أقلام وأراء

عماد شقور يكتب – إسرائيل وفلسطين : عهد جديد؟

عماد شقور 17/6/2021

كثيرون جدا في إسرائيل من استقبلوا «حدث» خلع بنيامين نتنياهو، من كرسي رئاسة الحكومة هناك، وتنفّسوا الصعداء، عندما نالت حكومة الرأسين، (نفتالي بينيت ويائير لبيد) الثقة في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) تلك الثقة التي لم تكن مضمونة حتى اللحظة والثانية الأخيرة، بالمعنى الدقيق للكلمة، وخيّمت فوق رؤوس جميع المتابعين والمراقبين للأوضاع السياسية والحزبية في إسرائيل، غمامة صوّرت نتنياهو على أنه «الساحر» والسياسي الماكر الذي يفاجئ منافسيه في كل مرّة ومرّة، بإخراج أرنب من كُمّه مرّة، أو بيضة من قبّعته في المرّة التالية، فيُربك منافسه، ويفوز بالاحتفاظ بكرسي قيادة إسرائيل، على مدى 12 سنة متواصلة، وهو ما لم يحظ به أي رئيس حكومة في إسرائيل، حتى ولا دافيد بن غوريون، «مهندس» إقامة دولة إسرائيل نفسه.

لكن، وأخيراً، وبعد أربع دورات انتخابات خلال أقل من سنتين، وبعد بذل جهود مضنية ومتواصلة من جميع المكوّنات ذات الحق في الإقتراع في إسرائيل، تمت إزاحة بنيامين نتنياهو عن كرسي رئاسة الحكومة. هذا تطور كبير في المشهد الإسرائيلي، وستترتب عليه بالتأكيد، تغييرات جذرية في الشكل وفي المضمون، على حد سواء.

عودة إلى المشهد الإسرائيلي الحالي، وما طرأ عليه من تطورات هذا الأسبوع، يمكن تسجيل ملاحظات كثيرة وهامّة، على صعيد رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، ورئيس الحكومة الجديد، نفتالي بينيت؛ وتشكيلة الحكومة؛ ونوعيات وهويات الأحزاب التي تشكَّل منها الإئتلاف الحكومي؛ وما تعنيه كل واحدة من هذه التطورات.

اساس الإختلاف، (ولا أقول الخلاف) بين نتنياهو وحزب الليكود الذي يرأسه، من جهة، وبينيت وحزب «يمينا» (أي الى اليمين) الذي يرأسه، من جهة ثانية، هو: من يكره الفلسطينيين أكثر، ومَن مِنهما أقدر على إلحاق أضرار أكبر بالفلسطينيين خاصة، وبالعرب والمسلمين عامة، وبـ»اليسار» في إسرائيل والعالم أيضاً. على أن نتنتياهو اليميني العنصري، انتهازي بشكل واضح، في حين أن بينيت يميني عنصري أيديولوجي. ويلتقي الإثنان عند نقطة تشبّعهما بنمط الحياة والتربية والتكوين في أمريكا، حيث عاش نتنياهو فترة طويلة في أمريكا، وكان من بين ما درسه هناك، مادة التمثيل وفن الخطابة، وعمل في التسويق التجاري هناك، قبل أن يتحول الى العمل الديبلوماسي و«التسويق السياسي» في إسرائيل؛ وكذلك فإن بينيت، الذي ولد في حيفا، بعد أن هاجر والداه من أمريكا الى إسرائيل، بعد حرب حزيران/يونيو 1967، لكن عائلته عادت الى أمريكا بسبب عدم تمكن والدته من الانسجام مع نمط الحياة في إسرائيل، ثم ما لبثت العائلة أن هاجرت الى إسرائيل ثانية بعد حرب تشرين الأول/اكتوبر 1973. وليس معروفاً عن بينيت «إصابته» بآفة البُخل، التي يتّصف بها نتنياهو وأفراد عائلته؛ واختلاف آخر بين شخصيتيهما، هو أن بينيت يحرص على مجاملة وتكريم العاملين معه، على عكس نتنياهو، الذي يحاول تقزيم كل من حوله، واقتناص كل نجاح لمن يعمل معه، ونسبته الى نفسه.

على صعيد التشكيلة الحكومية، ونوعيات وهويات الأحزاب التي تشكَّل منها الإئتلاف الحكومي، يمكن ملاحظة أن ثلث اعضائها من النساء، فهن تسع وزيرات من اصل اعضاء الحكومة البالغ عددهم سبعة وعشرين وزيراً. ويلفت الانتباه ايضا صغر أعمارهم: معدل اعمارهم جميعاً هو 52 سنة، (55 سنة للذكور، و46.5 سنة للإناث). ومع أهمية هذه الحقيقة، إلا أن ما لا يقل أهمية عن ذلك، بل ربما يفوقها ايضا، هو أنها تركيبة خالية من المتديّنين المتزمّتين (الحريديم) وأكثر من ذلك، أن من يتولّى اثنين من المناصب الأهم في الحكومة: منصب «رئيس الحكومة البديل» ووزير الخارجية، ورئيس الحزب الأكبر في الإئتلاف، يائير لابيد؛ ووزير المالية، افيغدور ليبرمان؛ هما من أكثر المعارضين للحريديم. وإذا أضفنا الى هذه الحقيقة، حقيقة أن أهم ما تركز عليه أحزاب الحريديم هو الموضوع المالي، وخاصة لقضايا التعليم في مدارسهم الخاصة بالتعليم الديني (اليهودي) وتهميش كل العلوم الأُخرى، وكذلك المنح الخاصة للأولاد للعائلات كثيرة الأولاد، (ومعروف ان عائلات الحريديم كلها كثيرة الإنجاب) نعرف حينها سبب علو صراخ الحريديم من تولي «عدوّهم» الأول في إسرائيل: ليبرمان، لمنصب وزير المالية، ونجاحه في فرض عضو في كتلته البرلمانية، رئيساً للجنة المالية في الكنيست.

( هل يلفت انتباهنا، ونحن في هذا السّياق، ان «القائمة العربية الموحَّدة» برئاسة الدكتور منصور عباس، هي نوع من «الحريديم المسلمين»(!) وانها أول حزب عربي في إسرائيل، ـ اذا استثنينا «الأحزاب الكرتونية» التي كانت مجرد كواكب تدور في فلك حزب «ماباي» الحاكم سابقاً، وفي السنوات الأولى من إقامة إسرائيل، عضو مشارك في الأئتلاف الحكومي الجديد؟). كل ذلك ايضا لا يقل أهمية عن وجود، وعن دور سياسي، لأحزاب «وسطية» وأحزاب «يسارية» بالمقاييس الإسرائيلية الصهيونية طبعاً، في التشكيلة الحكومية الجديدة في إسرائيل، رغم أن هذه الأحزاب اضطرت الى تقديم تنازلات كبيرة لأحزاب اليمين واليمين المتطرف، لتنجح في ازاحة نتنياهو وائتلافه من سدّة الحكم هناك.

لا يكتمل الحديث في هذا الموضوع دون التطرق الى جردة حساب شاملة لتقييم كل مرحلة نتنياهو على رأس السلطة التنفيذية في إسرائيل. إنها باختصار مرحلة حافلة بنجاحات شكلية، وحافلة أكثر بمسلسل من فشلٍ مدوٍّ اكثر بكثير على الصعيد الحقيقي: صعيد فلسطين، وإيران، والعلاقة مع حليف إسرائيل الأقوى، ومصدر قوتها العملية، وهو العلاقات مع الحزبين الأمريكيين: الديمقراطي والجمهوري، اللذين يتناوبان السلطة هناك.

هذه التطورات على الأوضاع في إسرائيل، تستدعي، وبالضرورة، اعتماد سياسة فلسطينية نشطة وشاملة، عقلانية ومقنعة وعملية، يتم إعدادها في مراكز أبحاث متخصصة، وخلايا عمل وعصف فكري، تعتمد على أُسس عديدة، اهمها، في اعتقادي:

1ـ مبادرات (وليس ردود فعل) فلسطينية ذكية لخطوات عملية مشروعة، من نضال وطني على الأرض، بكل أشكال، وأسلحة، وأساليب النضال التي تقرها الشرعية الدولية، ينتجها ويعرضها على صانعي القرار الفلسطيني «مصنع مبادرات» يعتمد على عقول فلسطينية مبدعة، وعقول عربية وغير عربية، حليفة وصديقة ومناصرة للحقوق الفلسطينية.

2ـ مبادرات (وليس ردود فعل) ذكية على الصعيد الدولي، سياسية وديبلوماسية، تعتمد على مشروعية وشرعية المطالب الفلسطينية، الفورية، والمرحلية، والنهائية. وتستفيد من الموجة الدولية العارمة المناصرة للحقوق الفلسطينية، والتي تجلّت بوضوح خلال «الهبّة المباركة» التي انطلقت من حي الشيخ جرّاح في القدس العربية، والمسجد الأقصى، واتّسعت لتصبح «هبّة فلسطينية شاملة» شاركت فيها جماهير وأفراد من كل القطاعات الفلسطينية: في داخل الأرض المحتلة 1948، وقطاع غزة، والضفة الغربية، ومخيمات اللجوء، ودول الشتات، واعادت الى الذاكرة ما كان عليه شكل ووجه النضال الفلسطيني اثناء الإنتفاضة الفلسطينية الشاملة، والتي انطلقت من غزة في خريف 1987.

3ـ إعداد «خليّة ردود فعل» تتولى الرد والتصدي لكل خطوة إسرائيلية، على كل صعيد، وتستفيد من بدء انقشاع السيطرة الكاملة لوسائل الإعلام التقليدية، من صحف وإذاعات وفضائيات ودور انتاج سينمائية، تهيمن عليها، بشكل شبه مطلق، شخصيات وجمعيات وأموال يهودية صهيونية، وأجنبية وعربية متصهينة، على تشكيل الرأي العام والمزاج الشعبي في غالبية دول العالم. هذه السيطرة لوسائل الإعلام التقليدية، بدأت في الإنحسار لصالح وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة؛ ويكفي أن نتابع الأثر الإيجابي البالغ في الرأي العام، لابنتي السيد الفلسطيني محمد حديد، عارضتي الأزياء العالميتين: جيجي وبيلا، من خلال ما تنشرانه على صفحاتهما في كافة وسائل التواصل الاجتماعي. ويكفي أن نعرف أن إسرائيل قررت، (حسب ما نشرته بعض الصحف الإسرائيلية في الأسابيع القليلة الماضية) تخصيص مليار ونصف المليار دولار للتصدي للتأثير «السلبي» لوسائل التواصل الإجتماعي الحديثة، على صورة إسرائيل في العالم.

ولا يضيرنا هنا تسجيل ملاحظة أن الإعلام الإسرائيلي، والإعلام المناصر لإسرائيل، يحرص على تغييب هوية محمد حديد كـ»فلسطيني» ويستبدلونها بهوية «من أصول فلسطينية»!!، رغم أن أُمه خيرية، من الناصرة، وأبوه أنور حديد، من صفد؛ وأطلق اسم والده أنور، على بِكرِه، تأكيداً لاعتزازه بهويته الشخصية الوطنية والقومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى