أقلام وأراء

عماد شقور يكتب – عن الانتخابات الإسرائيلية : من «أبو عاموس» إلى «ابو يائير»!

عماد شقور *- 18/3/2021

خمسة ايام تفصلنا عن الحلقة الرابعة الحالية في مسلسل الانتخابات الإسرائيلية للكنيست، (البرلمان الإسرائيلي) الذي بدأ قبل أقل من سنتين. لكل واحدة من هذه الحلقات، كما لكل معركة انتخابات اخرى، حكاياتها وظروفها، وطرائفها ايضاً. ويتابع الفلسطينيون باهتمام هذه الانتخابات، وكل ما له علاقة بالوضع السياسي في إسرائيل، نظرا لما لذلك من تأثير مباشر على مجمل أوضاع شعبنا الفلسطيني، الذي يعاني من الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي: من التشريد والحصار والتضييق والتمييز العنصري، على مدى اكثر من سبعة عقود متواصلة حتى الآن.

الملاحظة الأولى، وأهمها، على هذه الانتخابات، هي أنها تشهد تكالباً غير مسبوق من الأحزاب الصهيونية، على أصوات الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، وذلك لأسباب متعددة ومتداخلة، اهمها اثنان:

ـ السبب الأول، هو حالة الاستعصاء المتواصل منذ اكثر من خمس سنوات، على تشكيل ائتلاف حكومي مستقر، جراء شبه تعادل في الشارع اليهودي في إسرائيل، بين مؤيدي رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، من جهة، وبين المعارضين لبقائه على رأس السلطة التنفيذية هناك، من جهة اخرى، وخاصة بعد توجيه اتهامات متعددة له، واخضاعه للمحاكمة.

ـ والسبب الثاني، هو ترسخ التواجد الفلسطيني الوازن والمستقل في الكنيست الإسرائيلي، بفضل أصوات الأقلية الوطنية الفلسطينية في إسرائيل، إثر توافقها على تشكيل «القائمة العربية المشتركة» برئاسة أيمن عودة، واحرازها خمسة عشر مقعدا في الكنيست الحالية، وهو ما مكنها من ان تكون لاعباً مؤثراً في البرلمان الإسرائيلي، يقدم اثباتاً ملموساً للمعادلة التي صكّها ويكررها أيمن عودة، في مخاطبته لمعارضي نتنياهو وحكومته المغرقة في يمينيتها وعنصريتها، (حتى بالمقاييس الصهيونية العنصرية): «لا نستطيع وحدنا، ولكنكم لن تستطيعوا بدوننا».

بفعل هذين السببين اساسا، (اضافة الى اسباب فرعية اخرى) جاء الانقلاب في موقف نتنياهو تجاه أصوات الاقلية الوطنية الفلسطينية في إسرائيل، وجاء تحركه بخطوتين: متوازيتين عملياً، ومتناقضتين شكلياً:

ـ اولاهما: دق اسفين في تركيبة القائمة العربية المشتركة، «أثمر» في شق «القائمة العربية الموحدة» برئاسة الدكتور منصور عباس، (التي تمثل الحركة الإسلامية الجنوبية.. تمييزا لها عن الحركة الإسلامية الشمالية، المعروفة بارتباطها العضوي بحركة «الإخوان المسلمين») عن «القائمة العربية المشتركة»؛

ـ وثانيتهما: في «رفع الفيتو» عن شرعية الصوت الفلسطيني العربي في الانتخابات للكنيست الإسرائيلي، ومبالغته في السير على هذا النهج، الى درجة فرض نفسه ضيفا على قبائل ومضارب وقرى بدوية في النقب الفلسطيني، وتقديم فناجين «القهوة السّادة» ليس لنفسه فقط.. بل ولمضيفيه انفسهم ايضاً، وباعتباره «ابو يائير» وليس مجرد رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو. طبيعي، بعد هذا الانقلاب في موقف وتعامل نتنياهو مع الصوت الفلسطيني العربي في الانتخابات الإسرائيلية، أن تتسابق وتتكالب بقية الأحزاب الإسرائيلية الصهيونية، وكذلك «الحزب الفلسطيني العربي الاسلامي الإسرائيلي المتصهين» تحت اسم «القائمة العربية الموحدة» على الصوت الفلسطيني العربي الشريف.

مجمل هذه التطورات الإسرائيلية الداخلية، في معركة الانتخابات الحالية، اعادتني، بالذاكرة، الى ما كان قبل ستة عقود بالتمام والكمال.. الى معركة الانتخابات للكنيست الخامسة، في آب/اوغسطس 1961.

اثناء معركة الانتخابات تلك، قام دافيد بن غوريون باول زيارة له منذ عام النكبة لقرية عربية، هي قرية جولس في قضاء عكا، حيث وصلها بهيليكوبتر، والقى فيها خطابا انتخابيا، باللغة العبرية طبعاً، ضمّنه بضع كلمات باللغة العربية، منها بيتاً من الشعر من قصيدة الشاعر الجاهلي السموأل بن عادياء اليهودي. هذه الحادثة أوحت للشاعرين الفلسطينيين (الشّابين الصّغيرين، في حينه): محمود درويش وسميح القاسم، بكتابة مشتركة لمادّة شبه شعرية هزلية، للتندّر والسخرية من بن غوريون.

التقط الحزب الشيوعي، في حينه، هذه المادة، واعتمدها منشورا انتخابيا، طبعه بآلاف النسخ، ووزعه في كل نقطة تمكن من الوصول اليها.

كانت كلمات الفقرة الاولى من تلك المادة الساخرة شبه الشعرية هي: «هيليكوبتر هيليكوبتر.. حام في الجو وزمجر، وابو عاموسَ فيه.. عابسٌ عبسة عنتر، هيليكوبتر هيليكوبتر». (ومعروف طبعا ان اسم ابن دافيد بن غوريون هو عاموس، واسم بِكر بنيامين نتنياهو هو يائير، وذلك اذا استثنينا ابنته من زواجه الاول، والتي لا يلتقيها اكثر من مرة في كل عام، وليس في بيته، وانما في مكان عام، مقهى او مطعم مثلا، كما تقول مصادر إعلامية إسرائيلية.

وصلنا الى انتخابات الكنيست الرابعة والعشرين هذه الايام، ليتحول فيها رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية، بنيامين نتنياهو، الى «ابو يائير» معتبرا هذه الكنية تكريما وتحبّباً، في حين أنها تعبير يقصد منه التندر والسخرية.

لكن المفارقة الطريفة هنا، ان قصة الهيليكوبتر، (من نادرة بن غوريون وكنية «ابو عاموس») عادت مجددا لتلعب دوراً هذا الاسبوع، مع قصة نتنياهو، «ابو يائير».. تصديقاً لمقولة كارل ماركس بأن «التاريخ يعيد نفسه مرتين، المرة الأولى كمأساة، والثانية كمهزلة» حيث ان نتنياهو أمر بتجهيز هيليكوبتر عسكرية، صباح يوم الخميس الماضي، لتنقله الى العاصمة الأردنية، عمّان، ليستقل من هناك طائرة خاصة اماراتية ارسلت خصيصاً لنقله الى ابو ظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، في اول زيارة رسمية له للإمارات، وهي الزيارة التي لم تتم على أي حال.

ما كان لمثل هذه التفاصيل غير المهمة ان تأخذ أي اهتمام، لو انه لم يسبقها باقل من أربع وعشرين ساعة، ارتكاب نتنياهو واحدة من حماقاته، تمثلت في وضع عراقيل تسببت بإلغاء ولي العهد الأردني، الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، زيارة دينية للمسجد الاقصى في القدس، ليشارك الفلسطينيين احتفالهم بعيد الإسراء والمعراج، (وهو عيد وطني فلسطيني بامتياز، اضافة لكونه عيدا دينيا). وفي هذا التوقيت بالضبط، وبالذات، تقدمت إسرائيل بطلب روتيني تماما في الحالات العادية، هو اعطاء اذن لطائرة نتنياهو بالتحليق في الأجواء الأردنية، وهذا ما قدّم للاردن فرصة ذهبية لتوجيه صفعة علنية مدوية لنتنياهو، برفض الطلب الإسرائيلي، ومنع هيليكوبتر نتنياهو من استخدام الاجواء الأردنية، الأمر الذي نتج عنه الغاء زيارته الرسمية الاولى الى دولة الامارات، والتي كان سيعود منها بصورة مع ولي العهد الإماراتي، الشيخ محمد بن زايد، يحولها الى ملصق انتخابي في شوارع تل ابيب، يدلل به على نجاحاته السياسية، حتى وإن كانت بفعل وبفضل الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الذي خسر معركته الإنتخابية للتمديد له لولاية ثانية في البيت الأبيض.

على أن مسلسل حماقات نتنياهو لم تتوقف عند هذه النقطة، بل استمرت، حيث قالت وسائل إعلام إسرائيلية، انه سارع الى اصدار امر باغلاق الأجواء الإسرائيلية مع الأردن. لكن هذه الحماقة الكبيرة لم تعمّر الا ساعة واحدة فقط، ما لبث ان تراجع عنها اثر تحرك جهات عديدة في إسرائيل، بيّنت لنتنياهو أن إسرائيل هي المتضرر الحقيقي من هذه القرار الأحمق. لكن ما يسجل، بشكل عام، في صالح نتنياهو، انه لا يتوقف طويلا عند توجيه أي صفعة او اهانة شخصية له، ويعاود التركيز سريعاً على ما يعتبره مصلحة سياسية إسرائيلية، وهذا ما لمسه وعرفه كل المتابعين لتصرفات نتنياهو، عندما تمت اهانته داخل الكرملين في موسكو، وأجبر على الانتظار لفترة طويلة قبل السماح له بالدخول الى مكتب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، قبل سنتين.

لا تنتهي كلمات هذا المقال، كما أريد له أن يكون، دون القول: أنا سأُعطي صوتي بعد خمسة أيام للقائمة العربية المشتركة، برئاسة الصديق الشاب أيمن عودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى