أقلام وأراء

عماد شقور يكتب – دروس وقائع من أيام حرب «الأيام الستة»!

عماد شقور *- 20/5/2021

ما أنجزه وحققه نضال الشعب الفلسطيني في الخمسة أسابيع الاخيرة غير مسبوق. منذ بداية شهر رمضان، وفي ليلة القدر خاصة، وما تلاها من أيام حتى يومنا هذا، يعادل، بل ربما يفوق ما أنجزته الانتفاضة المباركة الأولى، (وهو كثير جدا) من 1987 الى حين توقيع اتفاقية أوسلو 1993.

من وحل الانقسام الفلسطيني بين قطاع غزة والضفة الغربية، وتكسير التلاحم حول «القائمة المشتركة» لجماهير الأقلية الفلسطينية العربية في إسرائيل، (وليس باتجاه تطوير قائمة تهزم هيمنة اليمين المتطرف العنصري)؛ ومن انزلاق بعض الدول العربية باتجاه حضيض توقيع «اتفاقيات سلام» مع إسرائيل، ومتابعته بالدخول بعيون مفتوحة إلى مصيدة التحالف معها ضد الأقرب من الشعوب والدول المجاورة للعالم العربي، وتوقيع اتفاقيات «ابراهام» (وليس اتفاقيات «ابراهيم» إذ بين ابراهام في أساطير التوراة اليهودية، الذي طرد بكره اسماعيل من عبدته هاجر، وبارك ابنه الثاني اسحق من زوجته سارة، و«ابراهيم» في القرآن والموروث والوجدان العربي، فوارق واختلافات تصل حد التناقض، ولهذا حديث طويل لا مجال للتوسع فيه في هذا المقال)؛ ومن تغييب القضية الفلسطينية بكاملها عن جدول الأعمال الدولي، على مدى سنين عديدة، الى عودتها لأسابيع متواصلة وحتى يومنا هذا، على رأس سلّم الاهتمام على رأس هرم المجتمع الدولي، وهو مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، واجراء الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ثلاثة اتصالات هاتفية مع رئيس الحكومة الإسرائيلية خلال أسبوع واحد، (وليس لدعم موقفة وتأييد خطواته وسياساته، بل لزجرها) بعد أن تركه يتصبب عرقاً على مدى شهر استجداء لاتصال هاتفي به كما جرت العادة فور دخول رئيس جديد إلى البيت الأبيض؛ ومن تحركات كثيفة ومتواصلة على الصعيد الأوروبي؛ ومن تصدر أخبار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والصراع العربي الصهيوني، لنشرات الأخبار في الفضائيات الاهم في العالم، وعناوين الصحف الاهم في العالم، بعد غياب.

ما زالت الموجة/الهبّة الفلسطينية الحالية مستمرة. وهذا ما يجعل إمكانية التقييم الشامل والموضوعي لمنجزاتها بعيدة. لكن ما يمكن تسجيله من نتائج حتى الآن، وهو كثير وبالغ الأهمية، على الأصعدة الأربعة الأهم، هو:

ـ الصعيد الفلسطيني: أعاد اللُّحمة والتاكيد على تكامل العمل الوطني النضالي الفلسطيني الى نقطة قريبة جدا مما يتمناه ويعمل على تحقيقه كل وطني فلسطيني، حيث استخدم كل واحد من مكونات (نصف) الشعب الفلسطيني، (وهو النصف المتواجد على ارض فلسطين) سلاحه المتوفّر بكفاءة ظاهرة: أهل القدس في الأقصى والشيخ جراح، وكل من تسمح ظروفه بالوصول الى الأقصى والقدس، دفاعا عن المقدسات وحرمتها، ودفاعا عن الطرد والتهجير، مما أيقظ تكاملا فلسطينيا، ودعما عربيا، وتضامنا دوليا؛ وأهل غزة، (بقيادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، (ومن يساهم من فصائل فلسطينية) بسلاحهم، الذي تطور الى سلاح فاعل، ولم يعد مجرد «صواريخ عبثية»؛ والجماهير الفلسطينية في إسرائيل، في الجليل والمثلث والنقب، وفي المدن المختلطة، بوقوفهم الحاسم مع الحقوق الفلسطينية الوطنية، وحقوقهم الخاصة على صعيد المساواة ورفض التمييز ضدهم، والتصدي لقطعان اليمين الصهيوني العنصري، (وإن شط بعضهم الى اعتماد ممارسات غير مقبولة، بل ومضرّة ايضا) وانجاحهم الظاهر للاضراب العام يوم الثلاثاء الماضي تضامنا مع جماهير شعبهم في المدن المختلطة، ومع أهل القدس والأقصى والشيخ جرّاح، ورفضا للعدوان الدموي لجيش الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي على أهل قطاع غزة، مع ضرورة ملاحظة غاية في الأهمية: مشاركة ظاهرة لشباب وصبايا في جيل الفتوّة والشباب المبكّر، الامر الذي يشكّل بشرى سارّة، وتأكيدا على أن شعب فلسطين هو شعب مستقبل ايضا، كما نعرف، وليس شعبَ ماضٍ نضاليٍ وطنيٍ فقط؛ واهل الضفة الغربية، (بقيادة ما تبقى من «فتح» والسلطة الفلسطينية) تضامنا مع جماهير الشعب الفلسطيني في إسرائيل ومع المرابطين في القدس، ومع المدنيين والمقاتلين في قطاع غزة.

ـ الصعيد الإسرائيلي: انتصر بنيامين نتنياهو، وانهزمت إسرائيل. أفشل نتنياهو ازاحته من كرسي رئاسة الحكومة، بنجاح الضغط على نفتالي بينيت، زعيم حزب «يمينا» اليميني الإيديولوجي العنصري المتطرف، واستمالة نائبته، أييليت شَكيد، والتهديد بانقسام قائمته «القزمية» اصلاً، الأمر الذي أدى الى تراجعه، وتراجع امكانية تشكيل ائتلاف حكومي من بعض اليمين المتطرف والوسط واليسار الصهيوني، (بالمقاييس الإسرائيلية طبعا). لكن نجاح نتنياهو كشخص، لم يُخْفِ فشل قدرة إسرائيل على فرض ما تسعى اليه في القدس، وفي الأقصى ومحيطه وفي الشيخ جرّاح بشكل خاص، وفي التأثير على المقاومة في قطاع غزة، رغم تفعيل كل ما تملكه آلة الحرب الإسرائيلية من قوة تدميرية واستخبارات ومخابرات.

ـ الصعيد العربي: (وقد يكون هذا هو الأهم). اهتز «الهرم العربي» يوم أقدم الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، على «فعلة» كامب ديفيد، دون تنسيق مع فلسطين وسوريا، اساسا، وبقية العرب.

وبلغ الاهتزاز ذروة بنقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة. وتزاحمت قمة «الهرم العربي» و«أحد أضلاع الهرم العربي» على تشكيل قاعدة وهمية لذلك الهرم، وتتالت الظروف التي أدّت الى خلل غير مسبوق في العالم العربي، بين دوله وشعوبه، وما نتج ولحق بذلك من ضياع وتضييع. هذا الوضع كان الفرصة والعصر الذهبي للاحتلال والاستعمار الإسرائيلي الذي استغله لتثبيت اغتصابه لفلسطين، والتنكر لأبسط حقوق شعبنا الفلسطيني، بل وحاول التمادي في التقدم على هذا الطريق المناقض للحكمة، طريق محاولة التوصل الى تسوية عادلة (الى حد ادنى معقول) ولم يكن في كل ذلك الزمن الصعب والقاسي الا قوة الإرادة الفلسطينية، بامكانياتها المادية العملية البالغة التواضع. الهبة الفلسطينية الحالية أيقظت مصر. أعلنت مصر امس الاول تخصيص نصف مليار دولار لاعادة إعمار غزة. هذا تطور ايجابي.. بالغ الايجابية بما يعنيه ويرمز اليه: عودة «الهرم العربي» للاستقرار على قاعدته الحقيقية. ورافق ذلك ما صدر عن علماء في الأزهر من مواقف خلال الايام القليلة الماضية، ليقول بلغة واضحة أن هذا توجه مصري رسمي، وابرز ما فيه هو كلام احد علماء الازهر، من على منصة الأزهر، وبثّه التلفزيون الرسمي المصري، وكان اهم ما فيه القول بـ«إنشاء قوّات ردع إسلاميّة، من «مذاهب شتّى» لمُواجهة العُدوان الإسرائيلي» وواضح تماما أن المقصود بذلك هو تعاون وتوافق سنّي تقوده مصر، مع الجناح الإسلامي القوي الثاني، وهو الجناح الشيعي الذي تقوده إيران.. ورافق ذلك ترديد العالم الأزهري لعِبارة الزعيم المصري العربي، جمال عبد الناصر الشّهيرة: «ما أُخِذ بالقوّة لا يُستردّ بغير القوّة». يضاف الى هذا ما يتردد عن استعدادات مصرية لرد عسكري عنيف على التطورات على صعيد السياسة والتوجهات الإثيوبية بخصوص «سد النهضة» احد ثمار التآمر الإثيوبي الإسرائيلي لتجويع مصر (الفقيرة، اقتصاديا، اصلا) والسودان. هذه ايام حبلى تبشّر بمولود وطني وقومي جديد.

ـ الصعيد الدولي: ولعل آخر التطورات، هو الكشف عن أن الرئيس جو بايدن، أجرى قبل لحظات اتصالا هاتفيا رابعا برئيس حكومة إسرائيل، نتنياهو، قال له، بمعنى: أمَرَهُ: أتوقع ان ارى اليوم، الى حد بعيد، تهدئة على طريق وقف اطلاق النار.

سهّل علَي موقع الكتروني متخصص، حساب الأيام التي تفصلنا عن يوم الخامس من حزيران/يونيو 1967، الذي انفجرت فيه معارك ما تحرص إسرائيل على تسميتها «حرب الأيام الستة» هادفة من ذلك أن ترسّخ في اذهان الإسرائيليين والفلسطينيين تحديدا، والعرب عموما، امتلاكها لقدرات قتالية خارقة، في أي مواجهات عسكرية في ميادين القتال، وما يستتبع ذلك من تيئيسٍ وكسرٍ لارادة التصدي.

غير ان ذلك لم يصمد اكثر من تسعة اشهر واسبوعين، حين فشل هجوم جيشها على مواقع وقواعد الفدائيين الفلسطينيين في محيط قرية الكرامة الأردنية، بفضل صمود مقاتلي الثورة الفلسطينية، و«فتح» تحديدا، ومساندة الجيش العربي الاردني بقيادة الراحل الكبير مشهور حديثة، وبدأ ترسخ هذا المعنى مع انطلاق «حرب الاستنزاف» وتتوج كل ذلك في «حرب العاشر من رمضان، السادس من تشرين الاول/اكتوبر 1973».

لم ينتهِ بعد اليوم السادس من «حرب الأيام الستة» الإسرائيلية.

لم ينتهِ بعد العام الـ 54 من «العدوان» على مصر وفلسطين والاردن وسوريا.

لم ينتهِ بعد العام الـ 73 للنكبة الفلسطينية سنة 1948 و«إقامة إسرائيل».

لم ينتهِ بعد، ولم يسدل الستار بعد، على «المؤتمر الصهيوني الأول» في بازل سنة 1896.

«الحبْل على الجرار».. و«يضحك (ويفرح) كثيراً من يضحك اخيراً».

*كاتب فلسطيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى