أقلام وأراء

عماد شقور: المصلحة الفلسطينية وخطاب نصر الله

عماد شقور 8-11-2023: المصلحة الفلسطينية وخطاب نصر الله
ما كنت أعتقد بصوابية التطرق، في هذا المقال، الى خطاب الأمين العام لحزب الله اللبناني، السيد حسن نصرالله، بعد مرور أسبوع من إلقائه، لاعتقادي أن مرور كل هذه الأيام المليئة بالأحداث، كفيلة بأن تشبع ذلك الخطاب تقييماً وشرحاً وتفسيراً. إلا أن الكمّ الهائل من المقالات والتدوينات السلبية، بمشاركة وتحريض أقلام إسرائيلية، ومتعاونين معها، إضافة الى كثيرين من حَسني النيّة، والطّيّبين المُضّلّلين، دفعتني لمراجعة ذلك الاعتقاد، وتخصيص الجزء الأكبر من المقال لخطاب نصرالله.

ملاحظة أولى يجب تسجيلها: صَمَتَ الأمين العام لحزب الله اللبناني، السيد حسن نصرالله، على مدى أربعة أسابيع كاملة على انفجار «طوفان الأقصى» وعلى ما لحقه من زلازل بالغة القوة، ومن ارتدادات متصاعدة ومتواصلة. لكن صمته هذا كان «مدوّياً» وأكثرَ تأثيراً وإرباكاً للقيادات الإسرائيلية السياسية والعسكرية، من كثيرٍ من المناشدات والإدانات، التي أطلقها زعماء ومسؤولون في المنطقة ودول الجوار والعالم. وناب «فعل» مقاتلي حزب الله اللبناني عن «صمت» زعيمه. وكانت ثمرة هذا الفعل، اضطرار إسرائيل الى حشد نسبة عالية جداً من كافة أسلحتها: البرية والجوية والبحرية، على حدودها مع لبنان، وهو ما يعني تخفيفاً للضغط العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، إضافة الى إخلاء أكثر من 50 ألف إسرائيلي من العديد من المستوطنات على الحدود من لبنان، بما في ذلك مدينة كريات شمونة، التي أقامتها إسرائيل على أراضي وأنقاض قرية «الخالصة» الفلسطينية، بعد أن أجبرت العصابات الصهيونية سنة 1948 سكانها الفلسطينيين على اللجوء الى لبنان.

ملاحظة ثانية يجدر بنا تسجيلها: وهي ملاحظة عن خطاب نصرالله، وليس عن صمته هذه المرّة. فماذا قال نصرالله؟.

يمكن توزيع خطاب نصرالله، (ساعة ونصف تقريباً) على ثلاثة محاور:

1 ـ المقدمة، التي خُصّصت لتكريم الشهداء، والتّرحّم على أرواحهم، ومواساة عائلاتهم؛ وتوجيه التحية للمقاتلين؛ وتسجيل اعتباره أن المبادرة لإطلاق معركة «طوفان الأقصى» كاملة الشّرعية.

2 ـ على الجانب الفلسطيني، أكّد نصرالله أن «طوفان الأقصى» هي عمليّة فلسطينية صرفة 100٪؛ (مع ما في ذلك من تلميح الى توجيه الثّناء والتقدير لأصحابه الحقيقيين المباشرين، من جهة، وللتأكيد، من جهة ثانية، أن «حزب الله» اللبناني، وبقية أطراف «محور المقاومة» يناصرون ويتضامنون مع الطرف الفلسطيني في هذا المحور، وهو «حركة حماس» ولكنهم لم يشاركوا في إطلاقه). وزاد على ذلك، أن القيادة العسكرية الميدانية لكتائب عزّالدّين القسّام، كانت حريصة، لدواعي السّرية لضمان النجاح في مفاجأة العدو، لم تشرك في الإعداد وتحديد ساعة الصفر لإطلاق عمليّتها حتى شركاءها الميدانيين من «الجهاد الإسلامي» وغيرهم.

ثم برّر ذلك التّكتم، وعدم إشراك بقية أطراف «محور المقاومة» بأن كل واحد من هذه الأطراف، يملك حرية القرار، ويتصرّف بناء على ما تقرره قيادته، وفق الظروف المحيطة به وبنشاطاته.

لا بد أيضاً من ملاحظة تركيز حسن نصرالله في خطابه، على أن «انتصار غزة» هو أوّلاً انتصار فلسطين، ولكنه كذلك مصلحة «وطنية» مصرية، ومصلحة «وطنية» أردنية، ومصلحة «وطنية» سورية، وهو، قبل كل ذلك، مصلحة «وطنية» لبنانية.

3 ـ على الجانب الإسرائيلي، وهو الأهم في هذا السياق. يعرف حسن نصرالله مدى اهتمام إسرائيل: مواطنيها وحكومتها وكل قياداتها، بكل ما يقوله، وبانشغالهم في تحليل وتفسير كل كلمة يقولها، وكل موقف يعلنه، أو يلمّح له. وإذا كان نصرالله قد أربك إسرائيل بصمته على مدى الأسابيع الأربعة الأولى للقتال، فإنه زادهم ارتباكاً بما قاله. وقد تقصّد أن يقول بأنه يتحدّث «بكل شفافيّة، ووضوح، وغموض» (وكرر ذلك مرّتين) على ما في ذلك من تناقض كامل بين تعبير «الشفافيّة والوضوح» وتعبير «الغموض» وهو ما زادهم إرباكاً.

قال نصرالله:

أـ دخلنا المعركة، (ولم يقل «الحرب») يوم 8 أكتوبر، أي بعد تفجّرها بيوم، وهو ما يعني أنه لم يكن هناك تنسيق بين طرفي «محور المقاومة». وأضاف: «ولن يتم الإكتفاء بذلك، على أي حال».

ب ـ «جبهة لبنان» هي «جبهة مساندة وتضامن» مع غزة. أي أن ما يجري ليس حرباً على جبهتين، وإنما هي حرب على «جبهة غزة» وأن دور حزب الله هو المساندة.

ج ـ الخط الأحمر: «لا ترتكبوا حماقة الاعتداء على لبنان». وكل الاحتمالات في جبهتنا مفتوحة، و«سلوك العدو تجاه لبنان يحكم تصرّفاتنا».

د ـ حتى الآن لم يأتِ يوم الانتصار. وسيكون الانتصار بالنقاط، أي ليس بالضربة القاضية.

هـ هدف المعركة الآن: الصمود، ومنع العدو من تحقيق أهدافه.

و ـ عن الأساطيل التي تحشدها أمريكا في شرق المتوسط: أعددنا لها عدّتها.

بعد كل هذا، نصل الى السؤال: أين هو الخلل في هذا الخطاب الذي زاد القيادات الإسرائيلية حيرة وارتباكاً؟

هل لشعبنا الفلسطيني مصلحة في تحميل حزب الله وتحميل شعب لبنان الشقيق والغالي مآسي أكثر مما هو فيه معاناة؟ وأستعير هنا ما قاله صديقي نبيل عمرو قبل أيام: «فبيروت قدّمت ما عليها وأكثر في الحروب الطويلة الأمد من أجل فلسطين».

كفى تعامياً عن الجوهر، وتساوقاً مع دسائس إسرائيليين عنصريين، وعملائهم، ونبشاً في بطون خطابات ترى الخلافات والاختلافات بين الشعوب الأصيلة في منطقتنا، وبين طوائفها التي تجمعها مصلحة واحدة وحيدة: التعايش والتعاون والتكامل.

أصل هنا الى»بيت القصيد» ومناقشة الجوهر، من خلال الإجابة على السؤال الجوهري: أين تكمن مصلحة الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة، وفي هذه الظروف؟ وما هي البدائل المتوفرة؟

بداية يجب التوضيح أن الأمر ليس بيد الشعب الفلسطيني وقواه الفاعلة ذات التأثير. ذلك أننا، كشعب، وكدولة غير مكتملة التشكّل، ما زلنا في مرحلة النضال للتحرّر من الاحتلال ومن الاستعمار الإسرائيلي. ولسنا، عضواً في «حلف عسكري» مع أي من الدول أو المعسكرات. وليس بمقدورنا أن نُلزم أي دولة، أو مجموعة دول، بموجب اتفاق أو حلف ما، على التّصرف بهذه الطريقة أو تلك.

ثم، منذ أن انطلقت أحداث المرحلة الحالية، في معركة «طوفان الأقصى» فجر السابع من أكتوبر، وقضية شعبنا الفلسطيني تحتل المركز الأول في اهتمامات العالم، في الساحة الدولية، الى درجة غير مسبوقة. وتتمثّل مصلحتنا الوطنية الفلسطينية العليا في هذه المرحلة أن يستمر هذا التركيز الى حين استقراره نهائياً في محطّة إقرار الوصول الى نبذ مبدأ «إدارة الصّراع» والانتقال منه الى مبدأ «حل الصّراع» بتطبيق قرارات الشرعية الدولية.

ثم، مرة أُخرى، هل من مصلحة شعبنا الفلسطيني، في هذه المرحلة الدقيقة، بالغة الأهمية، أن تتوسّع دائرة القتال والمعارك، لتشمل دولاً في المنطقة؟

جوابي، بكل وضوح: أبداً.

ذلك في غير مصلحتنا مطلقاً.

يكفي أن نتصوّر: ماذا لو تطوّرت مشاغلة الجيش الإسرائيلي مع حزب الله في لبنان، إلى معارك وحرب شاملة، وما قد يؤدي، باحتمال كبير جداً، الى تصعيد يصل الى حرب أوسع تشارك فيها إيران؟

معروف، وبديهي، أن كل حدَثٍ، مهما كان كبيراً أو صغيراً، له بداية، تكون له نهاية. فكيف يمكن أن ينتهي هذا الحدث الكبير؟

سينتهي بالتأكيد الى فتح كل ملفّات إيران، وأهمها ملف الموضوع النووي، إضافة لفتح ملفات عديدة أُخرى حول قضايا دول المنطقة والعالم، وفي مثل وضع كهذا، يتم تدبيج بعض الفقرات حول فلسطين، ويعاد وضع هذه الفقرات في الأدراج، وتثبيتها على الرفوف الخاصة بـ«إدارة الصراع» من جديد. وإضافة الى ذلك: لن تتوقف، أداة الإجرام الإسرائيلية، على مدى امتداد تلك التّطورات والمعارك، لو حدثت، عن تقتيل أبناء شعبنا الفلسطيني، لا في قطاع غزة، ولا في الضفة الفلسطينية والقدس، ولا عن ترويع ابناء شعبنا في مناطق الاحتلال الأولى.

مصلحة شعبنا الفلسطيني الحقيقية: الصمود، ومنع العدو من تحقيق أهدافه، وصولاً الى «إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس العربية» باعتبارها الخطوة الأساسية الأولى على طريق استعادة شعبنا الفلسطيني لكامل حقوقه الشرعية والطبيعية.

أخيراً، ومنعاً لأي التباس، ومنعاً لأي بحث عن خلافات واختلافات جوهرية بين المكوّنين الرئيسيّين للعمل النضالي الفلسطيني، «فتح» و«حماس» لا يضيرني تسجيل وتثبيت ما قاله رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» اسماعيل هنية، يوم الأربعاء الماضي: «لقد قدّمنا تصوّراً شاملاً لوقف العدوان، وفتح المعابر، وصفقة تبادل الأسرى، وفتح المسار السّياسي لبناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس». أين هي أسباب الخلاف؟

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى