أقلام وأراء

عماد شقور: أيُّهما أنفع لفلسطين حركة صهيونية عنصرية مقنّعة أم مفضوحة؟

عماد شقور 19-1-2023م: أيُّهما أنفع لفلسطين حركة صهيونية عنصرية مقنّعة أم مفضوحة؟

دافيد بن غوريون، «مهندس دولة إسرائيل»، والذي أعلن إقامة الدولة عشية يوم 15 أيار/مايو سنة النكبة الفلسطينية 1948، كان زعيم حزب «مباي»، واسمه هو الأحرف الأولى لكلمات باللغة العبرية، تعني «حزب عمّال أرض إسرائيل»، مقدّماً نفسه على أنه حزب يساري، أقام مع حزبين يساريين آخرين: حزب «مبام» (حزب العمّال المُوحَّد)، وحزب «أحدوت هعفودا» (الوحدة العمّالية)، تعاونات اشتراكية، هي المعروفة بـ«الكيبوتسات»، وكان المعسكر الاشتراكي في العالم، بقيادة الاتحاد السوفياتي السابق، هو أوّل المخدوعين بتوجّهات هذه القيادات الصهيونية العنصرية المُقنّعة، لدرجة أنه دعم العصابات الصهيونية بالسلاح.

كان في أقصى اليمين في إسرائيل في تلك الأيام حزب «حيروت» (الحريّة)، بزعامة مناحيم بيغن، وفي أقصى اليسار حزب «ماكي» (الحزب الشيوعي الإسرائيلي)، وكان شعار بن غوريون تشكيل ائتلافات حكومية برئاسته، من جميع الأحزاب «دون ماكي وحيروت»، بما يوحي وكأن هذه الحكومات «وسطية» ومعتدلة، تبعد «المتطرفين» من كلا الاتجاهين.

بهذا القناع الخادع لوجه الحركة الصهيونية العنصرية، حظيت إسرائيل بتضامن غالبية الشعوب في دول العالم المؤثّرة، ومن كلا المعسكَرَين. وتم السّكوت والتغاضي عن جرائم الصهيونية، وأكبرها نكبة الشعب الفلسطيني سنة 1948، (وهي النكبة المتواصلة حتي اليوم)، التي ارتكبت فيها الحركة الصهيونية مجازر راح ضحيّتها عشرات آلاف المدنيين الفلسطينيين، وجرائم تهجير أكثر من 800 ألف فلسطيني، ليصبحوا لاجئين في الدول العربية المحيطة بفلسطين، بالإضافة الى تهجير نحو 50 ألف فلسطيني داخل «الخط الأخضر» الذي تم ترسيمه باتفاقيات الهدنة سنة 1949، بين «دولة إسرائيل» ودول «الطوق» العربية: مصر والأردن وسوريا ولبنان، وهدم وتدمير وإزالة أكثر من 400 قرية وبلدة عربية داخل هذا «الخط الأخضر»، الذي اعتمدته غالبية دول العالم كـ»حدود دولة إسرائيل»، رغم أن إسرائيل لم تعتمده كحدود رسمية لها. وما زال ملف عضوية إسرائيل في هيئة الأمم المتحدة، حتى اليوم، (بعد 75 سنة على إعلان إقامتها، و56 سنة على استعمارها لما تبقى من فلسطين خارج الخط الأخضر)، خالياً من خريطة تبين حدودها.

ظل التضامن مع إسرائيل والحركة الصهيونية بشكل شبه مطلق، إلى حين انطلاق كتلة «عدم الانحياز»، التي كان للزعيم العربي، جمال عبد الناصر، دور قيادي في تأسيسها، مع الرئيسين: الهندي، جواهر لال نهرو؛ واليوغسلافي، جوزيف بروز تيتو؛ وغيرهم من دول آسيا وإفريقيا أساساً، التي تحررت من استعمار دول أوروبا الغربية، حيث بدأت يقظة غالبية شعوب العالم، وبدأ انحسار القناع عن وجه إسرائيل والحركة الصهيونية العنصرية، وبلغ ذلك ذروته عشية حرب حزيران/يونيو 1967، ولكن النتائج المذهلة لانتصار إسرائيل في تلك النكسة المشينة، أعاد لإسرائيل ما خسرته من تضامن، وزاد عليه إعجاب جارف بـ«معجزة» انتصار الدولة صغيرة بمساحتها وبعدد سكانها على دول كثيرة اكبر منها مساحة وعدد سكان، واحتلال ما يزيد على أربعة أضعاف «مساحتها الأصلية»، (حسب «الخط الأخضر»)، وفي «ستة أيام» قتال فقط، وهو ما جعل إسرائيل تعيش حالة سُكْر، أفاقت منها على «اليوم السابع» للقتال، في حرب أكتوبر/تشرين الأول المشرّفة، عام 1973.

بفضل هذا «اليوم السابع»، وبفضل ما أنجزته الثورة الفلسطينية، بقيادة حركة «فتح»، وزعيمها، ياسر عرفات، (وخاصة بعد انطلاقتها الجديّة فور صمت مدافع حرب 67)، عاد خلع القناع عن الوجه البشع للحركة الصهيونية العنصرية، وبلغ الأمر ذروته يوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1975، عندما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3379، الذي حدّد أن «الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري»، بتأييد 72 دولة ومعارضة 35 وامتناع 32 دولة. ويومها قام مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، حاييم هيرتسوغ، بحركة مسرحية، أثناء إلقاء كلمته من على منصّة الجمعية العامة، حيث مزّق ورقة عليها نصّ ذلك القرار. (وبالمناسبة: حاييم هيرتسوغ أصبح لاحقاً الرئيس السادس لإسرائيل (1983 ـ 1993)، وهو والد الرئيس الإسرائيلي الحالي، اسحق هيرتسوغ).

لكن، وبعد 16 سنة، اشترطت إسرائيل إلغاء ذلك القرار، بالغ الأهمية، للقبول في المشاركة في «مؤتمر مدريد» الذي شاركت فيه منظمة التحرير الفلسطينية، ضمن «وفد أردني فلسطيني مشترك»، وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 16.10.1991، القرار رقم 8646، الذي نصّ على أن: «تقرّر الجمعية العامة للأمم المتحدة، نبذ الحُكم الوارد في قرارها رقم 3379».

أحداث وتطورات كثيرة تلاحقت خلال العقود الأخيرة. وما يهمنا، في هذا السّياق، هو الانزياح البالغ والمتواصل في الشارع اليهودي في إسرائيل، نحو اليمين، ثم اليمين المتطرف، وصولاً إلى اليمين الفاشي، هذه الأيام، بوجهه القبيح الذي ترفضه وتدينه حتى حكومات يمينية، وغالبية الأقليات اليهودية في العالم، ويرفضه مئات آلاف اليهود في إسرائيل ذاتها، والذين يتظاهرون ضدها في المدن الإسرائيلية.

تكشف حكومة نتنياهو الحالية، بيديها، القناع عن وجه إسرائيل الحقيقي، العنصري والبالغ القبح والبشاعة وحتى الفاشي.

في بؤرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هذه الأيام، (إضافة الى قيام الشباب الفلسطيني بالتصدي البطولي لممارسة الاحتلال ومستوطنيه الاجرامية في الضفّة الفلسطينية)، الصراع السياسي والديبلوماسي في المحافل الدولية، وفي عواصم الدول والتكتّلات الدولية.

تمارس إسرائيل الإرهاب بكل أنواعه العنيفة والدموية، وتخترع «أنواع إرهاب» تصف بها كل نشاط فلسطيني نضالي مشروع، وصلت حدّ اختراع «إرهاب سياسي» و«إرهاب ديبلوماسي» بل حتى اختراع «إرهاب قضائي».

هكذا تقول الأجهزة الإسرائيلية الرسمية عن مبادرة فلسطين لحث الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار قرار اللجوء الى محكمة العدل الدولية في لاهاي، لإصدار قرار تقييمها لمواصلة استعمار إسرائيل لأراضي الدولة الفلسطينية، كما أقرتها الأمم المتحدة، على 22٪ من أرض فلسطين. وصفت إسرائيل هذا القرار الذي تم اتخاذه في نهاية السنة الماضية، (قبل ثلاثة أسابيع)، بأنه «إرهاب سياسي» و «إرهاب قضائي»، وأقدمت حكومتها، فاقعة العنصرية والفاشية، على «معاقبة» فلسطين بمصادرة أموال السلطة الوطنية الفلسطينية، وغير ذلك من «عقوبات».

كان قرار الجمعية العامة «طلب رأي محكمة العدل الدولية بشأن التبعات القانونية لمواصلة الاحتلال الإسرائيلي»، وما يقدم عليه من إجراءات الإستيطان والضّم وتغيير التركيبة الديموغرافية، قد حاز على 78 صوتاً، مقابل 26 صوتاً، (بما في ذلك صوتا إسرائيل والولايات المتحدة)، وامتناع 53 دولة عن التصويت. وبعد قرار «العقوبات الإسرائيلية ضد السلطة الوطنية الفلسطينية»، أصدرت أكثر من خمسين دولة بياناً ضد هذا الإجراء الإسرائيلي، وكان من بين الموقعين على هذا البيان دول صوتت بالأساس ضد قرار اللجوء الى محمة لاهاي، ودول امتنعت عن التصويت عليه، وكان الملفت أن من بين الموقعين على قرار رفض رد الفعل الإسرائيلي فرنسا وألمانيا.

لا يجوز التراجع عن هذا التوجه الفلسطيني لفضح وكشف الوجه الحقيقي القبيح لإسرائيل في المحافل الدولية. وأعتقد بأنه حان وقت توجه فلسطين للمطالبة بإعادة استصدار قرار جديد يعيد التأكيد على أن «الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى