئيس والزعيم العربي جمال عبد الناصر، وخاصة الرسالة التي تضمنت تعبير عبد الناصر: «لقد أعطى من لا يملك لمن لا يستحق». لكن، ومع ما بدا وكأنه احتمال تقدم على طريق حل «الصراع العربي الصهيوني، وحلَقته الأولى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي» تم اغتيال الرئيس كنيدي، وورثت إدارته إدارة الرئيس ليندون جونسون، التي أغدقت الدعم لحكومة ليفي إشكول، عشية، وخلال، وغداة حرب حزيران/يونيو الكارثية.

ـ الثانية: في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش (الأب) إثر حرب الخليج الأولى، وبدفع جدي من وزير خارجيته، جيمس بيكر، وتم جر حكومة اسحق شامير الى «مؤتمر مدريد» ولكن لبضعة أشهر فقط، حيث تحققت مقولة/نبوءة شامير: «سندخل مع الدول العربية والفلسطينيين في مفاوضات لا تنتهي».

إضافة الى الخروج الأمريكي على القاعدة الثابتة في الحرص على إدامة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، باعتماد سياسة «إدارة الصراع» وليس حله، حصل خروج إسرائيلي أيضاً، لكن لمرة واحدة، ولبضعة أشهر فقط أيضاً:

ـ كان ذلك عندما نجح حزب العمل الإسرائيلي، برئاسة اسحق رابين، في إسقاط حزب الليكود وحكومة شامير، وتشكيل حكومة رابين، الذي فتح قناة تواصل مباشر مع منظمة التحرير الفلسطينية، وأدار معها مفاوضات مباشرة، أثمرت «اتفاقية أوسلو» التي شكلت نقلة نوعية في مجريات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأقرت التخلي عن «سياسة إدارة الصراع» واعتماد «سياسة إنهاء الصراع» والتقدم على طريق حل القضية الفلسطينية.

لم يعمر هذا التغيير الجذري في السياسة الإسرائيلية إلا بضعة أشهر فقط، حيث ألغاه رابين نفسه عندما أعلن رسمياً، وفي سياق رده على سؤال بخصوص مُجريات المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية: «ليست هناك تواريخ مقدسة» ما يعني أن الجدول الزمني مفتوح، وأن نهاية «طريق المفاوضات» غير محددة. (وهنا يجدر بنا أن لا ننسى مسؤولية القيادة الفلسطينية في توفير ذريعة لرابين للتخلص من التزام حكومته بخصوص الجدول الزمني لتلك المفاوضات. ولهذا حديث يطول، قد نعود إليه في مناسبة لاحقة).

رغم تراجع رابين، فإن اليمين الإسرائيلي العنصري المتعصب لم يغفر له «خطيئة» الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، والحقوق الشرعية والسياسية للشعب الفلسطيني، وتم اغتياله بعد أشهر قليلة من تصريحه هذا.

كان على القيادة الفلسطينية أن تعلن انتهاء الالتزام ببنود اتفاقية أوسلو فور انتهاء مدتها الزمنية يوم 13.9.1998، لكنها ارتكبت خطأ (حتى لا نقول خطيئة) عدم التصرف على أساس ذلك. وهنا أيضاً أتوقف لأقول: لهذا حديث يطول، قد نعود إليه في لاحق الأيام.

سياسة إسرائيل في تبني الامتناع عن الوصول الى حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وما يتطلبه ذلك من اضطرارها للوفاء بالاستحقاقات المترتبة عليه، لم تكن صريحة في أي من المراحل.

أما وقد وصلنا، (كفلسطينيين.. بل وكأُمة عربية) الى ما نحن فيه من تيه وضياع، أشبه ما يكون بالتيه والضياع الذي تلا وغطى أسابيع وأشهر كارثة حرب حزيران/يونيو، فإن ما يجدر بنا، كفلسطينيين، وما يجدر بالقيادة الفلسطينية الشرعية، أيضاً، تذكره:

1ـ أن الانطلاقة الجدية الثانية لـ«العمل الفدائي» ولـ«الكفاح المسلح» ولـ«استقالة أحمد الشقيري» من رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، وتمهيد الطريق أمام رموز العمل الفدائي والكفاح المسلح، وأولهم الزعيم الفلسطيني الخالد، ياسر عرفات، لتسلم مِقوَد قيادة العمل الوطني الفلسطيني، هو ما مكن منظمة التحرير الفلسطينية لأن تكون ما كانته: ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، ولنجاحها التاريخي العظيم، في جعل «القضية الفلسطينية» قضية شعب يقاتل ويناضل ويضحي من أجل استعادة حقوقه الشرعية في الحرية والاستقلال وتقرير المصير على أرض وطنه: فلسطين، وليست مجرد قضية لاجئين تتولى الأمم المتحدة رعايتهم وتوفير احتياجتهم اليومية والحياتية.

2ـ إن هذا الجهد الفلسطيني، وهذه التضحيات الكبيرة، هما أب وأُم الانتفاضة الفلسطينية الأولى المباركة، التي حولت وزير «الدفاع» الإسرائيلي، اسحق رابين، (صاحب كلام تكسير عِظام أيدي وسيقان «أطفال الحجارة») في حكومة شامير، الى رابين، رئيس الحكومة الإسرائيلية، التي تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وبكثير من الحقوق التاريخية المشروعة للشعب الفلسطيني.

هل أقصد بذلك الدعوة الى العودة على نفس التجربة بحذافيرها؟ أبداً. عالم اليوم، بقيمه، بوسائله، بأشخاصه وبقياداته، غير عالم ما كان قبل عقود من السنين. ليس في عالم اليوم لا كاسترو ولا هوشي منه ولا ياسر عرفات ولا جياب ولا تشي غيفارا. ليس في عالم اليوم لا آيزنهاور ولا خروتشوف ولا نهرو ولا عبد الناصر ولا تيتو.. حتى ولا لومومبا ولا ديغول ولا حتى ميتيران.

إذن: ما العمل؟؟؟.

لا مجال أمامنا، كفلسطينيين، (وربما كعرب أيضاً) للتفكير.. (ولا بالحلم ربما) أن نمارس أو أن ندعو لاقتصار مواجهتنا مع العدو: إسرائيل، على الكفاح المسلح والعمل الفدائي. لكن ذلك لا يعفينا من المعرفة والاعتراف بأنه لايقود الى النصر، (في مثل ظروفنا وأوضاعنا) إلا طريق واحد بمسرَبين: مسرب تحديد «العدو» ومسرب تحديد «أهداف سامية» للشعب، جديرة بالتضحية، وقابلة للتحقيق.

هذا يستدعي أن تتحرك القيادة الفلسطينية على مِحوَرين:

1ـ مِحوَر تعميم قناعة أن إسرائيل هي العدو، وليس «الطرف الآخر» كما تقول «فتح هذه الأيام» وأن إسرائيل هي العدو، وليست «البديل» كما تقول حماس.

2ـ مِحوَر وقف مقارنة الفلسطينيين والأوضاع الفلسطينية بما هو قائم في أي بلد عربي، من المحيط الى الخليج، بل بما هو قائم في إسرائيل. والبداية من تركيز كامل الحكومة الفلسطينية، وخاصة وزير التعليم، ووزارة التعليم، ليس على التعليم العالي والجامعي، بل على التعليم في الصف الأول الابتدائي. والتدرج سنوياً لاثنتي عشرة سنة دراسية متواصلة لنتفوق على إسرائيل، ونسبقها في خلق جيل فلسطيني مبدع في حقول الأبحاث والابتكارات والإضافات الى عالم اليوم والغد، عالم التكنولوجيا المتقدمة، عالم النانو، وما بعد ذلك مما يبتدعه العقل البشري الخلاق.

ثم، لا بديل أمامنا كفلسطينيين، إلا التعاطي مع منع تشكيلنا لجيش ولخدمة عسكرية إلزامية، إلا بالتوجه الى اعتماد برنامج فرض «الخدمة المدنية الإلزامية» حيث للسلطة الفلسطينية قدرة على فرضها، حتى ولو كانت البداية في بضع مدن أو قرى أو مخيمات لاجئين في الوطن، أو حتى ولو في أحياء ومناطق فقط.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى